هجوم كشمير يضع الهند وباكستان على شفا مواجهة
عرب وعالم
26 نيسان, 2025

تعيش القارة الهندية حالة من الاستنفار السياسي والعسكري بعد تطورات متسارعة أعقبت هجومًا دمويًا استهدف حافلة سياحية في بلدة بهالغام الواقعة في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير، وأسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من الهنود. هذا الحدث المأساوي أطلق شرارة توتر جديدة بين الهند وباكستان، وهما قوتان نوويتان لهما تاريخ طويل من النزاعات، مما أعاد شبح الحرب إلى واجهة المشهد الإقليمي والدولي.
بداية الانفجار: هجوم دموي وتبعاته الفورية
وقع الهجوم في لحظة حرجة، مستهدفًا حافلة تقل سائحين في منطقة شديدة الحساسية أمنياً. وبينما لم تتبنَّ أي جهة رسمياً العملية، سارعت الحكومة الهندية إلى تحميل باكستان المسؤولية، معتبرة أنّ “أطرافاً عبر الحدود” تقف خلف التخطيط والتنفيذ. ونتيجة لذلك، قطع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زيارته إلى السعودية وعاد إلى البلاد، داعيًا لاجتماع وطني طارئ ضم كافة الأحزاب السياسية، بما فيها المعارضة.
مودي توعد، في خطاب ناري، من وصفهم بـ”الإرهابيين ومن يدعمهم”، أنّ الرد سيكون “أبعد مما يتخيله العالم”، في تصعيد لغوي لم يشهد له مثيل منذ أحداث كارجيل عام 1999.
إجراءات تصعيدية متبادلة: دبلوماسية متدهورة
رد الفعل الهندي لم يتأخر، وتمثل في خطوات متسارعة أبرزها:
•استدعاء كبير الدبلوماسيين الباكستانيين في نيودلهي، وإبلاغه بأن المستشارين العسكريين في بعثته أشخاص غير مرغوب فيهم، وطُلب منهم مغادرة البلاد خلال أسبوع.
•تعليق منح التأشيرات للباكستانيين، مع دعوة المواطنين الهنود الموجودين في باكستان للمغادرة فورًا.
•تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند، وهي اتفاقية حيوية ظلت قائمة منذ العام 1960 رغم اندلاع حروب بين البلدين.
في المقابل، جاء الرد الباكستاني حادًا، وشمل:
•خفض عدد العاملين في المفوضية العليا الهندية في إسلام آباد إلى 30 شخصًا.
•إعلان المستشارين الدفاعيين الهنود أشخاصًا غير مرغوب فيهم، ومنحهم مهلة حتى نهاية أبريل للمغادرة.
•إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الهندية.
•تعليق التجارة الثنائية، بما في ذلك العبور إلى دول ثالثة عبر باكستان.
معركة المياه… من الدبلوماسية إلى التهديدات
من أخطر ما في التصعيد الحالي، إعلان الهند تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند، وهي خطوة وصفها وزير الطاقة الباكستاني أويس لغاري، في تصريح لوكالة “رويترز”، بأنها “جزء من حرب المياه”، واعتبرها “عملاً جبانًا وغير قانوني”.
وقال لغاري إن هذه الخطوة قد تفتح جبهة جديدة للصراع، حيث أن نحو 80% من الموارد الزراعية الباكستانية تعتمد على مياه السند، مؤكداً أن باكستان “لن تقبل المساس بحقوقها المائية تحت أي ظرف”.
انقسام دبلوماسي وتحذيرات من الانزلاق العسكري
ضمن أجواء التصعيد، برزت تحذيرات من مسؤولين وخبراء في الشأنين الهندي والباكستاني:
•الباحثة الهندية سريرادها داتا من جامعة “أوب جندال”، دعت باكستان إلى التهدئة واللجوء للدبلوماسية، محذرة من أن “التصعيد لا يمكن لأي طرف في المنطقة تحمّله”.
•المحلل السياسي الباكستاني قمر شيما، المدير التنفيذي لمعهد “صنوبر”، رأى أن “الأزمة تمثل لحظة اختبار صعبة للدبلوماسية في البلدين”، مشيرًا إلى أن إسلام آباد تدرس “مراجعة كافة الاتفاقيات الثنائية مع الهند، واحدة تلو الأخرى”.
