أم متَّهمة بقتل أبناءها الأربعة.. بريئة أم مدانة؟

ترجمة هنا لبنان 9 أيار, 2021

كتبت بريتاني شماس = Brittany Shammas في “الواشنطن بوست = The Washington Post” بعنوان: “علماء يبرِّئون أم أسترالية أُدينت بقتل أطفالها الأربعة.”

” وجدتهم بلا حياة في أسرَّتهم” هكذا عبَّرت الأم الحزينة كاثلين فولبيج = Kathleen Folbigg على فقدان أبنائها الواحد تلو الآخر على مدار عقد من الزمن، مات جميع الأطفال قبل عيد ميلادهم الثاني: “كالب” 19 يومًا ، وباتريك ثمانية أشهر ، وسارة 10 أشهر ، ولورا عام ونصف.
وفي عام 2003 اتهمت هيئة المحلَّفين الأم الأسترالية بخنق أولادها، وحُكم عليها بالسجن 40 عامًا بتهمة القتل العمد ، ووصفتها وسائل الإعلام بأنها “أسوأ قاتلة متسلسلة” و “أكثر امرأة مكروهة” في البلاد. ولكن بعد مرور 18 عامًا على حكم كاثلين، وبعد أكثر من 20 عامًا على وفاة طفلها الأخير، تواتر حكم علماء ببرائتها كونها ضحية “إجهاض مستمر للعدالة”.
وفي عريضة تطالب بالعفو والإفراج عن المرأة البالغة من العمر 53 عامًا، قال 90 عالماً إن الأطفال الأربعة ماتوا لأسباب طبيعية. المرافعة تقوم على أن الجينات هي المسؤولة عن تفسير شبح الموت الذي طارد عائلة “فولبيج” وليس القتل العمد. العريضة التي أرسلت إلى حاكم “نيو ساوث ويلز = New South Wales” في آذار تنصَّ على “إن السيدة فولبيج عانت ولا تزال تعاني من صدمة نفسيَّة وتعديات جسديَّة خلال حجزها.. لقد تحمَّلت وفاة أطفالها الأربعة وسُجنت ظلماً؛ لأن نظام العدالة خذلها”. ويُذكر أن من بين الموقَّعين اثنين من الحائزين على “جائزة نوبل” إلى جانب رئيس الأكاديمية الأسترالية للعلوم، والذين ينحدرون من أستراليا وثماني دول أخرى، أربعة منهم من الولايات المتحدة. لكن المحكمة ثبَّتت إدانة” كاثلين” رغم تقديم معطيات علمية جديدة في القضية، فبعد أسابيع من إرسال العريضة، رفضت هيئة مؤلفة من ثلاثة قضاة استئناف تحقيق عام 2019 الذي أكَّد حكم هيئة المحلَّفين.
استندت محاكمتها إلى حد كبير على أدلة ظرفية والحجة القائلة بأن أربع حالات وفاة داخل نفس العائلة لا يمكن أن تحدث بالصدفة. وكان محور القضية هو المذكَّرات التي تم فحصها عن كثب ، بما في ذلك واحدة كتبت فيها “كاثلين” أن ابنتها سارة “غادرت بقليل من المساعدة “. لكن الام أصرَّت دائمًا على أنها لم تؤذِ أطفالها. وقد ورد في المكالمات الهاتفية المسجلة للمسلسل الوثائقي Australian Story على لسان كاثلين بأن تدويناتها جاءت من قبيل لومها لنفسها كأم: “كتبت من وجهة أني ألوم نفسي..وأتحمل القدر الكبير من المسؤولية..هذا ما تشعر به أي أم”.
