كشمير: الحكومة الهندية أمام اختبار القوة

ترجمة هنا لبنان 25 نيسان, 2025

كتب Mario Chartouni لـ”This Is Beirut”:

شهدت منطقة كشمير الخاضعة للسيطرة الهندية هجومًا نادرًا ووحشيًا الثلاثاء، عندما فتح مسلحون النار على مجموعة من المسافرين قرب المنطقة السياحية الشهيرة “باهالغام”، ما أسفر عن مقتل أكثر من 26 شخصًا. ويُعد ذلك أحد أكثر الهجمات دموية ضد المدنيين منذ سنوات في منطقة تعاني من تمرد انفصالي منذ العام 1989.

المهاجمون خرجوا حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الأجهزة الأمنية المحلية، من منطقة غابات قريبة من الموقع السياحي وفتحوا النار عشوائيًا. وقال شاهد عيان، شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن المسلحين بدوا وكأنهم يستهدفون الرجال مع تجنب النساء بشكل خاص.

الهجوم تسبب بصدمة للبلاد بأكملها… وقد أدان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الهجوم، وقطع زيارته إلى السعودية ليعود إلى الهند، واصفًا ما جرى بـ “العمل الشنيع”، متعهدًا بمحاسبة المسؤولين عنه. وفي بيان له، أكد أن عزم الهند على مكافحة الإرهاب “لا يتزعزع” بل “سيزداد قوة”.

الرد الدولي أتى سريعًا… فقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الهجوم بشدة، مؤكدًا رفض “العنف ضد المدنيين تحت أي ظرف”. كما أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تضامنه مع الهند عبر منصّة “تروث سوشيال”، مشيرًا إلى وقوف الولايات المتحدة “بحزم إلى جانب الهند في محاربة الإرهاب”.

العنف الدموي تزامن بعد يوم واحد فقط على لقاء بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في نيودلهي، خلال زيارة رسمية استمرت أربعة أيام. وعلى الرغم من عدم وجود صلة مباشرة مثبتة بين اللقاء الدبلوماسي والهجوم، أثار التوقيت الكثير من التساؤلات.
وزير الداخلية الهندي أميت شاه سارع لتفقّد موقع الهجوم، متوعدًا بعدم إفلات المسؤولين عن “العمل الإرهابي الجبان” من العقاب. كما أعرب القائد المحلي عمر عبد الله عن قلقه الشديد، واصفًا الهجوم “بالأخطر بكثير من أي اعتداء سابق على المدنيين في السنوات الأخيرة”. أما زعيم حزب المؤتمر راهول غاندي، فدعا الحكومة إلى “تحمل المسؤولية”، واصفًا ما حدث بـ “المفجع”.

ثمانية عقود من الصراع
وبالتوازي مع إلغاء حكومة مودي الحكم الذاتي المحدود لإقليم كشمير، سعت نيودلهي منذ العام 2019 لإبراز صورة الاستقرار في المنطقة، خصوصًا من خلال التوسع في القطاع السياحي. وعام 2024، سجل حوالي 3.5 ملايين سائح (معظمهم من الهنود) أسروا بجمال طبيعتها الخلابة. وبدا أن هذا الازدهار السياحي مؤشر إلى عودة الهدوء، خصوصًا بعد استضافة قمة مجموعة العشرين في سريناغار العام الماضي.

ولكن خلف هذا الهدوء الظاهري، لا تزال كشمير واحدة من أكثر المناطق عسكريةً في العالم، حيث ينتشر فيها 500 ألف جندي هندي بشكل دائم. ومنذ عام 1989، يقود متمردون انفصاليون تمردًا يطالب إما باستقلال كشمير أو بانضمامها إلى باكستان. وتتهم الهند جارتها باكستان بدعم هؤلاء المتمردين، وهو ما تنفيه إسلام آباد، مؤكدة أنها لا تدعم إلا “حق الكشميريين في تقرير المصير”.

أما النزاع في جامو وكشمير فيعود إلى عام 1947، عند تقسيم الهند، عندما أصبحت المنطقة ذات الأغلبية المسلمة محل نزاع بين الهند وباكستان. هذا الصراع الإقليمي أشعل عدة حروب وأدى إلى توتر دائم بين الدولتين. وفي عام 1989، اندلع تمرد مسلح للمطالبة بالاستقلال أو الانضمام إلى باكستان، ومنذ ذلك الحين، تعاني المنطقة من أعمال عنف أودت بحياة آلاف المدنيين والعسكريين.

الحزم وفق “عقيدة مودي”
يُعرف ناريندرا مودي بخطابه القوي وردوده الحاسمة على الهجمات الإرهابية. في فبراير/شباط 2019، وبعد هجوم “بولواما” الذي أودى بحياة 40 من عناصر الشرطة، سمحت حكومته بشنّ غارات جوية داخل الأراضي الباكستانية (وهي سابقة لم تحدث منذ عام 1971) واستهدفت ما وصفته بمعسكرات تدريب إرهابية. هذا التصعيد أدّى إلى توتر كبير بين القوتين النوويتين.

وصرّح وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ الأربعاء بأن المسؤولين عن أعنف هجوم ضد المدنيين في كشمير منذ عام 2000 سيواجهون ردًا “سريعًا وحاسمًا”.

خطوة إلغاء الحكم الذاتي لجامو وكشمير أتت في أغسطس/آب 2019، تلاها حظر إعلامي وانتشار كثيف للجيش، واعتقالات واسعة، ضمن استراتيجية للسيطرة الشاملة. وبالنسبة لمودي، الذي يروّج للقومية الهندوسية، يشكل الأمن أولوية قصوى، وأي تهديد لوحدة الأراضي الهندية يتطلب ردًا قويًا (وربما دراميًا) لتعزيز صورته كزعيم حازم، خصوصًا قبل الانتخابات.

ولعلّ هجوم باهالغام يتبع هذا النمط المعروف: المأساة والخطاب العسكري ثم استعراض للقوة. ويبقى السؤال: “هل سيعود الرد العسكري؟ إلى أي حد قد يذهب مودي لمواجهة هذا التحدي في منطقة معروفة بالتوترات المتراكمة”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us