الأشخاص ذوو الإعاقة من التهميش إلى التمكين في البلديات


خاص 8 نيسان, 2025

يشكّل التعاون مع منظمات المجتمع المدني ركيزةً أساسيةً في أي خطة ناجحة. فالشراكة مع الجمعيات المتخصّصة توفّر للبلديات خبرات ميدانية ومعرفية تساعدها على وضع برامج أكثر فعّالية وواقعية.

كتب جو أندره رحال لـ”هنا لبنان”:

في لبنان، لا يزال الأشخاص ذوو الإعاقة يواجهون تحدّيات كبيرة بسبب غياب سياساتٍ شاملة تؤمّن لهم حياة كريمة ومشاركة فعلية في المجتمع. وبينما تتعثّر الدولة في وضع استراتيجيّات وطنية جامعة، تبرز البلديات كسلطةٍ محليةٍ أساسيةٍ تملك الإمكانات والمرونة لتكون عنصرًا محوريًا في إحداث التغيير المطلوب.

الخطوة الأولى نحو هذا التغيير تبدأ بضمان الوصول الشّامل إلى المرافق والخدمات. على البلديات أن تُجري تقييمًا دقيقًا للبنية التحتية التابعة لها، بهدف إزالة العوائق التي تحدّ من حرية تنقّل الأشخاص ذوي الإعاقة، والعمل على تهيئة المباني والساحات والطرقات العامة لتكون ميسّرة للجميع. ويشمل ذلك إنشاء منحدرات، وتعديل المداخل، وتوفير إشارات سمعيّة وبصريّة، بما يتماشى مع معايير التصميم الدامج.

بموازاة ذلك، لا بدّ من وضع خطّة طوارئ تضمن السلامة للجميع في حالات الكوارث أو الأزمات. فغالبًا ما يُهمَل هذا الجانب، مما يعرّض حياة الكثيرين للخطر. يجب تطوير بروتوكولات إخلاء تراعي الاحتياجات الخاصّة، وتدريب فرق الاستجابة المحلية، مع تأمين تجهيزات أساسيّة في مراكز الإيواء، مثل الكراسي المتحرّكة والأدوات المساندة.

أمّا على الصعيد الاجتماعي والثقافي، فالمطلوب هو خلق بيئة تشجّع على الدمج الحقيقي، من خلال تنظيم فعاليّات دامجة في المساحات العامة، ودعم الأندية والمبادرات التي يشارك فيها أو يقودها أشخاص ذوو إعاقة. كما تلعب التوعية المجتمعية دورًا محوريًا في تغيير الصور النمطية وتعزيز ثقافة الاحترام والقبول.

وفي ما يتعلق بالتمكين الاقتصادي، يجب أن تتبنّى البلديات سياساتٍ تُتيح فرص عمل عادلة للأشخاص ذوي الإعاقة، سواء داخل أجهزتها أو عبر دعم المشاريع الصغيرة التي يديرونها. ويمكن أن يشمل ذلك تقديم حوافز مادية، أو تسهيلات إدارية، وتشجيع التعاون مع مؤسسات التدريب المهني لتأمين برامج تأهيل مناسبة لسوق العمل المحلية.

التمثيل السياسي والمشاركة في صنع القرار لا يقلّان أهمية. من الضروري ضمان حضور الأشخاص ذوي الإعاقة في اللّجان والمجالس المحلّية، كي يكون لهم دور فعّال في رسم السياسات ومراقبة تنفيذها. كما ينبغي أن تكون السياسات البلدية نفسها خاضعة لمراجعة دورية من منظور دامج يُراعي التنوّع البشري وحقوق الجميع.

أخيرًا، يشكّل التعاون مع منظمات المجتمع المدني ركيزةً أساسيةً في أي خطة ناجحة. فالشراكة مع الجمعيات المتخصّصة توفّر للبلديات خبرات ميدانية ومعرفية تساعدها على وضع برامج أكثر فعّالية وواقعية. ومن المهمّ أيضًا إشراك أصحاب العلاقة أنفسهم، أي الأشخاص ذوي الإعاقة، في مراحل التخطيط والتنفيذ والتقييم.

إنّ الطريق نحو مجتمعٍ دامج يبدأ من المحيط القريب، من الحيّ والبلدة والقريّة. والبلديات، بصفتها الجهة الأقرب إلى الناس، تملك الفرصة لتكون نموذجًا يُحتذى به في تحويل مفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة إلى واقع ملموس. فتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة لا يُختصر بقرارات إدارية، بل يتحقّق من خلال التزام فعلي وشراكة صادقة، تضع الإنسان، كلّ إنسان، في قلب السياسات المحلية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us