باسيل والتيّار من الهيمنة إلى العزلة

كان جبران باسيل يستأثر بالوزارات الخدماتية ويستغل هذا النفوذ لـ”دَحْوَشَة” جماعاته فيها، في الاتصالات والطاقة والخارجية. كما تحوّلت وزارة الطاقة التي تسلّم حقيبتها باسيل مرتين والتي هيمن عليها التيار أكثر من عشر سنوات إلى مزرعة لباسيل، ليس فقط في التوظيف وإنما في الوزراء الذين توالوا عليها وكانوا ينتمون جميعهم إلى التيّار او محسوبين عليه. وكان باسيل يتنقّل من وزارة إلى اخرى، إلى أن تسلّم أخيرًا وزارة الخارجية ومكث فيها أكثر من خمس سنوات.
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
هل من يتذكّر كلام ميشال عون قبل ست عشرة سنة عام 2009 عندما كان سعد الحريري يُشكِّل أوّل حكومة له: “كرمى لعيون صهر الجنرال عمرها ما تتألف حكومة…؟”، وهذا الصهر “هو ما غيرو جبران باسيل” الذي حاول بالأمس رفع وزنه وتغلية سعر مشاركته في الحكومة معلنًا عدم منحه الثقة، فكان ردّ رئيس الحكومة الجديد نوّاف سلام رافعًا يده بالرّفض: “لا مش راغب إحصل على ثقتك”.
تختصِر هذه الواقعة العمر السياسي للتيار العوني الذي كان الهدف الوحيد لمؤسِّسه عون دخول قصر بعبدا والجلوس على كرسيّه، والذي كان في أغلب الأحيان يحاول استبعاد هذا وعزل ذاك من بين الذين دعموا وصوله إلى رئاسة الجمهورية ما عدا “حزب الله”، والذي قال عنه البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير لكاتب هذه السطور قبل انتخابه بسنوات: “حلم عون الرئاسة”.
علمًا أنّ عون راح يتصرّف على هذا الأساس قبل تحقيق حلمه بسنوات، فقد أعلن في حزيران 2011 بعد ان أسقطت “8 آذار” (هكذا كان اسم محور الممانعة يومها) حكومة الحريري الاولى، بلسان باسيل الذي كان يومها وزيرًا للطاقة، من الرّابية: “قطعنا له تذكرة ذهاب من دون رجعة one way ticket وذهب ولن يعود”. واستمرّ عون في التعاطي الفوقي والابتزازي حتى بعد أن أصبح رئيسًا. وفي كل مرّة كان الحريري يؤلِّف الحكومة كان باسيل يحاول ان يفرض من يريد ويسعى إلى الحصول على الأكثرية فيها. وعند استقالة الحريري تحت ضغط الانتفاضة الشعبية في تشرين 2019 ثمّ تكليف حسان دياب الذي استقال بعد تفجير المرفأ في 4 آب 2020 وأعيد تكليف الحريري فراح عون يصعّب عليه المهمة إلى درجة قال عنه على مسمع من دياب: “كذاب، لم يرسل لائحة أسماء…”، عندها اعتذر الحريري عن التأليف.
وكان عون في كل مرة يذهب اليه أحد السياسيين طارحًا أي مسألة، يحوّله إلى باسيل الذي أصبح برأي رئيس مجلس النواب نبيه بري “الرّئيس الثاني” لدرجة أنّ جعجع عبَّر عن الإحالة إلى باسيل بطريقةٍ تحوّلت نكتةً متداولة: “قوم بوس تيريز…”. وكان باسيل يستأثر بالوزارات الخدماتية ويستغل هذا النفوذ لـ”دَحْوَشَة” جماعاته فيها، في الاتصالات والطاقة والخارجية. كما تحوّلت وزارة الطاقة التي تسلّم حقيبتها باسيل مرتين والتي هيمن عليها التيار أكثر من عشر سنوات إلى مزرعة لباسيل، ليس فقط في التوظيف وإنّما في الوزراء الذين توالوا عليها وكانوا ينتمون جميعهم إلى التيّار او محسوبين عليه. وكان باسيل يتنقّل من وزارة إلى اخرى، إلى أن تسلّم أخيرًا وزارة الخارجية ومكث فيها أكثر من خمس سنوات، فراح يركِّز على الاغتراب متنقلًا من بلدٍ إلى آخر، وتحديدًا في دول أميركا اللاتينية، وتمكَّن من تضمين قانون الانتخاب الجديد، الذي خِيطَ على قياسِه عام 2017 وأمَّن له مقعدًا في البترون، ستة مقاعد نيابية لتمثيل المغتربين، ولو أنّه لم ينجح في وضع هذا التمثيل حيّز التنفيذ.
وكان باسيل يستفيد من تحالفه مع “حزب الله” في الانتخابات منذ عام 2009. ففي حين حصل التيار على اثنيْ عشر مقعدًا في انتخابات 2005 قفز في 2009 إلى سبعة عشر مقعدًا وفي انتخابات 2018 إلى 25 مقعدًا مع حلفائه الأرمن وعدد من المستقلين، وقد مكَّنه قانون الانتخاب الجديد الذي تمّت انتخابات 2018 على أساسه من الفوز بمقعده بعد أن سقط في دورتَيْ الانتخاب التي سبقت، وقبل أن يرجع عون إلى لبنان عام 2005 بسنة جرت الانتخابات البلدية عام 2004 ولم يتمكّن باسيل من الفوز بعضوية المجلس البلدي في البترون. وفي دورة 2022 الأخيرة، تمكّن من الحصول على 20 مقعدًا على خلفية بدء التباعد مع “حزب الله”، الذي كان يؤمِّن له ما لا يقل عن ثمانية او تسعة مقاعد، بسبب اشتداد الصراع على الرئاسة بين باسيل الطامح وسليمان فرنجية الذي تمسَّك الحزب بترشيحه بقوة. ما أدّى إلى لجوء باسيل إلى بري بعد ان كان قد اتهمه بـ”البلطجة”. وهو بات اليوم خارج السلطة بالكامل، لا رئاسة ولا مشاركة في الحكومة ولا أكثرية داعمة في مجلس النواب، والخلاف مع “حزب الله” يتصاعد إلى درجة انه قد يؤدي إلى خسارته في الانتخابات المقبلة في 2026 نصف ما لديه اليوم من المقاعد، ليعيش التيّار ورئيسه في عزلة سياسية خانقة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “الحزب” يبحث عن نفسِه بين الأنقاض! | ![]() الثنائي يحاول عرقلة انطلاقة عون | ![]() “حزب الله” يقارِب الدولة مرْغمًا |