لبنان إلى أين؟


خاص 13 آذار, 2025

 

إلى أين يتجه لبنان الذي ساند غزة وشاغل إسرائيل بعد هزيمة الحلف الأسدي-الإيراني في سوريا المجاورة وفشل محاولة حلفاء الزمن البائد في تنفيذ انقلاب على سوريا الجديدة ما دفع فلولهم إلى الهرب إلى لبنان ما يهدّد إستقراره الركيك أساساً، خصوصاً في ضوء إستمرار سعي حزب السلاح الإيراني لتهريب أموال إلى لبنان لإحياء قدراته التي إستنزفت في حرب المساندة والمشاغلة على مدى قرابة 17 شهراً؟

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

عندما انتهت الحرب العالمية الثانية بسقوط برلين وانهيار النازية في 2 أيار العام 1945 قسمت المخابرات الهتلرية نفسها إلى مجموعتين، إحداهما لجأت إلى الأميركيين الذين رحبوا بها كونها خبيرة في العدو الروسي السوفياتي الجديد، وإنضمت الثانية إلى الكتلة الشيوعية الناشئة التي قبلتها بصفتها خبيرة في العدو الأميركي الغربي. وصارت لاحقاً ألمانيا الشرقية عضواً في حلف وارسو العسكري رداً على إنضمام شقيقتها ألمانيا الغربية إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتبقى التجربة الألمانية أسطع مثال على استثمار تركة ماضٍ بائسٍ في تكوين مستقبلٍ واعدٍ لطرف مهزوم، وإن عبر تقسيم نفسه إلى دولتين عادت إليهما وحدتهما بعد أقل من نصف قرن وتحديداً في 3 تشرين الأول العام 1990 مع سقوط الإتحاد السوفياتي وإنهيار جدار برلين.
النموذج الألماني في التقسيم لاستعادة الوحدة يتناقض مع تجارب العرب عموماً في ضخّ بؤس الماضي لتخريب وعود المستقبل وهو ما حصل، على سبيل المثال لا الحصر، عندما عفا الرئيس المصري أنور السادات عن الأخوان المسلمين الذين حظرهم سلفه جمال عبد الناصر بعد محاولة اغتياله في الإسكندرية في 26 تشرين الأول العام 1956 وكان رئيساً للوزراء فعملوا على إسقاط خليفته حسني مبارك وأوصلوا مرشحهم محمد مرسي إلى قمة هرم سلطة مصر سنة 2012، وتحالفوا مع إيران ضد العرب في مصر وفلسطين ولبنان وسوريا والعراق بعدما خرّب فسادهم السودان وتركه جثة تتناتشها غربان الحروب الأهلية.
إلتحاق “حماس” الأخوان المسلمين بإيران إثر الفوز بالإنتخابات العام 2006 كان تحضيراً للإنفصال عن الضفة الغربية والسلطة الوطنية نهائياً بعد سنة، وتمهيداً للإلتحاق بإيران في أسوأ تجربة أصابت الشعب الفلسطيني منذ أعاده الراحل ياسر عرفات إلى بعض أراضيه بموجب إتفاق أوسلو لعام 1993.
في العام 2006 فازت حماس بالإنتخابات الفلسطينية وشكلت حكومتها الأولى برئاسة إسماعيل هنية الذي أرسل وزير خارجيته محمود الزهار إلى إيران لتأمين رواتب ونفقات تشغيل القطاع قبل إعلان فصله كلياً عن السلطة الوطنية في رام الله.
كشف الزهار في مقابلة مع قناة العالم الإيرانية أنه التقى الرئيس محمود أحمدي نجاد وقدّم له عدة مطالب فأحاله إلى قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
وقال إنه في لقائه والوفد المرافق مع سليماني “ذكرنا أنّ المشكلة الأساسية عندنا هي في رواتب الموظفين والحالات الاجتماعية والمساعدات التي يجب أن تقدم للجمهور، في وقت فرض فيه علينا الحصار بعد نجاحنا في الانتخابات”.
وشدد الزهار على أنّ “الاستجابة كانت فورية، حيث كنت على موعد في اليوم التالي للسفر في الطائرة، فوجدت 22 مليون دولار في حقائب موجودة في المطار”.
وأضاف: “كان الاتفاق على مبلغ أكثر من ذلك، ولكن كنا 9 أشخاص لا نستطيع أن نحمل أكثر من ذلك، حيث كانت كل شنطة 40 كلغ”.
إسرائيل سمحت للزهار ومرافقيه بإدخال المبلغ إلى غزة، ليس لأنها حليفة إيران كما يعتقد البعض بل لأنّ إسرائيل تستفيد من تقوية “حماس” على نفقة إيران في غزة لإضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح في الضفة الغربية.
وهذا ما حصل فعلاً فصارت “حركة المقاومة الإسلامية” المزعومة أداة لإيران في غزة وحيثما وجدت حتى أوصلت القطاع إلى البؤس الذي هو فيه الآن وتسببت بتحويل ما تبقى من سكانه إلى سلعٍ يشتريها المهتم بتشغيلها ويؤمن لها مساكن ودكاكين ومستوصفات وأجهزة صرّاف آلي وبنية تحتية لتكون الأيدي العاملة في ريفيرا الشاطئ الجميل الموعود وعمال منصات إستخراج ثروات البحر الأبيض المتوسط.
