هل تستطيع أوروبا حماية نفسِها إذا اندلعت حرب مع روسيا؟

ترجمة هنا لبنان 6 آذار, 2025

كتب Elie Ziadé لـ”Ici Beyrouth”:

أعادت التطورات الكبرى هذا الأسبوع، بدءًا من التصادم الشهير بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والثنائي الأميركي دونالد ترامب وجاي دي فانس، رسم ملامح النظام العالمي، خصوصًا في أوروبا.

وزعزعت طموحات موسكو التوسّعية منذ عام 2022 (بل وحتّى منذ 2014) عقودًا من الهدوء في القارة العجوز. وبعد الدعم الثابت الذي قدمته الولايات المتحدة منذ 2022 تحت إدارة جو بايدن، بدأ الأميركيون تغيير المسار، ما أثار قلق حلفائهم الأوروبيين مقابل استحسان وتصفيق الكرملين. ومع تلاشي فكرة أوكرانيا ذات السيادة المستقلة، يجب على الدول الأوروبية الاستعداد للمرحلة المقبلة. فما الذي قد تفعله في حال حدوث هجوم أو توسّع روسي؟ هل تستطيع منعه أو مواجهته؟

“الواحد من أجل الجميع، الجميع من أجل الواحد”؟

من الناحية النظرية، يُفترض أن يثير أي هجوم روسي على دولة أوروبية رد فعل من باقي الدول الغربية، خصوصًا إذا كانت هذه البلدان جزءًا من تحالف كحلف شمال الأطلسي (الناتو). وبالتالي، فإنّ أي هجوم على إحدى دول البلطيق – إستونيا، لاتفيا أو ليتوانيا – وهي دول أعضاء في الناتو، سيجبر دول التحالف، وفقًا للمادة 5 من معاهدة تأسيس الناتو، على “اتخاذ إجراءات فورية، فرديّة وبالاتفاق مع الأطراف الأخرى، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة، لاستعادة وضمان الأمن في منطقة شمال الأطلسي”.

ويأتي ذلك عملًا بمبدأ “الواحد من أجل الجميع، الجميع من أجل الواحد”. ولا يزال هذا المبدأ، الذي يعدّ جوهر التحالف الأطلسي الذي تأسّس عام 1949 لمكافحة التوسّع السوفياتي، ساري المفعول. وطالما أنّ هذا المبدأ قائم، وأنّ الدول الـ 32 الأعضاء في الناتو – وعلى رأسها الولايات المتحدة – مستعدة لدعم أي دولة تتعرّض للاعتداء، فإنّ احتمالات نشوب صراع حاد في أوروبا تبقى ضئيلةً جدًّا، إن لم تكن معدومة. في هذا السّياق، أكد دونالد ترامب الخميس دعمه للمادة 5 من الناتو في مؤتمر صحافي مشترك مع كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني. وبالتالي، سيصعب تخيّل سيناريو تتخذ فيه روسيا بقيادة فلاديمير بوتين قرارًا بشنّ هجوم مباشر على أحد أعضاء الناتو، مع العلم أنّ الحلفاء، بقيادة ترامب، سيردّون عليه.

“الموت الدماغي” 2 والمظلة النووية الأوروبية

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الناتو بأنه في حالة “موت دماغي” وأعرب عن أسفه لغياب “التنسيق الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب والدول الأوروبية. وفي ردّه على المستشار الألماني المستقبلي فريدريش ميرتس، الذي دعا أوروبا للاستعداد لـ”أسوأ السيناريوهات” – أي ناتو من دون ضمانات أميركية – أعاد الرئيس الفرنسي إحياء النقاش حول الرّدع النووي الأوروبي، مع النّظر في إمكانية حماية القارّة اعتمادًا على القدرات الفرنسية والبريطانية.

ومع أنّ العلاقة بين ماكرون وستارمر تراجعت في الأيام الأخيرة، لا يمكن للرّدع النووي، سواء كان أوروبيًا أو عبر الأطلسي، حماية القارة العجوز وحده، خصوصًا أن روسيا تمتلك قنابل نووية، وبكمّيات أكبر بكثير. ويُقدّر الخبراء أن روسيا تمتلك حوالي 5500 رأس نووي، مقارنة بـ290 لفرنسا و225 للمملكة المتحدة. وحتى وإن كانت جميع الرؤوس النووية الروسية غير قابلة للتشغيل، فإنّ أي هجوم روسي على القارة الأوروبية قد يؤدي إلى رد نووي فرنسي – بريطاني، وهو ما قد يتسبب بهجمات تشعل أوروبا وتجعلها غير قابلة للعيش لعقود مقبلة. بعبارات أخرى، سيفضي ذلك بلا شك للإبادة المتبادلة.

