“شيءٌ ما” يخبِّئه “الحزب”

لم يسبق أن عاش “الحزب” تجارب التخلّي عن موقعه ودوره كتنظيم عسكري، في الداخل وعلى الحدود. ويتردَّد أن بعض كوادره يميلون إلى مماشاة حركة “أمل” والرّضوخ للواقعية وتسليم السلاح ضمن تسوية تحفظ أكبر مقدار من النفوذ في الدولة. لكن آخرين يعتقدون أنه لا يجوز لـ”الحزب” أن يصاب باليأس في الدفاع عن امتيازاته، وأن نهوضه ممكن إذا اعتمد المناورة في التحالفات في الداخل ومع القوى الإقليمية، ولا سيما الحكم الجديد في دمشق، وإذا بقي النظام قويًا في طهران.
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
منذ أن هدأت عاصفة طريق المطار، و”حزب الله” يلتزم صمتًا كاملًا، ما يدفع إلى السؤال: هل اقتنع فعلًا بمنطق الدولة، فقرّر الانضواء تحت جناحها وتسليمها السلاح، أو هو يتعمّد تهدئة اللعبة ظرفيًّا، وسينطلق بخطة جديدة؟
في رأي البعض أن “الحزب” اقتنع منطقيًّا بأن وقت التنازلات قد حان. وهناك دوافع عدة إلى ذلك: هزيمته في وجه إسرائيل، سقوط الأسد في سوريا، تراجع نفوذ طهران، والتغيير الدراماتيكي للسلطة في لبنان، بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة يتبنّيان برنامجًا يقول بنزع السلاح غير الشرعي. وفي رأي هؤلاء أنّ الرئيس نبيه بري، شريك “الحزب” الوحيد داخل “الثنائي” الشيعي، لعب دورًا أساسيًّا في “جلبه” إلى الدولة، باعتبارها مظلّة الأمان الوحيدة الباقية له، بعد سقوط كل الأوراق الأخرى.
ولكن، في المقابل، هناك من يشكّك في هذه النظرة المتفائلة، ويقول: مَن يعرف “الحزب” جيدًا يدرك أنه لا يتخلى عن مقدراته بهذه السهولة، وأنه قرّر الانحناء بعض الوقت لإمرار العاصفة وبعض المحطات، ولا سيما تشييع أمينيه العامين الأحد المقبل. فهو يريد إنجاز هذا الحدث من دون تشويش، وبأكبر عراضة جماهيرية، وبرسائل قوية في كل الاتجاهات الداخلية والخارجية: “نحن ما زلنا هنا، نمثل غالبيّة الشيعة، والأمر لنا”. وبعد المناسبة، في رأي هؤلاء، سيعود “الحزب” إلى التعاطي مع كل استحقاق بما يناسب. وفي الترتيب الزمني، ستكون المواجهة الأولى حول البيان الوزاري، بعد التشييع بيومين.
“الحزب” تلقّى في الأيام الأخيرة صدماتٍ وضرباتٍ يُعتبر بعضها “قاتِلًا” له كتنظيم عسكري. وهي:
1 – تشكيل حكومة ليس لـ”الحزب” فيها تمثيل واضح أو ثلث معطل، وينصّ بيانها الوزاري صراحةً على احتكار الدولة للسلاح وقرار الحرب والسلم، أي على نزع سلاحه عمليًّا.
2 – إصرار الدولة على قرارها منع هبوط الطّائرات الإيرانية في مطار بيروت، متحدّية التهويل، واستعدادها لقمع أي محاولة جديدة لإثارة الفوضى على الطريق المؤدّية إليه.
3 – إرباك “الحزب” في مواجهة الضربات الجوية والاغتيالات التي نفّذتها إسرائيل أخيرًا في العمق اللبناني، شمال الليطاني، كالبقاع الشمالي وجرجوع، واغتيالها أحد مسؤولي “حماس” في صيدا، إضافة إلى عمليات التدمير التي حوّلت غالبية القرى الحدودية إلى ركام.
4 – انتقال الجنوب إلى رعاية الدولة التي أخذت على عاتقها مهمّة التحرير من دون شراكة “الحزب”، مستخدمةً المسار الديبلوماسي ومستندة إلى مواثيق الأمم المتحدة، فيما يتولّى الجيش وحده مسؤولية الانتشار في المناطق المحرّرة، وترتيب عودة الأهالي إليها.
5 – حسمت الدولة اللبنانية، بالتنسيق مع الحكم السّوري الجديد، حال الفلتان والمواجهات التي شهدتها الحدود عند بعض النقاط والمعابر في الهرمل، حيث لـ”الحزب” نفوذ ومصالح لم يكن أحد يجرؤ على المسّ بها قبل اليوم.
لم يسبق أن عاش “الحزب” تجارب التخلّي عن موقعه ودوره كتنظيم عسكري، في الداخل وعلى الحدود. ويتردَّد أن بعض كوادره يميلون إلى مماشاة حركة “أمل” والرّضوخ للواقعية وتسليم السلاح ضمن تسوية تحفظ أكبر مقدار من النفوذ في الدولة، لأنّ الظروف الإقليمية والدوليّة لم تعد تسمح بالوضع الذي كان قائمًا. لكن آخرين يعتقدون أنه لا يجوز لـ”الحزب” أن يصاب باليأس في الدفاع عن امتيازاته، وأن نهوضه ممكن إذا اعتمد المناورة في التحالفات في الداخل ومع القوى الإقليمية، ولا سيما الحكم الجديد في دمشق، وإذا بقي النظام قويًا في طهران. وتاليًا، يجب عدم التخلّي عن السلاح، انتظارًا لظروف أفضل. وهناك وجهات نظر متباينة داخل “الحزب” في هذه المسألة، يبدو أنها انعكاس لحال إرباك يعيشها النظام الإيراني نفسه، بين معتدلين ومتشدّدين في مواجهة الطروحات الأميركية. كما يدور نقاش بين طرفَيْ “الثنائي” الشيعي حول الخيارات.
في الخلاصة، سيمرّر “الحزب” عرض القوّة الذي يريده الأحد، لكنه يخبئ “شيئاً ما” سيفعله في أول فرصة. وهذا ما يوحي به بعض كوادر “الحزب”، والذين يملكون هامشًا أوسع للتعبير بصراحة عن خلفية مواقف “الحزب” من دون قفازات، كالشيخ أحمد قبلان الذي جزم قبل يومين: “لا أحد يستطيع نزع سلاح المقاومة. وحذارِ الخطأ، لأنّ البلد على برميل بارود”. ولا يعني هذا أن “حزب الله” قادر على تكرار تجربة 7 أيار 2008، لأسبابٍ عديدة، لكنه سيواجه استحقاق نزع السلاح، بما يملك من إمكانات، وبالمناورة والمماطلة وعروض القوّة. والأيام المقبلة ستكشف حدود هذه المواجهة ونتائجها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() رعبٌ إسرائيلي يهدِّد مصر والأردن ويلفَح لبنان | ![]() سلام وحكومته في مرمى عيون أورتاغوس | ![]() إقرأوا جيداً انقلاب التوازنات في سوريا |