بعد المطالبة بحلّه… هل يحافظ حزب البعث العربي الاشتراكي على وجوده في لبنان؟

مسألة المطالبة بحلّ حزب البعث في لبنان اليوم، مبنية على اعتبار أنّ هذا الحزب انتهى في سوريا، ومن الطبيعي أن ينتهي عمله في لبنان، خاصة أنّ نظام البعث السوري، ارتكب جرائم عديدة بحقّ اللبنانيين.
كتبت ناديا الحلاق لـ”هنا لبنان”:
طَوَت سوريا صفحة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم البلد بالحديد والنار لأكثر من نصف قرن وأنهت 61 عامًا من القمع والاضطهاد والتنكيل، في تطوّرات سياسية تؤسِّس لمرحلة جديدة في سوريا، أما في لبنان لا يزال هذا الحزب محافظًا على قطره وعلى الإملاءات التي ورثها عن القيادة السورية وبشار الأسد.
ما يطرح تساؤلات حول مستقبل حزب البعث في لبنان ومحافظته على وجوده خصوصًا أنّه تنظيميًّا مرتبط بسوريا؟
الأمين العام لحزب البعث في لبنان علي حجازي يقول لـ”هنا لبنان”: “حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، حاصل على علم وخبر بتاريخ 22 ايلول عام 1970، وبالنسبة لحلّه فهذا لا يستند إلى أيّ مسوّغ قانوني، الحزب مرخّص تحت اسم “حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان”، وتاريخه يعود إلى العام 1956 ما يجعله كيانًا منفصلًا عن البعث في سوريا أو أي دولة أخرى”.
ويضيف: “بما أنّ لبنان بلد الحريات فينصّ ذلك على أن أي مجموعة يحقّ لها ممارسة العمل السياسي شرط الالتزام بالقانون وعدم مخالفته ونحن ملتزمون به ولن نخالفه”.
ويلفت حجازي إلى “نقاشات داخلية تدور حول إعادة صياغة الافكار والمقاربة السياسية وحتّى البحث في تعديل الاسم كوننا دخلنا في مرحلة جديدة في المنطقة قد تتطلب منّا قراءة معيّنة للأمور ومقاربة هادئة وقريبًا سنطلق وثيقة سياسية واضحة في بنودها وفيما سنناضِل من أجل تحقيقه”.
وفي سؤال عن سبب مهاجمته لرئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام يجيب: “بالنسبة لموقفي قلته بالصوت والصورة نحن نثق برئيس الجمهورية وهو آتٍ من مؤسسة عسكرية وله باع طويل فيها ويعرف موازين القوى في الداخل ويدرك جيدًا أن هناك مقاربات تُطرح في الاعلام لا يمكن أن تتحقّق لأن فيها اقصاء وإلغاء لأطراف لبنانية وازنة، واي اتهام بتهجّمنا على رئيس الجمهورية هو افتراء وتبلٍ”.
أما فيما يخص رئيس الحكومة فأقولها صراحة بأن “هناك فريق محيط به قد لا يمثلونه بل يضعون شروطهم فيما يخص ملف إعادة الاعمار وكأنّهم يريدون معاقبة الناس وِفق خياراتهم السياسية. كل ما قلته في هذا الإطار: إن كان هناك استحالة في تأمين الأموال من جهاتٍ عربية أو من الولايات المتحدة فليتكرّم علينا رئيس الحكومة ويجد حلًا مرتبطًا بموضوع الاموال التي قيل إنها موجودة في إيران ومرصودة لإعادة الاعمار، وقد يجد صيغة معينة لهذا الموضوع لها علاقة بالبنك الدولي او بصندوق النقد أو بالاموال التي قيل إنه أفرج عنها لإيران في قطر، كل ما يعنينا هو إعادة الناس الى بيوتها”.
من جهته، يقول المحلل السياسي يوسف دياب: “بعد حلّ حزب البعث الاشتراكي في سوريا لم يعد هناك مبررًا لوجوده في لبنان خصوصًا أنه كان جزءًا من حزب البعث السوري وبينهما علاقة عضوية كما كان يتلقّى تعليماته مباشرة من القيادة السورية ومن بشّار الاسد”.
ويضيف دياب: “هم يدّعون بأن هذا الحزب مرخص لبنانيًّا إلا أنّ الجميع يعلم أن قيادته كانت تعيّن من بشار الاسد شخصيًا”.
ويتساءل دياب: “هل ما زال هناك علّة لوجود الحزب في لبنان؟ كيف سيكون شكل خطابه السياسي في المرحلة المقبلة وتحت أي أطر سياسية سيعمل؟”.