شيما ذهب أبعد من ذلك، محذرًا من أن “طرفاً ثالثاً قد يكون قد استغل الهجوم لدفع البلدين إلى صراع”، كما حذر من أن الهند بدورها “تستخدم الموقف الحالي لتوسيع دائرة الضغط على باكستان إقليمياً ودولياً”.
سحب السفراء وإلغاء التأشيرات: القطيعة تتكرّس
في تطور آخر من سلسلة التصعيد، ألغى البلدان تأشيرات الدخول لرعاياهما، فيما خفضا التمثيل الدبلوماسي إلى الحد الأدنى، وهي خطوة أثارت قلق الدوائر السياسية في عواصم العالم، كونها تعكس انتقال النزاع من خانة الاحتقان إلى حافة المواجهة.
ويقول محللون إن هذه الخطوات تعني فعلياً “إغلاق قنوات الحوار”، وهو ما يزيد من احتمال وقوع أخطاء في الحسابات العسكرية، كما حدث في مناسبات سابقة.
العودة إلى سيناريو 2019: هل سترد الهند عسكريًا؟
الهجوم الذي شهدته بهالغام أعاد إلى الأذهان أحداث فبراير 2019، عندما استهدفت الهند معسكرًا داخل باكستان ردًا على هجوم في كشمير أودى حينها بحياة 40 جنديًا هنديًا. وتُلمّح بعض التحليلات إلى أنّ مودي قد يعيد تكرار ذلك السيناريو، خاصة في ظل الضغط الشعبي والإعلامي الهائل بعد الهجوم الأخير.
تامارا برو، الخبيرة في الشأن الآسيوي، صرحت لـ”سكاي نيوز عربية” أن “الهجوم الأخير يمثل تحفيزًا قويًا للحكومة الهندية لاتخاذ إجراءات عقابية، قد تشمل عمليات عسكرية محدودة”، محذرة من أن “أي ضربة من هذا النوع قد تؤدي إلى تصعيد غير قابل للسيطرة”.
النووي في الخلفية: القلق الدولي يتصاعد
في ظل امتلاك كلا البلدين ترسانة نووية ضخمة، يزداد القلق الدولي من أن تتحول المواجهة الحالية إلى نزاع مسلح شامل قد يتطور إلى حرب نووية. وأكدت برو أنّ “مجرد التهديد باللجوء إلى القوة العسكرية بين قوتين نوويتين، كفيل بإثارة هلع دولي”، مشيرة إلى أنّ الولايات المتحدة والصين وروسيا قد تلعب دورًا في كبح جماح التصعيد.
•الصين، الحليف الاستراتيجي لباكستان، ترتبط بمشاريع ضخمة في إسلام آباد مثل “الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني”، ولن ترحب بأي تهديد لها.
•روسيا، التي تُعد شريكًا دفاعيًا مهمًا للهند، قد تلعب دور الوسيط لحماية مصالحها واستقرار المنطقة.
•الولايات المتحدة، ذات النفوذ في البلدين، لا يمكن أن تقف موقف المتفرج.
مستقبل الأزمة: هل من نافذة دبلوماسية؟
على الرغم من الغيوم السوداء التي تخيم على سماء جنوب آسيا، لا يزال بعض المراقبين يرون أن هناك فرصة لإنقاذ الموقف عبر وساطات دولية فاعلة. فالمصالح الكبرى للصين وروسيا والولايات المتحدة في المنطقة قد تدفع هذه الدول إلى التحرك بسرعة لاحتواء الأزمة.
لكن المعضلة الكبرى تكمن في غياب الثقة بين الطرفين، وتصاعد الخطاب القومي في كل من نيودلهي وإسلام آباد، ما يجعل الحلول السياسية أكثر تعقيدًا.
على شفير الهاوية
الهجوم الإرهابي في كشمير لم يكن مجرد عملية مسلحة عابرة، بل تحول إلى نقطة تحول خطيرة في العلاقات المتوترة أصلًا بين الهند وباكستان. وبينما تتوالى الخطوات التصعيدية، يبقى الأمل معقودًا على تدخل دولي فعّال يمنع اندلاع مواجهة قد تكون الأكثر خطورة في تاريخ الصراع بين الجارتين النوويتين.
مواضيع ذات صلة :
![]() بعد هجوم كشمير… الهند تتعهد بقطع إمدادات المياه وتخوّف كبير لدى الباكستانيين | ![]() كشمير: الحكومة الهندية أمام اختبار القوة |