أجواء إيجابية تسود القطاع العقاري والطلب “يتحسّن”

بعد سنوات من الركود، يبرز القطاع العقاري اليوم كإحدى الركائز الأساسية التي تشهد مؤشرات إيجابية على طريق الانتعاش. ففي ظل التطورات السياسية الأخيرة، يبدو أنّ الاستقرار النسبي قد أعاد الثقة إلى هذا القطاع. فهل نشهد حقبة جديدة للقطاع العقاري تُعيد إليه دوره الحيوي في دعم الاقتصاد اللبناني؟
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
بعد جمود استمر لسنوات، يشهد القطاع العقاري اليوم حركة لافتة مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة، وعلى الرغم من أننا ما زلنا في مرحلة “الحركة” وليس “الفورة”، إلا أنّ استقرار الوضع اللبناني ينعكس تفاؤلاً بإعادة تحريك السوق العقارية، ما يبشر بأجواء إيجابية وفرصة ذهبية لإنمائه وهو ما تُرجم بزيادة الطلب اليومي للمستثمرين الداخليين والخارجيين الذين أرادوا تركيز استثماراتهم في العقارات. فماذا يحصل في القطاع العقاري؟
نقيب الوسطاء العقاريين وليد موسى يقول لـ “هنا لبنان”: “بعد سلسلة الازمات التي ضربت القطاع العقاري خلال السنوات الماضية، والمراحل المتعددة التي مر بها بدءاً من شراء العقارات بموجب الشيكات المصرفية مروراً بانخفاض أسعارها بالدولار الاميركي إلى حدود الـ 50% وصولاً إلى ارتفاع اسعار العقارات بشكل متفاوت بين المناطق ذات القدرة الشرائية مثل الوسط التجاري والرملة البيضاء وكليمنصو والاشرفية وحرش تابت واليرزة البترون وعمشيت وفقرا وفاريا. ها نحن اليوم ندخل مرحلة جديد مليئة بالأمل والتفاؤل مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة ما دفع عدداً كبيراً من المستثمرين لتركيز استثماراتهم في القطاع العقاري عبر شراء الأراضي”.
ويلفت موسى إلى أنّ “الطلب بات يومياً حتى وإن لم تتم كل العمليات بنجاح إلا أنّ مجرد وصولنا إلى هذه المرحلة يعني أنّ المستثمرين بدأوا يستعيدون الثقة بالقطاع”.
كما يلفت إلى أنّ “المستثمرين اليوم على يقين بأنّ أسعار العقارات سترتفع في المستقبل مع دخول البلاد مرحلة الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي لذا ربما يتجهون نحو شراء العقارات قبل أن يزداد الطلب وبالتالي ترتفع الأسعار”.
ويقول موسى: “القطاع العقاري يشكل تاريخياً العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، إذ يلعب دورًا رئيسًا في النمو وتوفير فرص العمل، كما أنّ إنماءه ينعكس إيجاباً على 70 مهنة، ومن هنا نشدد على ضرورة الاهتمام به وتطويره، وكما ينصح المالكين بعدم رفع أسعار عقاراتهم في الوقت الراهن تجنباً لعدم التلاقي بين رغبة الشاري والبائع ولأن ارتفاع الأسعار بشكل سريع سينعكس سلباً على القطاع”.
وفي قراءة اقتصادية حول أسباب زيادة طلب المستثمرين على القرارت، يقول الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري: “يشهد القطاع العقاري في لبنان نشاطًا متزايدًا مع ارتفاع الطلب، مما يعكس عوامل اقتصادية واجتماعية متعددة. هذا الارتفاع يبدو مدفوعًا بالتوقعات، حيث يتوقع المشترون استمرار صعود الأسعار، فيسارعون إلى الشراء، بينما يفضل المالكون التريث، على أمل تحقيق مكاسب أكبر في المستقبل. في ظل الأزمة المالية والتضخم، أصبحت العقارات ملاذًا آمنًا لحفظ القيمة ما أدى إلى تزايد الطلب مقابل محدودية العرض، وجعل امتلاك العقارات أكثر صعوبة لذوي الدخل المحدود، مما عمّق الفجوة الاقتصادية”.
ويتابع: “في الوقت نفسه، تأثرت بعض المناطق، لا سيما تلك المتضررة من الحرب الإسرائيلية، حيث بات السكان أقل تفاؤلًا بالعودة السريعة بسبب تعقيدات تمويل إعادة الإعمار. هذا الواقع قد يدفع البعض إلى البحث عن بدائل سكنية أكثر استقرارًا، مما يعيد تشكيل الخريطة العقارية في البلاد. ومع ارتفاع الطلب على الإيجارات نتيجة تعذر التملك، تزداد أسعار الإيجارات، وهو ما قد يجذب المستثمرين العقاريين الباحثين عن عوائد مرتفعة، فيرفع بالتالي أسعار البيع أيضًا. لكن إذا كان الطلب على الإيجار يعكس ضعف القدرة الشرائية لشراء العقارات، فقد يؤدي ذلك إلى استقرار أو حتى انخفاض أسعار البيع، حيث يتراجع عدد المشترين المحتملين القادرين على امتلاك الوحدات السكنية.”
إضافة إلى ذلك، فإنّ غياب القروض السكنية أدى إلى تراجع قدرة شريحة واسعة من اللبنانيين على شراء العقارات، مما زاد من الاعتماد على الإيجارات وساهم في ارتفاع أسعارها. وفي حال عودة هذه القروض مستقبلاً، فقد يؤدي ذلك إلى تحريك السوق مجددًا، إذ ستزداد القدرة الشرائية للمواطنين، مما يعزز الطلب على الشراء ويدفع بأسعار العقارات إلى الارتفاع مجددًا، خاصة إذا ترافق ذلك مع تحسن في الاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، فإنّ تأثير عودة القروض سيعتمد على طبيعة الشروط والفوائد المطبقة، حيث إن معدلات الفائدة المرتفعة قد تحدّ من تأثيرها الإيجابي على الطلب”. بحسب الخوري.
كما يلفت إلى أنّ “استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى ارتفاع إضافي في الأسعار، ما يدفع المزيد من الأفراد نحو الإيجارات بدلاً من التملك، خاصة إذا لم يترافق ذلك مع استقرار اقتصادي يعزز قدرة الأفراد على الشراء. أما في حال تحسنت الظروف السياسية والاقتصادية، فقد يعود التوازن تدريجيًا إلى السوق مع زيادة المشاريع السكنية وطرح حلول عملية لإعادة الإعمار، مما يساهم في استقرار الأسعار على المدى الطويل”.