شريط عازل أم اجتياح حتى الليطاني؟!

الأشهر القليلة المقبلة، أيّ الرّبيع، قد لا يحمل إلى لبنان ما يرتجيه من استقرار، فيما دخل عامل جديد على الخطّ، وهو أن واشنطن بدأت تضغط على الحكومة اللبنانية، منذ أيام، لتقودها إلى اتفاق صلح مع إسرائيل. وسيؤدّي هذا الضغط إلى وقوع لبنان الرسمي في إرباك سياسي يضاف إلى إرباكه العسكري في التعاطي مع سلاح “حزب الله”. وبديهي أن تستغل إسرائيل هذا الإرباك لتحريض الأميركيين على لبنان.
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
بدأت تتكشف تدريجيًّا ملامح المرحلة القريبة المقبلة في جنوب لبنان، فـ”حزب الله” لا يبدو في صدد التنازل عن سلاحه في شمال الليطاني، وإسرائيل ستتّخذ من هذا الموقف ذريعة للمضي في التصعيد، فهي تعلن الاحتفاظ بخمس تلال محاذية للخط الأزرق، لكنّ هذا ادّعاء غير صحيح، ويُراد منه تصغير حجم المنطقة المحتلة بهدف “تبليع” الجانب اللبناني حقيقة الوضع. إنّها في الواقع تسيطر على مناطق واسعة في جوار التلال الخمس، بذريعة حاجتِها إلى المدى الحيوي لحركة قواتها. أي إنّها، وبذريعة التمركز في التلال، تحتلّ كامل الشريط المحاذي للخط الأزرق من البحر حتى الحدود السورية، بعدما حوّلته صحراء غير قابلة للحياة، بعمليات النسْف والجرْف.
واللّافت أنّ إسرائيل لم تحدد موعدًا لإخلاء المنطقة، وربطت ذلك بالتزام لبنان “إزالة الخطر” الذي يمثّله “حزب الله” نهائيًّا، بكلّ أشكاله ومهما كان ضعيفًا وأينما كان. وإذا لم تنفّذ الحكومة اللبنانية ما يُلزمها به القراران 1701 و1559 واتفاق وقف النار، فستُبقي إسرائيل على احتلالِها إلى أجل غير مسمى، وتُواصل طلعات الرّصد والغارات بلا ضوابط، في أي مكان من لبنان.
هذا الواقع يكشفُ حجمَ الإرباك في الجانب اللبناني. فصحيح أنّ الدولة تعهدت صراحة ببسط سيادتها في كل المناطق، عبر الجيش والقوى الشرعية الأخرى من دون شريك أو منازع، إلّا أنّها لم تكشف كيف ستحقّق هذا الهدف ما دام “حزب الله” يرفض تسليم السّلاح وسائر أوراق القوة التي يملكها، ويحيل المسألة إلى حوار مفترض حول الاستراتيجية الدفاعية.
بالتّأكيد، لن تتمكن الحكومة اللبنانية من نزع سلاح “الحزب”، كما تطالبها إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، راعية الاتفاق. وسيحتفظ “الحزب” بسلاحه شمال الليطاني، ولو مستترًا. وهذا ما يمنح إسرائيل ذريعةً للبقاء في لبنان ومواصلة الطلعات والضربات، حتى إشعار آخر، بدعمٍ من واشنطن. وعند الدخول في هذا المأزق، سيدخل الوضع الميداني جنوبًا مسارات جديدة.
