إطلاق الصواريخ من الجنوب يكشف شبكة متشعّبة… و”حماس” تتلكأ

لبنان 23 نيسان, 2025

رغم كل المساعي اللبنانية لتفادي التصعيد مع إسرائيل ونزع الذرائع التي قد تستخدمها لتبرير هجماتها، يبدو أن ما يُحاك في الظلّ يتجاوز “ردود الفعل التضامنية” ويأخذ منحى أكثر تعقيداً. فالقضية التي بدأت بإطلاق صواريخ من الجنوب باتجاه إسرائيل لم تُقفل بعد، بل تتكشّف خيوطها تدريجياً، في وقت يواصل الجيش اللبناني ومخابراته ملاحقة المتورطين بلا هوادة، واضعاً نصب عينيه كشف جميع الأبعاد والجهات الضالعة في هذه العمليات.

وبينما كان يُعتقد أن التوقيفات التي أجريت في آذار الماضي أغلقت جزءاً من هذا الملف، عادت مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني لتضرب من جديد، وتوقف مجموعة مسلحة كانت تتحضّر لإطلاق صواريخ من الجنوب، ليتبيّن أنها جزء من الشبكة ذاتها التي نفّذت عمليتين صاروخيتين سابقتين في منطقتي كفرتبنيت وأرنون، وقعقعية الجسر في قضاء النبطية، وفقاً لما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” عن مصادر أمنية لبنانية رفيعة.

وبحسب التحقيقات الجارية تحت إشراف القضاء المختص، فإن هذه المجموعة تُعتبر “المجموعة الأم” التي أمدّت باقي الخلايا بالسلاح والمنصّات، وكانت تحضّر على ما يبدو لسلسلة من الهجمات، وليس لهجوم منفرد، في ظل الكمية الكبيرة من الصواريخ والمنصّات التي ضُبطت في مستودع داخل بلدة عقتنيت – قضاء الزهراني.

المصادر الأمنية نفسها أشارت إلى أن حجم الأسلحة المضبوطة، لا سيّما صواريخ عيار 107 و122 ملم مع منصاتها الخشبية والحديدية، وطبيعة التحضير، كلها تؤكد أن العملية لا تندرج تحت خانة التحركات الفردية، بل وراءها جهة منظمة تسعى إلى تنفيذ هجمات متكررة.

وما يعزّز هذه الفرضية، ما أوردته “الجمهورية” أيضاً، نقلاً عن مصادرها الواسعة الاطلاع، من أنّ التحقيقات مع موقوفَين لبناني وفلسطيني اعترفا بمشاركتهما في إطلاق الصواريخ خلال آذار، قادت إلى تحديد أربعة متورطين إضافيين. هؤلاء تواروا عن الأنظار داخل أحد المخيمات الفلسطينية في الجنوب بعد افتضاح أمرهم، وهم معروفون بالأسماء، وتنتمي غالبيتهم إلى حركة “حماس”، وفق ما أكدت المصادر نفسها.

وكانت مخابرات الجيش قد تواصلت مع “حماس” لتسليم المتورطين الأربعة، خصوصاً بعد أن أبدت الحركة في البداية تعاوناً محدوداً، سرعان ما انقلب إلى مراوغة وامتناع عن اتخاذ أي خطوة إيجابية. واللافت أن “حماس” أبلغت الجانب اللبناني أن الصواريخ أُطلقت من دون توجيه من القيادة المركزية، بل بمبادرة فردية من عناصر ميدانية. ومع ذلك، لم تُظهر الحركة أي استعداد فعلي لتسهيل عملية التسليم.

وفيما تصرّ المصادر على أن الدولة اللبنانية تقوم بما يلزم لنزع فتائل التفجير ومنع أي طرف من جرّ البلاد إلى حرب، إلا أنّ إسرائيل تواصل استغلال هذه العمليات لشن اعتداءات وانتهاك القرار 1701، متجاهلة كل ما تبذله الأجهزة الأمنية اللبنانية لضبط الحدود.

أما بخصوص الشقة التي دهمها الجيش في بلدة عقتنيت، فقد كشفت التحقيقات، وفق “الشرق الأوسط”، أن الأشخاص الموقوفين فيها كانوا يؤدّون دوراً لوجستياً على الأرجح، ولم يكونوا ضمن الخلية الأساسية المنفذة. لكنّ وجود كميات كبيرة من الصواريخ ومنصّات الإطلاق المعدّة سلفاً، يدلّ على أن الموقع كان يستخدم كمستودع توزيع وتحضير وليس مجرد نقطة تخزين عابرة.

وبينما يدّعي الموقوفان أن إطلاق الصواريخ كان بدافع “التضامن مع غزة”، فإنّ المحققين يشككون في صدقية هذا التبرير، ويرجّحون وجود أهداف أخرى خفية تقف خلف هذه العمليات، قد ترتبط بإشعال جبهات محسوبة، أو إرسال رسائل من أطراف إقليمية.

في المحصلة، تشير مجمل المعلومات الأمنية إلى أننا أمام بنية سرّية مترابطة، تستغل المخيمات ومناطق الجنوب كنقاط انطلاق لعمليات تُدار بعيداً عن مؤسسات الدولة، وتزيد من هشاشة الوضع الأمني الداخلي. وبقدر ما تقوم الأجهزة اللبنانية بملاحقة هذه الشبكات وتفكيك خلاياها، تبقى الضغوط السياسية والأمنية على حركة “حماس” ضرورية لتسليم الفارين واستكمال التحقيق، وإلا فإنّ لبنان سيدفع مجدداً ثمن سياسات لا قرار له فيها.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us