الوحدة أم التشتّت الأوروبي؟

تتوقف قدرة أي دولة – أو ائتلاف دول – على الدفاع عن نفسها على عدة عوامل، بما في ذلك القدرات العسكرية والمدنية والتحالفات، والأهم من ذلك، على الإرادة السياسية. وفي سبتمبر/أيلول 2024، قرّر فلاديمير بوتين زيادة عديد الجيش الروسي إلى 1.5 مليون جندي، وهو عدد مماثل لما يمكن أن تحشده أوروبا. وتمتلك العديد من دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 150.000 جندي نشط، مثل بولندا (216.000 جندي) وفرنسا (200.000) وألمانيا (181.000) وإيطاليا (165.000). بالإضافة إلى إسبانيا التي تمتلك أكثر من 100.000 جندي، والمملكة المتحدة التي تملك 70.000 جندي، على الرَّغم من أنها لم تعد جزءًا من الاتحاد الأوروبي.

لكن هل الأعداد المتساوية مرادفًا للقوة المتكافئة؟ يطرح هذا السؤال نفسه بشكل خاص عندما نتحدث عن مواجهات مع جيش واحد يمتلك قيادة واضحة، في حين لا يوجد في الاتحاد الأوروبي هيكل قيادة موحّد. فمن عساه سيرأس جيشًا مكوّنًا من 27 دولة؟ وهل سيقاتل كل بلد منفردًا بناءً على مصالحه الخاصة، من دون النظر للمصالح الأوروبية؟

على الرَّغم من أن الجيوش الأوروبية تنظّم مناورات عسكرية مشتركة وتقاتل جنبًا إلى جنب في عدّة جبهات، لكن إذا لم تُنظم أوروبا (وبالأخص الاتحاد الأوروبي) هيكل قيادة واضح وقادر على الانتشار السريع، فإنها ستواجه صعوبة في التنسيق، بالنظر إلى كيفية عمل المؤسسات الأوروبية الحالية التي تتطلب إجماع الدول الـ 27 في اتخاذ القرارات.

التصنيع والقدرة على المواكبة

“إذا أرادت أوروبا البقاء، عليها أن تتسلح” – دونالد توسك، رئيس الوزراء البولندي، 22 يناير/كانون الثاني 2025.

من حيث الميزانية العسكرية، زادت الدول الـ 27 من إنفاقها العسكري منذ فبراير/شباط 2022 ليصل إلى 457 مليار دولار في عام 2024، وهو مبلغ يقلّ بـ5 مليارات عن روسيا، وفقًا لتقرير التوازن العسكري “The Military Balance 2025” الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (IIES). وعلى الرَّغم من زيادة الإنفاق بنسبة 30% في ثلاث سنوات، لا يكفي ذلك لسد الفجْوة التي تراكمت على مدى عقود بسبب السياسات الأوروبية لتقليص التسليح، اعتمادًا على ضمانات الأمان الأميركية، فضلاً عن غياب سياسة دفاعية أوروبية حقيقية. ولا يتعلق الأمر فقط بالعدد والتكتيك على الأرض، بل برؤية مشتركة فيما يخص الاحتياجات، والتوافق بين الجيوش المختلفة وتوزيع التكاليف. ووفقًا لعدّة مصادر، يتمّ تجميع أقلّ من 20% من الاستثمارات الأوروبية بين الدول، مما يعني أنّ الأوروبيين لا يستفيدون من وزنهم الجماعي في التفاوض والتوفير، كما كانت الحال في شراء اللقاحات إبّان جائحة كورونا.

ومن ناحية أخرى، تجد صناعة الدفاع الأوروبية صعوبة في مواكبة الاحتياجات منذ 2022، سواء من حيث سرعة الإنتاج أو الجودة. ويُقدّر أن أكثر من 60% – وربّما حتى 80% وفقًا لتقديرات متشائمة – من المشتريات الدفاعية الأوروبية تتمّ من الشركات الأميركية. ومن الأمثلة على ذلك، شراء ألمانيا طائرات مقاتلة من طراز F-35 من الولايات المتحدة على الرَّغم من أنها جزء من الكونسورتيوم الذي ينتج طائرات “يوروفايتر”، بينما جارتها فرنسا تنتج “طائرات رافال”.

في المحصّلة، لقد أضعف اعتماد أوروبا الطويل الأمد على الولايات المتحدة والناتو من قوتها العسكرية المشتركة. وعلى الرَّغم من أن فكرة الدفاع الأوروبي المشترك طُرحت مرارًا منذ الخمسينيّات، لكنّها لم تحظَ بمتابعة جدّية من الناحية السياسية، خصوصًا من قبل الثنائي الفرنسي – الألماني.

فهل ستدفع التغيّرات الجذرية في النظام العالمي الأوروبيين للنّظر أبعد من السوق المشتركة، أي كجماعة قادرة على الدفاع عن نفسِها من دون الحاجة لقوة عظمى؟ أم أنّهم سينتظرون فجر غزو دولة أوروبية قبل الشروع في التفكير بالموضوع؟.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us