فاللّافت هنا أنّ الأوساط القريبة من “حزب الله” بدأت ترجمة الكلام الذي لوّحت به سابقًا، ومفاده بأنّ المرحلة المقبلة ستفرز أساليب مقاومة جديدة للاحتلال جنوب الليطاني، فيما “الحزب” نفسه سينكفئ ليثبت للجميع أنّه لم يعد موجودًا في تلك المنطقة. وسيقوم أبناء القرى الجنوبية بتطوير أنواعٍ جديدة من المقاومة ضدّ القوات الإسرائيلية. وأخطر ما تتوقعه الأوساط صراحة هو أنّ إسرائيل ستردّ على هذه العمليات بشكلٍ عنيف، وقد تندفع إلى توسيع عملياتها في الجنوب، وتكرّر نموذج 1978، فتصل برًّا إلى خط الليطاني. وفي هذه الحال، تخوض “المقاومة الشعبية” مواجهة مع إسرائيل في جنوب الليطاني، فيما “الحزب” نفسه يخوض المقاومة من شماله. وتستند الأوساط إلى هذا الاحتمال لتبرّر الحاجة إلى استمرار امتلاك “الحزب” لسلاحه في شمال الليطاني حاليًا، وعدم التسرّع في التخلّي عنه، لأن الجيش، في رأيها، سيحتاج إلى المقاومة وإمكاناتها في أي مواجهة مع إسرائيل.
طبعًا، هذا الكلام الذي يدور في الأوساط القريبة من “الحزب” ببالغ الجدّية ينذر بنسف كل الجهود التي تبذلها الدولة حاليًا. ففي الواقع، لن يمنح الأميركيون لبنان أي فرصة للنهوض، ما لم يخرج تمامًا من فلك إيران و”الحزب” وما لم تأخذ الدولة بزمام السلطة والقرار بالكامل. وعلى الأرجح، ستتجنّب الحكومة حصول مواجهة لبنانية – لبنانية ساخنة على خلفيّة ملفّ السلاح، لما فيه من حساسيّات، لكن عجزها عن حسم الأمور وِفق رؤيتها سيكلّف البلد الكثير. ويُفترض أن يكون خيار إقناع “الحزب” بالانضواء في الدولة أسهل من إقناع إسرائيل في الانسحاب الكامل من الجنوب. لكن “الحزب” لا يبدو حتى اليوم مستعدًّا لتسهيل هذه المهمة.
لذلك، الأشهر القليلة المقبلة، أيّ الرّبيع، قد لا يحمل إلى لبنان ما يرتجيه من استقرار، فيما دخل عامل جديد على الخطّ، وهو أن واشنطن بدأت تضغط على الحكومة اللبنانية، منذ أيام، لتقودها إلى اتفاق صلح مع إسرائيل. وسيؤدّي هذا الضغط إلى وقوع لبنان الرسمي في إرباك سياسي يضاف إلى إرباكه العسكري في التعاطي مع سلاح “حزب الله”. وبديهي أن تستغل إسرائيل هذا الإرباك لتحريض الأميركيين على لبنان.
هناك حال واحدة ربّما تجنب لبنان “القطوع” الجديد، وهو أن تقوم واشنطن وإسرائيل بحسم ملف إيران قريبًا جدًّا، سواء بالضربة -كما يتردّد حاليًّا- أو بالاتفاق. هذا الأمر قد يتيح لـ”حزب الله” قبول التسوية في لبنان. ولكن، وفي أي حال، لا أحد قادر على ضمان انسحاب إسرائيل من الشريط الذي تمكنت من احتلاله، نتيجة إصرار “الحزب” نفسه على خوض “حرب مساندة غزة” لأكثر من عام، من دون الاستماع إلى أصوات التحذير أو الوسطاء.
وما يفاقم التأزّم في الفترة القريبة المقبلة هو أنّ إسرائيل ستتعاطى مع الجنوب اللبناني باعتباره جزءًا من ميدان واحد ومختبر واحد مع الجنوب السوري، حيث يصعب التكهّن بما يخبئ نتنياهو وشركاؤه، ومعهم إدارة دونالد ترامب.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() ترامب شدَّ الخناق بقوة على “الحزب” وإيران | ![]() الظروف مكتملة لسقوط وقف النار | ![]() “شيءٌ ما” يخبِّئه “الحزب” |