من هوكشتاين إلى أورتاغوس

اليوم تستعاد تجربة هوكشتاين مع مورغان أورتاغوس فهي تحذّر من تداعيات عدم نزع سلاح “الحزب” ولكن الحزب يرفض والدولة بين الحذر والتلكؤ، وإن استمرت الحال على ما هي عليه اليوم فلا يستبعد أن نكون مجدداً أمام حرب دموية مدمرة تفضي في النهاية إلى نزع السلاح من بين جثامين المزيد من الشهداء وأنين المزيد من الجرحى والمزيد من دمار المنازل والمؤسسات
كتب بسام أبو زيد لـ”هنا لبنان”:
قبل الحرب وبعدها وقبل اتفاق وقف إطلاق النار وبعده وقبل القرار ١٧٠١ وبعده، لم يتغير موقف حزب الله من موضوع السلاح فهو يرفض أي طرح يؤدي إلى نزع هذا السلاح وإمرته من يده، وقد استطاع الحزب أن ينتزع من الجهات الدولية المعنية ومن إسرائيل أيضاً اتفاقاَ لوقف إطلاق النار يوقف الهجوم الصاعق عليه ولكن من دون أن يقدم أي تعهد بنزع سلاحه رغم أنّ الإتفاق نصّ على أنّ الحزب لا يحقّ له حمل السلاح ولا يحق له ببنى تحتية عسكرية وبتصنيع أسلحة وذخائر ووسائل قتالية، وقد أصبحت الدولة ملزمة بهذا الإتفاق ولكنها تعلم أيضاً أنها عاجزة عن تطبيق بنود نزع السلاح لأنّ الحزب لا يرغب بذلك ويلوح بورقة الحرب الأهلية إن أقدمت الحكومة على أي خطوة في هذا الإتجاه.
وإذا كان البعض يعوّل على الحوار من أجل إقناع حزب الله بتسليم سلاحه،فهو بالتأكيد يعلم أنّ الأمر لن يؤدي إلى أي نتيجة، فكل الحوارات السابقة فشلت في هذا السياق. حتى أنّ ما يعرف بالإستراتيجية الدفاعية لم ترَ النور لأنّ في قاموس حزب الله لا استراتيجية إلا تلك التي تقول باحتفاظ الحزب بسلاحه وبقرار الحرب والسلم، ولا بدّ لدعاة الحوار في هذا الموضوع أن يستعيدوا ما حصل في الحوار الذي أنتج إعلان بعبدا ليعلموا أي مصير ينتظر حوارهم المرتقب.
دعاة الحوار أيضاً يعلمون أنّ مسألة تمسك حزب الله بسلاحه ليست مسألة عابرة، بل هي جزء من العقيدة والمشروع الذي تجسده الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومرشدها الإمام الخامنئي، وبالتالي فإنّ مصير هذا السلاح ليس مرتبطاً بلبنان وما يجري على أراضيه ولا بما يمكن أن يتعرض له اللبنانيون فكل ذلك لا حساب له في سياق المشروع الكبير الذي ما زالت طهران تتمسك به حتى إشعار آخر وهو تصدير الثورة وتحرير فلسطين.
إزاء كل ما تقدم ماذا يمكن للدولة اللبنانية أن تفعل؟
إنّ أمام الحكم في لبنان خياران لا ثالث لهما:
الأول هو أن تطلب الحكومة من حزب الله تسليم سلاحه ضمن جدول زمني معين ولكن الرفض متوقع بحجة أنّ الحزب ما زال مهدداً من إسرائيل ومن النظام السوري الجديد وطبعاً هي حجة تفتقد لأي واقعية لأنّ الحقائق التي أفرزتها الحرب الأخيرة شكلت دليلاً قاطعاً أنّ هذا السلاح لم يحمِ الحزب ولا بيئته ولم يمكّنه من تحقيق أي خطوة في مشروعه الكبير، وبالتالي ستجد الدولة نفسها أمام مواجهة مع هذا الحزب وسيجد الحزب نفسه في مواجهة مع الدولة ومع الأكثرية الساحقة من اللبنانيين ومع دول العالم التي لن تتنكر لما قامت به الدولة في هذا السياق وستحاول مساعدتها بشتى الطرق لاستعادة الدولة وقرارها.
والثاني هو أن لا تقدم الحكومة على أيّ خطوة تجاه سلاح حزب الله فتصبح بنظر العالم وبنظر الأكثرية الساحقة من اللبنانيين شريكاً مع حزب الله في رفض تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرار ١٧٠١ والقرارات الدولية ذات الصلة، ولن توفرها لا الحملات السياسية ولا الحملات العسكرية ولن تتوقف التداعيات السلبية على مختلف الصعد وسيصبح لبنان تلك الدولة الفاشلة المارقة التي ستعيش عزلة لم يسبق لها مثيل ولن تجد من يمدّ لها يد العون.
في خلال حرب الإسناد وفي خلال جولاته المكوكية على لبنان حذر آموس هوكشتاين مرات ومرات من خطورة استمرار هذه الحرب لأنها ستجلب الدمار والدماء على لبنان واللبنانيين ولكن صوته لم يكن مسموعاً لدى حزب الله بأي شكل من الأشكال وكانت الحكومة عاجزة عن القرار إلى أن وقعت الواقعة فقرر الحزب وقف الحرب.
اليوم تستعاد تجربة هوكشتاين مع مورغان اورتاغوس فهي تحذر من تداعيات عدم نزع سلاح حزب الله ولكن الحزب يرفض والدولة بين الحذر والتلكؤ، وإن استمرت الحال على ما هي عليه اليوم فلا يستبعد أن نكون مجدداً أمام حرب دموية مدمرة تفضي في النهاية إلى نزع السلاح من بين جثامين المزيد من الشهداء وأنين المزيد من الجرحى والمزيد من دمار المنازل والمؤسسات.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() الاستراتيجية الدفاعية.. عود على بدء | ![]() الرئيس عون وسياسة الحسم | ![]() التدخلات والمصلحة اللبنانية |