مخاطِر الحرب وتوسيع التواجد العسكري إلى الليطاني

سترتفع المخاطِر إذا لم تكن إسرائيل راضية تمامًا على الصفقة الأميركية المحتملة مع طهران. ففي هذه الحال، ربما يسكت الأميركيون على أيّ عمل قد تقوم به في لبنان، ويعتبرونه تعويضًا عن نقصٍ أو خسارةٍ مقابل إيران أو جائزة ترضية. وهذا يعني أنّه على لبنان أن يستعدّ للمغامرة المحتملة، إذا لم يكن لدى الدولة ما يكفي من الجرأة والحِنكة لحلّ مشكلة السلاح داخليًا، بأدواتٍ محليةٍ، ومن دون إقحام القوى الإقليمية والدولية.
كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:
خلاصة القرار الذي اتخذه “حزب الله” هو “كسب الوقت” لا أكثر ولا أقلّ، لعلّ تحوّلات إقليمية ودولية تطرأ وتنفِّس الضغط الإسرائيلي – الأميركي في ملف نزع السلاح. وفي الموازاة، القرار المتّخذ على مستوى الرئيس جوزاف عون والحكومة هو الاكتفاء بإطلاق الحوار حول الموضوع، والرّهان على تطوراتٍ خارجيةٍ تسهّل التسوية، لأنّ الدولة لن تبادر إلى نزع هذا السلاح بالقوة.
إذًا، بصريح العبارة، المعادلة اليوم كما تراها إسرائيل والولايات المتحدة هي الآتية: إنّ الحرب القاسية والضغوط الأميركية هي التي أجبرت “الحزب” على القبول بالتخلّي عن سلاحه في جنوب الليطاني. ولذلك، قد تكون الحرب والضغوط إياها هي السبيل الوحيد لإجباره على نزع سلاحه في شمال النهر أيضًا. وهذا ما قد يدفع الإسرائيليين إلى التفكير في استئناف الحرب وتوسيع بقعة التواجد المحصورة حتّى اليوم في شريط ضيّق نسبيًا على امتداد الشريط الحدودي.
يقول رئيس الجمهورية إنّ قرار حسم ملف السلاح قد اتُّخذ وإنّه سيُحلّ بالحوار. ولكن، واقعيًا، لا يبدو أنّ هذا الحوار سينطلق في المدى المنظور. وإذا أتيح له أن يبدأ شكليًا، فلا أحد يضمن أنه سيبلغ الخواتيم المرتجاة وتصدر عنه نتائج ملموسة. وفي أفضل الاحوال، سيتمّ التعاطي مع أي نتائج بالتأجيل والمماطلة، كما هي الحال في ما يتعلق بالقرارات الدولية 1559 و1680 و1701 وسواها، والتي مرّت عشرات السنين على صدورها وبقيت حبرًا على ورق، لأنّها تتضمّن بنودًا تقول بنزع السلاح.
في اختصار، “الحزب” ينتظر اليوم ما ستؤول إليه نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران. وفي ضوئها سيتلمّس الهوامش المُتاحة أمامه للمناورة الجديدة في ملف السلاح. وقد رفع الشيخ نعيم قاسم وكوادر “الحزب” سقف طروحاتِهم، في الأيام الأخيرة، لتذكير الولايات المتحدة وإسرائيل بأنّ إيران لا تزال تمتلك أوراقًا قويةً في لبنان. وجاءت تغريدة السفير الايراني مجتبى أماني، على منصة “X”، لتعلن صراحة رفض التخلّي عن السلاح، بل ذهبت إلى حدّ تخوين الذين ينادون به، إذ قال: “نزع السلاح مؤامرة واضحة ضدّ الدول. ونحن نحذّر من الوقوع في فخّ الأعداء. فحفظ القدرة الرّدعية هو خط الدّفاع الأول عن السيادة والاستقلال ولا تنبغي المساومة عليه”. وهذا الموقف واضح بما يكفي لاستنتاج أنّ الحوار المُنتظر حول السلاح بعيد المنال.
يقول القريبون إنّ “حزب الله” سيضع شرطًا أساسيًا للقبول بإطلاق آلية الحوار مع رئيس الجمهورية حول السلاح. وهذا الشرط هو أن تبادر إسرائيل أوّلًا إلى الانسحاب من المناطِق التي تحتلّها في الجنوب، وأن توقف تمامًا عملياتها داخل الأراضي اللبنانية، وأن تسمحَ للأهالي بالعودة وبناء قراهم المهدّمة، وأن تفرج عن الأسرى. ففي هذه الحال فقط، يمكن لـ”الحزب” أن يفكّر في الحوار حول مستقبل السلاح، ضمن الرؤية إلى الأمن الوطني أو الاستراتيجية الدفاعية، وإلّا فإنّ أي حديث في هذا الموضوع سيكون خيانةً وتخليًّا عن أوراق القوّة. والترجمة الواقعية لهذا الموقف هي أن “الحزب” لا يشعر بأنه يتعرّض لمستوًى كافٍ من الضغط ليتخلّى عن سلاحه.
ولكن، في المقابل، إسرائيل أيضًا لا تشعر بأنّها تتعرّض لمستوًى كافٍ من الضغط لتنصاع إلى المطالب اللبنانية بالانسحاب ووقف العمليات. وتقتضي الواقعية الاعتراف بأنّها هي في الموقع الأقوى، لأنّ اتفاق وقف النار صيغ لمصلحتها تحت ضغط الدمار والقتل، فَمَنَحَهَا هوامش تحرّك عسكري هائلة في لبنان، بمباركة الولايات المتحدة.
لذلك، في ملفّ السلاح، الجميع يربطون حساباتهم بنتائج المفاوضات بين واشنطن وطهران. ويراهنُ “الحزب” على أنّ أيّ صفقة يعقدها الإيرانيون مع الولايات المتحدة ستحجز له موقعًا أقوى. ولذلك، قال: “نحن هنا”. وفي المقابل، تراهن إسرائيل على أن أيّ اتفاق أميركي – إيراني يجب أن يتضمّن إنهاء كلّ نفوذ إقليميّ لإيران من خلال أذرعها، من “حزب الله” في لبنان إلى الحوثيين في اليمن.
هذا التعثّر السياسي بين المعنيين سيفرز مخاطِر جسيمةً تهدّد لبنان. فإسرائيل التي ستجد نفسها محشورةً، قد تُطلق العنان لخيارها الوحيد الفاعل في لبنان، أيّ الحرب. ويخشى البعض أن تستغلّ واقع الإرباك لتوسّع بقعة تواجدها في الجنوب فتبلغ خط الليطاني، وتفرض على “الحزب” واللبنانيين أمرًا واقعًا بالغ الصعوبة.
وسترتفع المخاطِر إذا لم تكن إسرائيل راضية تمامًا على الصفقة الأميركية المحتملة مع طهران. ففي هذه الحال، ربما يسكت الأميركيون على أيّ عمل قد تقوم به في لبنان، ويعتبرونه تعويضًا عن نقصٍ أو خسارةٍ مقابل إيران أو جائزة ترضية. وهذا يعني أنّه على لبنان أن يستعدّ للمغامرة المحتملة، إذا لم يكن لدى الدولة ما يكفي من الجرأة والحنكة لحلّ مشكلة السلاح داخليًا، بأدواتٍ محليةٍ، ومن دون إقحام القوى الإقليمية والدولية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() في أي منطقة من لبنان تدرَّبت الخلايا الأردنية؟ | ![]() هل ستغضب أورتاغوس؟ | ![]() الإنذار الأخير من أورتاغوس: إسرائيل ستتصرّف! |