عندما إطلعت على مقابلة الزهار تذكرت أنني في 17 كانون الأول العام 1992 كنت في بلدة مرج الزهور بالبقاع أنتظر وصول 415 ناشطاً فلسطينياً أبعدتهم إسرائيل من غزة والضفة الغربية إلى لبنان.
أنزلتهم الحافلات الإسرائيلية في الشريط الحدودي المحتل وأكملوا سيراً إلى محيط مرج الزهور التي وصلوا إلى مدخلها الجنوبي ليلاً فيما السماء تثلج. تعرفت على قائد المبعدين الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله أجريت معه مقابله صحافية وصرنا أصدقاء نلتقي يومياً حتى عودة المبعدين إلى فلسطين بعد سنة.
خلال وجودي في مخيم المبعدين “بوادي العقارب” في خراج بلدة مرج الزهور شاهدت شخصاً يجلس على صخرة ويجمع حوله مجموعة من الشبان ويلقي عليهم محاضرة في الشريعة الإسلامية قيل لي إنه طبيب جراح من غزة إسمه محمود الزهار.
طلبت أن أجري معه مقابلة مصورة فاعتذر بلياقة، حاولت الإستعانة بوساطة الرنتيسي لأنّ عناصر الفكرة تستحق مقابلة فقال لي “ما بيحبش الظهور”.
استغربت رفضه لإجراء مقابلة لأنّ غالبية المبعدين كانوا يرحبون بإجراء مقابلات مع مراسلي وكالات أنباء دولية لأنها عندما تُنشر تكون بمثابة رسائل إلى أهاليهم، خصوصاً إذا كانت مصورة.
قال لي أحد المبعدين الأصدقاء من الضفة الغربية “سيبك منو . بيقولو يللي اعتقلوا معاه إنو ملتبس”.
إكتشفت أبعاد معنى مفردة “ملتبس” عندما اطلعت على بداية تمويل إيران لحركة حماس عبر الزهار كي تنفّذ أوامر الحرس الثوري في قطاع غزة. وفهمت لماذا نفذت حماس من غزة في 7 تشرين الأول العام 2023 وبأمر من طهران طوفاناً تسببت ارتداداته في تدمير القطاع وقتل أهله وحولت الناجين منهم إلى سلع تباع لمن يستثمر فيها، ما يطرح السؤال:
إلى أين يتجه لبنان الذي ساند غزة وشاغل إسرائيل بعد هزيمة الحلف الأسدي-الإيراني في سوريا المجاورة وفشل محاولة حلفاء الزمن البائد في تنفيذ انقلاب على سوريا الجديدة ما دفع فلولهم إلى الهرب إلى لبنان ما يهدّد إستقراره الركيك أساساً، خصوصاً في ضوء إستمرار سعي حزب السلاح الإيراني لتهريب أموال إلى لبنان لإحياء قدراته التي إستنزفت في حرب المساندة والمشاغلة على مدى قرابة 17 شهراً.
التطور الآخر الذي يقلق لبنان هو قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس استحداث منصب نائب للرئيس وإصدار عفو عن جميع المفصولين من حركة فتح لما يحمل تنفيذه من تأثير على وضع المخيمات الفلسطينية التي تحاول السلطة اللبنانية تجريدها من السلاح تحت شعار “احتكار الدولة اللبنانية للسلاح”.
وكان عباس قد أعلن أمام القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة الأسبوع الماضي قرار “استحداث منصب وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين… وإصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة فتح”.
منصب نائب الرئيس الفلسطيني معطوفاً على العفو عن المفصولين من حركة فتح يفتح باب المنافسة الحادة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الـ 12 التي تشرف عليها وكالة الأونروا في لبنان، ما قد ينعكس مصادمات بين الفصائل الـ 11 العاملة ضمن منظمة التحرير الفلسطينية، والحركات الإسلامية الرافضة للمظلة الأم، كحماس والجهاد الإسلامي المتحالفتان مع إيران وبقايا الحركات المتطرفة التابعة لداعش والقاعدة خصوصاً في ضوء استعدادات السلطة الفلسطينية لتكوين “شركة أمن” لحفظ الإستقرار داخل المخيمات بالتنسيق مع القوات النظامية اللبنانية خارج المخيمات.
ويتوقع حضور مدير المخابرات الفلسطينية العامة ماجد فرج إلى لبنان لتفقد عملية جرد الأسلحة “الفردية” في المخيمات التي ستخصص لعناصر شركة الأمن ومراجعة آلية التنسيق مع القوى النظامية اللبنانية.
فعلى أيّ مصير سيستقر لبنان في ضوء تعدد الصراعات على أرضه؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us