وبحسب مصادر “هنا لبنان”، يحاول حزب البعث البحث عن دورٍ جديدٍ محاولًا حجز مقعدٍ مع حلفائه القدامى والجدد ضمن ما كان يسمى بمحور المقاومة خصوصًا إذا ما أعيد تعويم حزب الله سياسيًّا في المرحلة المقبلة فسيقوم بإيجاد مكان له من ضمن هذه التركيبة الحزبية بعناوينها السياسية السابقة وهي المواجهة ومحاربة اسرائيل”.
أما الخبير الاستراتيجي والقانون الدولي أكرم كمال سريوي فأوضح: “يكفل الدستور اللبناني حرّية الرأي وتأسيس الأحزاب والجمعيات فالمادة ١٣ من الدستور تنص على: حرية الرأي قولًا وكتابة، وحرية الطباعة، وحرية الاجتماع، وحرية تأليف الجمعيات، كلّها مكفولة ضمن دائرة القانون”.
وتجدر الإشارة إلى أنّ تأليف الأحزاب والجمعيات في لبنان، يستند إلى قانون عام 1909 العثماني، الذي ما زال ساري المفعول، وقد اعطى حرية واسعة في تأليف الجمعيات والأحزاب، بحيث اشترط تقديم علم وخبر لدى وزارة الداخلية، لكن لاحقًا صدر المرسوم الاشتراعي الرقم 153 تاريخ 1983/9/16، الذي نظّم اعطاء تراخيص الاحزاب والجمعيات.
وتنص المادة 33 منه: لا يجوز تأسيس الاحزاب السياسية، الا بترخيص مسبق، يعطى بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الداخلية. والمادة 40: لا يجوز تأسيس حزب سياسي، يثبت أنّ له ارتباطًا بحزب غير لبناني. تحدّد بمرسوم يتَّخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزير الداخلية الحالات التي تخرج عن الحظر المقرر في الفقرة السابقة.
وبالنّسبة للمطالبة بحل حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، فيقول سريوي: “من ناحية قانونية الحزب حاصل على علم وخبر وفقًا للقانون اللبناني، ولا يمكن حلّه سوى بقرار يصدر عن قيادته أو بقرار من الحكومة اللبنانية بناءً على أسباب وجيهة، أو بناءً على قرار قضائي يصدر بعد تقديم دعوى وإجراء محاكمة عادلة”.
ويضيف: “من المعروف أنّ هذا الحزب، هو في الأصل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بحزب البعث السوري، وكان يتلقّى تمويلًا منه، ووجوده مخالف بشكل جزئي لنصّ المادة 40 المذكورة أعلاه، لكن تطبيق الحظر استنادًا إلى هذه المادة، يطرح علامات استفهام كبيرة، حول عدّة أحزاب لبنانية، وهذا يستتبع إجراءات بحقّ أحزاب أخرى، فالحزب الشيوعي اللبناني مثلًا، كان امتدادًا للحزب الشيوعي السوفياتي ومرتبطًا به، ولم يتم حلّه، وما زال موجودًا ويمارس عمله السياسي”.
من ناحية عملية، وبحسب سريوي: “لقد انتهى حزب البعث بشقَّيْه السوري والعراقي، وبالتّالي فإن امتدادات هذا الحزب إلى لبنان، باتت بحكم المنتهية سياسيًّا، وعلى الرَّغم من أن هذا الحزب هو مبني على فكرة الوحدة العربية، لكنه عمليًّا لم يُسهم في هذه الوحدة، بل على العكس كان عاملًا أساسيًّا في تفكيك الجمهورية المتحدة، التي كان قد تمّ إعلانها بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ورئيس سوريا آنذاك شكري القوتلي، في 22 شباط 1958، وبعد إعلان الانفصال في 28 أيلول 1961، قام حزب البعث بزجِّ عدد كبير من الناصريين في السجون”.
من ناحية ثانية، فإنّ مسألة المطالبة بحلّ حزب البعث في لبنان اليوم، مبنيةً على اعتبار أنّ هذا الحزب انتهى في سوريا، ومن الطبيعي أن ينتهي عمله في لبنان، خاصة أنّ نظام البعث السوري، ارتكب جرائم عديدة بحقّ اللبنانيين. لكن يجب التنبه إلى عدم استخدام الكيدية السياسية، للحدّ من حرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور، و”أي قرار بحلّ الحزب، يجب أن يصدر طواعية عن قيادته في لبنان، أو استنادًا إلى القوانين المرعية الإجراء”.