الرئيس في الرياض: إلى الثوابت… دُرْ!

ترجمة هنا لبنان 4 آذار, 2025

كتب Michel Touma لـ”Ici Beyrouth”:

عبارتان موجزتان تختصران كلّ الفارق: “لقد قدم لبنان بما فيه الكفاية بسبب حروب الآخرين” (على أراضيه)، و”قرار الحرب والسلام حصري بيد الدولة وحدها”. وعلى لسان الرئيس جوزاف عون تكرّرتا في أكثر من مناسبة، لتعكسا بوضوح شديد تعقيد الأزمة اللبنانية وأبعاد المعاناة المستمرّة منذ عقود في بلاد الأرز. وها هي الكلمات نفسها تتكرّر في توقيت دقيق تزامن مع زيارة رئيس الجمهورية إلى المملكة العربية السعودية، الاثنين 3 آذار.

وفي الأصل، ليس من قبيل الصدفة أن يختار الرئيس جوزاف عون الرياض لأوّل زيارة رسمية خارجية له. وتحمل هذه الزيارة دلالات رمزية عميقة إذ تعكس توجّه النظام الجديد الذي يسعى لتصحيح مسار السياسة الخارجية بعد أعوام طويلة من الانحرافات. وليس من قبيل الصدفة أيضًا أن يتولّى حقيبة الخارجية اللبنانية اليوم حزبٌ ذو توجه سيادي بامتياز، وأن يقودها ديبلوماسي مخضرم لامع على غرار يوسف رجّي، الشهير بمواقفه الثابتة حول سيادة لبنان والتزامه الرّاسخ بسياسة الحياد، وهي مواقف لا مجال للمساومة عليها.

هذه العودة إلى الثوابت في علاقات لبنان الخارجية تعدّ خطوة حتمية للخروج من حالة الانهيار التي زُجَّ البلد بها قسرًا لسنوات تحت وطأة التمدّد الإيراني والسوري. وكان من الطبيعي أن تبدأ أولى خطوات التصحيح الديبلوماسي من الرياض، لسبب جوهري: لقد تمكنت المملكة العربية السعودية من ترسيخ مكانتها على الساحة الدولية، حيث استضافت أوّل اجتماع رسمي علني بين الإدارة الأميركية الجديدة وروسيا منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

وعلى مستوى الشرق الأوسط، تلعب المملكة دورًا محوريًّا في إدارة الأوضاع الإقليمية المعقّدة والمتفجّرة. وهي تشكّل حجر الزاوية في الجهود الرامية إلى احتواء، بل وحتى إنهاء، التوسّع الإيراني الذي يقوده الحرس الثوري. كما أنّ اتفاقيات أبراهام، التي أطلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لا يمكن أن تكتمل من دون مشاركة سعودية فعالة. وليس من قبيل المصادفة أن الهجوم الدموي الذي شنّته “حماس” على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بتحريض واضح من طهران، كان يهدف أساسًا إلى عرقلة أو تجميد الاتفاق الوشيك بين الرياض والدولة اليهودية.

ومن المنظور اللبناني، يأتي اختيار الرئيس عون للرياض كأوّل محطة في جولته الخارجية بمثابة تصحيح لمسار العلاقات الدولية للبنان، بعيدًا عن الاصطفافات والتبعيّة. ولا بدّ من ذكر بعض الحقائق كما هِيَ وبلا مواربة في هذا الصدد: لقد حوّل النظام الإيراني لبنان إلى رهينة لمشاريعه، ما جعل البعض ينسى أن المملكة العربية السعودية لطالما وقفت إلى جانب لبنان، سياسيًّا وماليًّا، عبْر ضخّ ودائع مالية متكرّرة لدعم احتياطيّات مصرف لبنان. كما أنها تبقى الدولة الإقليمية الوحيدة التي لم تموّل أو ترعى ميليشيا مسلّحة تابعة لها في لبنان خلال سنوات الحرب.

الأحداث المأساوية الأخيرة أثبتت درجة الأضرار التي لحقت بلبنان عندما فُرض عليه الانسلاخ عن محيطه الطبيعي نتيجة الحملات العدائية التي شنّها “حزب الله” ضد دول الخليج والدول الصديقة، تنفيذًا لفائض أجندة طهران التوسعية.

ولعلّ المشهد الذي جمع الرئيس جوزاف عون بوزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان في قصر بعبدا، بعيْد أيام على انتخابه، يعكس الصورة بشكل شامل. فقد نظر في عينيه مباشرة وقال بارتياح واضح: “أخيرًا…”. كلمة واحدة تختصر كل شيء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us