إلى المراهنين على صندوق النقد الدولي


خاص 21 نيسان, 2025

يشهد التاريخ على ما شهدته العديد من الدول من فشل وتعثر مالي إضافي بعد دخولها في برامج تمويلية مع صندوق النقد، فقد فشلت برامجه في إخراج العديد من الدول من أزماتها المالية والاقتصادية، لا بل ذهبت بالعديد منها إلى مزيد من التدهور

كتبت إليونور إسطفان لـ”هنا لبنان”:

يغادر وفد لبناني رسمي إلى العاصمة الأميركية واشنطن للمشاركة في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفي جعبته تعهدات ووعود إضافية لإرضاء هاتين المؤسستين الدوليتين وإقناعهما بأنّ لبنان سلك بالفعل طريق الإصلاح ويسعى للذهاب أبعد من ذلك بتنفيذ كل متطلبات صندوق النقد الدولي، سعيًا منه للوصول إلى اتفاق نهائي حول برنامج تمويلي.

لطالما ارتبطت بصندوق النقد الدولي عناوين كبيرة وجاذبة بالنسبة للدول، مثل توفير المال، وبرامج الإنقاذ، ودعم الاستقرار المالي، وتعزيز الثقة، وفتح باب التمويل الخارجي، والعودة إلى الأسواق المالية وغيرها. ولكن في الحقيقة، فإنّ التاريخ يشهد أيضًا على ما شهدته العديد من الدول من فشل وتعثر مالي إضافي بعد دخولها في برامج تمويلية مع الصندوق. بالفعل، فشلت برامج المؤسسة الدولية في إخراج العديد من الدول من أزماتها المالية والاقتصادية، لا بل ذهبت بالعديد منها إلى مزيد من التدهور. فالعديد من الدول حصلت على قروض من صندوق النقد الدولي، ولكنها لم تستطع إعادة اقتصادها إلى الحالة التي كان عليها، وحتى تحولت هذه الدول إلى رهينة عند الصندوق؛ فما أن تنتهي من قرض حتى تُجبر على أخذ آخر. فشروط صندوق النقد الدولي قاسية وتتجاهل حقوق الإنسان، كما تهدر في العديد من الأحيان طاقات وقدرات الدولة وإمكانياتها. وثمّة وصفات موحّدة يعتمدها الصندوق في جميع الدول، وأبرز ما تتضمنه:

صندوق النقد الدولي هو مؤسسة تمويلية تقدم قروضًا بشروط، وفي نهاية المطاف عليها ضمان إعادة تسديد الدول لهذه القروض. من هنا، لا يدخل الصندوق في برنامج تمويلي مع دول لا تستطيع السيطرة على دينها، ومن شروطه:

تخفيض نسبة حجم الدين من الناتج المحلي، ما يستدعي تخفيض الالتزامات المالية للدولة. (هذا ما ظهر في قرار مجلس الوزراء رقم 3 تاريخ 20 أيار 2022، والخاص باستراتيجية النهوض بالقطاع المالي، في شقّه المتعلق بـ”إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، وذلك لتخفيض العجز في رأسمال مصرف لبنان وإغلاق صافي مركز النقد الأجنبي المفتوح للمصرف”. وأكد يومها قرار مجلس شورى الدولة في شباط 2024، والذي أبطل قرار الحكومة، أنّ تلك المبالغ استدانتها الدولة، وهذا الاقتراض مخالف للقانون، لكن المجلس يثبت ذلك الدين على الدولة التي يجب أن ترده للمصارف، وبالتالي للمودعين). هنا، كانت الحكومة تسعى إلى تنفيذ شروط الصندوق بخفض حجم التزامات وديون الدولة.

عدم تحميل الدولة أي خسائر وأكلاف حتى وإن كانت مسؤولة عن هدر الأموال، بالإضافة إلى عدم ترحيل أي خسائر. بمعنى آخر، في حال أرادت الدولة الحصول على برنامج تمويلي من الصندوق، عليها تصفير خسائرها والتزاماتها قبل موافقة الصندوق على البرنامج. ما يعني في نهاية المطاف، بالنسبة للبنان، هو تحويل الدين، الذي أكد عليه قرار مجلس الشورى في شباط 2024، وما هو إلا أموال المودعين، إلى خسائر يجب شطبها.

تحرير سعر الصرف ورفع كلّ أشكال الدعم، وخصوصًا عن السلع والخدمات الأساسية، كالطحين والكهرباء والماء والنقل والمحروقات، وهذا ما حصل بالفعل في لبنان.

تقليص برامج التقديمات الاجتماعية، وصولاً إلى إنهاء كل الحمايات الاجتماعية، وخصوصًا التقديمات الصحية والتربوية المدرسية والشؤون الاجتماعية.

تقليص حجم القطاع العام، والعمل على إعادة هيكلة الرواتب، أي خفضها، وهذا ما حصل بالفعل في لبنان، الذي لم يشهد حتى يومنا هذا أي إعادة هيكلة حقيقية لقطاعه العام.
زيادة معدلات الضرائب والرسوم، وهذا ما شهده لبنان في موازنتي عامي 2024 و2025، مع اعتماد النمو على الدين والاستدانة.

أسئلة مشروعة… فهل من يجيب؟

كل ما تفعله السلطات اللبنانية حاليًا هو إقناع اللبنانيين بأنّ الحصول على توقيع صندوق النقد الدولي أمر إلزامي وممر أساسي للبنان للعودة إلى الأسواق المالية وفتح باب التمويل من المؤسسات الدولية الأخرى. وهنا تطرح تساؤلات أساسية:

هل فعلًا يحتاج لبنان إلى توقيع صندوق النقد الدولي في حال نفّذ الإصلاحات، وأهمها إعادة هيكلة دينه وتوصّل إلى اتفاق مع الدائنين؟

هل يحتاج لبنان إلى توقيع الصندوق في حال أعاد هيكلة قطاعه المصرفي بطريقة عادلة تحمي القطاع وأموال المودعين؟

هل يحتاج لبنان إلى توقيع صندوق النقد في حال نفّذ الإصلاحات الهيكلية والبنيوية، وما يتعلق بالكهرباء، والهيئات الناظمة، والتهريب، والتهرب الضريبي، والقضاء؟

يُسارع لبنان لتلبية شروط صندوق النقد الدولي بأي ثمن كان، وبإقرار قوانين يصفها أصحابها بالإصلاحية، فيما تشوبها العديد من الثغرات ونقاط الضعف، فماذا لو لم يتوصل لبنان إلى اتفاق نهائي مع الصندوق الذي يستمر بفرض شروطه التعجيزية؟

ماذا لو أقرّ لبنان هذا التمويل الإضافي لمساهمته في صندوق النقد الدولي وربط هذه المساهمة بحصوله على برنامج تمويلي قد لا يحصل في نهاية المطاف؟ ونحن نتحدث عن مبلغ 423 مليون دولار، منها 100 مليون دولار كدفعة أولى يمكن استخدامها لتمويل مشاريع بنيوية في لبنان، مثل “الانتهاء من مشروع طريق الشام الدولي”، وغيرها؟
والأهم: ماذا لو نفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تهديده وقرر انسحاب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي، وهي التي تمتلك أكبر حصة منفردة في المؤسسة الدولية بأكثر من 16%؟ وماذا لو لحقت به بعض الدول الأخرى: هل يُكتب بعدها حياة للصندوق؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us