رئيسٌ في الميدان… وجيشٌ لا يُساوَم عليه

لبنان 15 نيسان, 2025

في لحظة لبنانية تختلط فيها الحدود بين الدولة والدويلة، وينهار فيها ميزان السيادة تحت ثقل السلاح غير الشرعي، يشقّ رئيس الجمهورية جوزاف عون طريقه إلى الدوحة، ليس فقط كشكر لأمير قطر على دعمه، بل كنداء استغاثة وصرخة سيادية واضحة: لبنان لا يقوم إلا بدولة وجيش.

الرئيس عون، ومن على منبر “الجزيرة”، وجّه رسائل بالجملة: لا للتطبيع، نعم لاتفاق الهدنة، نعم للجيش اللبناني، ونعم لحصرية السلاح بيد الدولة، ولا لاحتكار القرار السيادي من أي جهة كانت.

الدعم للجيش… أولوية وطنية لا منّة فيها

زيارة الرئيس إلى قطر تأتي في توقيتٍ بالغ الحساسية، داخليًا وخارجيًا. وهي ليست زيارة مجاملة أو بروتوكول دبلوماسي، بل خطوة عملية لتأمين الحد الأدنى من مقومات الصمود للمؤسسة الوحيدة التي لا تزال تحظى بثقة الشعب: الجيش اللبناني.

في ظل محاولات دولية لوقف الدعم المالي للمؤسسة العسكرية، يأتي تحرك الرئيس عون ليعيد تصويب البوصلة: لا يمكن تطبيق القرار 1701 أو ضبط الحدود أو ضمان الاستقرار من دون جيش قوي ومجهّز ومموّل. من دون الجيش، لا جنوب ولا شرق ولا دولة.

مصادر مواكبة للزيارة أكدت أنّ الشق الأبرز في المحادثات مع أمير قطر يدور حول استمرار تقديم المساعدة الشهرية لعناصر الجيش، التي شكّلت شريان حياة لهم في ظل الانهيار الاقتصادي، إضافة إلى مشروع تمويل شراء آليات جديدة للقوى المسلحة. وقد تكون قطر اليوم واحدة من الدول القليلة التي ما زالت ترى في دعم الجيش خيارًا استراتيجيًا، لا صدقة موسمية.

استراتيجية وطنية… وسلاح واحد

أكثر ما أثار الانتباه في حديث الرئيس عون هو تصريحه الصريح والواضح: قرار حصر السلاح بيد الدولة قد اتُّخذ، وتنفيذه سيكون بالحوار لا بالقوة، لكن الأهم أنه لم يعد خيارًا بل ضرورة وجودية. الرئيس أكد أنّ الحوار بهذا الشأن سيكون ثنائيًا مع حزب الله، ما يُسقط ذرائع التذرّع “بالمناخات الإقليمية” أو “الخصوصيات اللبنانية”. فالرئيس لم يكتفِ بالتشخيص، بل رسم خارطة طريق تبدأ باستراتيجية أمن وطني، تنبثق عنها استراتيجية دفاعية، يتولّى الجيش تنفيذها.

وفي ما يشبه الردّ على من يشكّك بقدرة الجيش، استعرض الرئيس سلسلة من الإنجازات العسكرية في الجنوب وشمال الليطاني، حيث فكّك الجيش أنفاقًا، وضبط مخازن أسلحة، وصادر ذخائر من دون اعتراض من حزب الله. والرسالة واضحة: الجيش قادر إذا فُتحت له الأبواب، وإذا تمّ التوقف عن استخدامه كديكور سيادي في ظل سلاح يفرض وقائع خارجة عن الدولة.

معركة التجنيد الإلزامي… وإعادة اللحمة الوطنية

وسط هذا المشهد، برز طرح إعادة العمل بالتجنيد الإلزامي كخطوة استراتيجية لدعم الجيش من جهة، وإعادة ربط اللبنانيين بمؤسسات الدولة من جهة أخرى. مصادر سياسية متابعة تعتبر أنّ هذا الطرح ليس تفصيلاً إدارياً، بل محاولة لكسر منطق الميليشيات، وإعادة بناء وطن يُربّي أبناءه على الانتماء للجيش لا للطوائف.

التجنيد، كما يُطرَح، ليس فقط أداة دعم لوجستي للجيش في مواجهة التحديات على الحدود ومع الجيش الإسرائيلي، بل مشروع وطني اجتماعي يعيد توازن المجتمع الذي دمّرته الانقسامات والطائفيات والحروب بالوكالة.

لا مساومة على الجيش… ولا مساكنة مع السلاح

ليس خافيًا على أحد أنّ زيارة عون إلى قطر تندرج ضمن معركة أكبر من السياسة: إنها معركة على هوية لبنان. فإما أن نكون دولة ذات سيادة يحكمها دستور وجيش واحد، أو نستمر في التعايش القاتل مع دويلة السلاح وأمراء النفوذ الذين يمسكون بقرار الحرب والسلم.

الرئيس عون، برغم كل الحملات، يُثبت مرة جديدة أنه رئيس الميدان لا رئيس التوازنات الهشة. تحرّكه من بيروت إلى الدوحة ليس مجرّد زيارة دولة، بل موقف، ورهان على دول لا تزال تؤمن بأن لبنان يمكن إنقاذه من تحت الأنقاض، شرط أن يلتفّ شعبه حول جيشه، وأن يتوقف البعض عن معاداته وشيطنته وتشويهه كلما قال “لا” للسلاح غير الشرعي.

إنها لحظة الحقيقة: إما لبنان الدولة، أو لبنان الميليشيا. والجيش وحده، هو الحدّ الفاصل بينهما.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us