“الحزب” يبحث عن نفسِه بين الأنقاض!

يتناسى “الحزب” أنّ القرار 1701 لا يسمح له بالاحتفاظ بسلاحه وأنّ الظروف تغيّرت الآن بشكل جذري إذ إنّ تطبيق القرار هذه المرة تشرف عليه لجنة دولية بقيادة الولايات المتحدة نفسها وفرنسا والأمم المتحدة وإسرائيل ولبنان، وليس هناك أي دولة أو طرف بإمكانه أن يمارس أي ممانعة او لديه النية، لدرجةٍ أنّ إيران نفسها تعيش اليوم عزلة اقليمية ودولية وتمارس عليها الادارة الاميركية الترامبية ضغطًا قويًا وربما تحوّل هذا الضغط إلى حرب عليها.
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
يعيش “حزب الله” مرحلةً ربما هي الأصعب في وجوده يبحث خلالها عمّا يعتقد أنّه دوره الذي مارسه منذ عشرات السنين لبنانيًّا وإقليميًّا، عندما كان لبنان والمنطقة في “عصر ذهبي” بالنسبة له، تمكّن خلاله من فرض نفسِه كحزبٍ مسلحٍ حاول الجمع بين العمل السياسي عبر الطائفة الشيعية ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي مستفيدًا من “الثورة الخمينيّة” التي كانت وراء نشأته عام 1982 ومن ثمّ التحالف الذي قام بيْن ملالي ايران والنظام السوري الأسدي الذي مهّد الطريق لكي يتحوّل “حزب الله” إلى ما تحوّل إليه ومارسه منذ اغتيال رفيق الحريري في 2005 في لبنان، وما اضطلع به من تدخلٍ عسكريّ ضدّ الشعب السوري وقمعيّ ضد العراقي واليمني إلى أن أصبح أهمّ ذراع عسكرية إيرانية في المنطقة.
وخاض لاحقًا حرب تموز 2006 ضدّ إسرائيل خلّفت أكثر من ألف ضحية وخراب ودمار طال كلّ البنى التحتيّة في لبنان. وعاد وشنّ “حرب الإسناد والتشغيل” في تشرين 2023 دعمًا -برأيه- للفلسطينيين في قطاع غزّة أدّت إلى تصفية قيادة الحزب السياسية والعسكرية والقضاء على أكثر من 4 آلاف مقاتل وحزبي ودمار مناطق لبنانية بكاملها بين بيروت والجنوب والبقاع ومئات آلاف المنازل وتهجير وتشريد مئات الآلاف.
من هذه الحرب خرج “حزب الله” مُنْهَكًا سياسيًّا وعسكريًّا وميدانيًّا باغتيال أمينه العام حسن نصر الله وخليفته المعلن هاشم صفي الدين. وما إن حاول التقاط أنفاسه حتى تلقّى الضربة القاضية استراتيجيًّا بسقوط النظام الأسدي الذي ادّى إلى إقفال كلّ منافذ الحركة والإمدادات العسكرية واللوجستية والميدانية ووسائل الاتصال وحتّى المالية بين لبنان وإيران. ناهيك عن إبقاء إسرائيل على خمس نقاط في الجنوب داخل الأراضي اللبنانية على الرَّغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوقيع عليه في 27 تشرين الثاني الماضي والذي ينصّ على انسحاب كامل وتطبيق القرار الأممي 1701 الذي فاوض عليه نبيه بري رئيس المجلس ورئيس حركة امل ووافق عليه أيضًا “حزب الله”، والذي ينص على تسليم السلاح غير الشرعي على كافة الأراضي اللبنانية بدءًا من جنوب الليطاني. أي عمليًّا ينص على انتهاء “حزب الله” كحزب مسلح وعلى دوره الأساسي الذي من أجله أنشأته إيران. وهو عمليًّا يواجه المعضلة القائمة بين موافقته على القرار 1701 وبين إصراره على الاحتفاظ بسلاحه وإسرائيل التي لم تنسحب بالكامل من لبنان وتصرّ عمليًّا على تسليم سلاحه وتعطيه هكذا المبرّر للإبقاء عليه.
ويحاول حزب الله” الخروج من هذا المأزق الوجودي بالضّغط على الحكومة اللبنانية التي أُرغم على دعمِها، وهو شريك فيها وإنْ بوزراء غير حزبيين. فقد طرح أمينه العام نعيم قاسم معادلةً غريبةً تعكس عمق الأزمة التي يعيشها مُعلنًا أنّ من حق الحكومة أن تشرف على الأمن والحدود عبْر جيشها وقواها الأمنية، وهو لا يمانع في ذلك محاولًا في الوقت عينه اقتطاع دور له في الـ”مقاومة” كما قال أي مقاتلة إسرائيل، وبالتالي هذه المقاومة يمارسها كما يشاء ولا رأي ولا دور للحكومة فيها. ويتناسى أنّ القرار 1701 لا يسمح له بالاحتفاظ بسلاحه وأنّ الظروف تغيّرت الآن بشكل جذري إذ إنّ تطبيق القرار هذه المرة تشرف عليه لجنة دولية بقيادة الولايات المتحدة نفسها وفرنسا والأمم المتحدة وإسرائيل ولبنان، وليس هناك أي دولة أو طرف بإمكانه أن يمارس أي ممانعة او لديه النية، لدرجةٍ أنّ إيران نفسها تعيش اليوم عزلة اقليمية ودولية وتمارس عليها الادارة الاميركية الترامبية ضغطًا قويًا وربما تحوّل هذا الضغط إلى حرب عليها. ناهيك عن وضع الحزب الداخلي الذي يحاول أن يحافظ على شكل ظاهري منتظم للحزب الذي يعيش حال إرباك داخلي في التنظيم بين مواقع لم يتم ملؤها وطامحين لملء مراكز شاغرة بفعل الاغتيالات، وبين مَن يريد ان يتعاطى بتروٍّ كما يحاول قاسم ومَن لا يقبل حتى أي نقد أو ملاحظة كما حصل مع نوّاف الموسوي مسؤول الحدود والموارد في الحزب الذي تعرّض للانتقاد. ثم يأتي أحد نوابه ويطالب الحكومة بإعلان الحرب بعد ان خرج هو منها مُدمّرًا وناسه تفترش الارض في الجنوب!.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() الثنائي يحاول عرقلة انطلاقة عون | ![]() باسيل والتيّار من الهيمنة إلى العزلة | ![]() “حزب الله” يقارِب الدولة مرْغمًا |