ووصفت كاثلين حياتها بأنها تتكوَّن من سلسلة من “المعارك التي لا تنتهي والتحديات التي يجب أن أتغلب عليها وأقهرها”. فعندما كانت تبلغ من العمر 18 شهرًا ، طعن والدُها والدتَها وأرداها قتيلةً بعد مشادة بينهما، فأمضى 15 عامًا في السجن _ وفقًا للتفاصيل الواردة في تحقيق عام 2019 _ وعاشت كاثلين مع أقارب لها قبل أن يتم وضعها بدا رعاية للتبنِّي. وفيما بعد التقت بالرجل الذي أصبح زوجها “Craig Folbigg” على حلبة الرقص عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها. وكانت تعتبره “فارس أحلامها” ، وفقًا لما ورد في تحقيق عام 2019. ومن ثم تزوجا في عام 1987 ، وفي عام 1989 ،أنجبت طفلهما الأول “كالب” الذي مات بعد أسابيع، وتم نسب وفاته إلى متلازمة موت الرضع المفاجئ (SIDS) لتبدأ السلسلة المأساوية لثلاث مرات في السنوات العشر التالية، وكانت كاثلين تصيح بزوجها “هناك ثمة خطب في طفلها”. وظلت ترغب في إنجاب المزيد من الأطفال ، كما ورد في مذكراتها أملاً في إثبات نفسها. فقد ورد بسجل 1997 من ذكرياتها: “”أي نوع من الأم أنا؟ هل أنا أم سيئة؟ أشعر أنني أحاول التغلب على ما يحصل مع هذا الطفل؛ كي أثبت أن العلَّة ليست بي، فطالما تمكَّنت النساء الأخريات من القيام بذلك، فيمكنني ذلك أيضًا “. ثم توفي باتريك في 13 فبراير 1991 ، بشهادة وفاة تشير إلى أنه كان أعمى واختنق بسبب نوبات الصرع. ثم توفيت سارة في 30 آب 1993 ، وأدرجت ” متلازمة موت الرضَّع المفاجئ” مرةً أخرى على أنها السبب. ومن بعدها توفيت لورا في الأول من آذار 1999. في ذلك الوقت سجَّل الطبيب سبب الوفاة ضمن خانة “غير محدَّد” .
لاحقًا قال زوجها “كريج فولبيج” إنه “كان لديه شك غريب” لكنه لم يتمكن من الإمساك به حتى أيار 1999 ، بعد ما صادف يوميات زوجته وبدأ بقرائتها. قال إن ما رآه جعله يشعر بالمرض ، وسرعان ما ذهب إلى الشرطة. ففي المقاطع التي ظهرت بشكل كبير في القضية ، كتبت كاثلين فولبيج أن لورا كانت “طفلة جيدة إلى حد ما.. الحمد لله لقد أنقذتها من مصير أشقائها” مع تحذير “أنا ابنة أبي”. فاعتمد المدعي العام خلال محاكمتها عام 2003 على ما ورد في مذكرَّاتها بالإضافة لادعائه أنه من المستحيل علمياً أن يموت أربعة أطفال بأسباب طبيعية من أسرة واحدة “لا يمكن دحض أنه يومًا ما قد تولد بعض الخنازير الصغيرة بأجنحة وقد تطير! هل هذا شك معقول؟ ..لم يحدث من قبل في تاريخ الطب أن يتمكن خبراؤنا من العثور على أي حالة كهذه.. إنه غير معقول!”

بالمقابل يقول العلماء الذين قدموا طلب إطلاق سراح “كاثلين” إنه لا يوجد دليل يدعم هذه المزاعم الخانقة. وأشاروا إلى أن فرضية أن عائلة واحدة من غير المرجح أن تتعرض لوفيات متعددة تستند إلى نظرية “Sir Roy Meadows” التي فقدت مصداقيتها منذ زمن. فتم إبطال إدانتين من المملكة المتحدة. وخلال السنوات التي انقضت منذ أن بدأت كاثلين عقوبتها في مركز Cessnock الإصلاحي ، تم إحراز تقدم كبير في علم الوراثة ، مما يقدم معطيات وتساؤلات جديدة. تنص عريضة إطلاق سراحها على وجود “دليل إيجابي مهم” تثبت موت الأربعة لأسباب طبيعية.
في عام 2018 ، بعد أن طلب محامو كاثلين من علماء الوراثة النظر في القضية ، قام العلماء بدراسة جينومها وجينوم أطفالها. واكتشفوا أن لديها هي وبناتها طفرة نادرة في جين يسمى CALM2
وهذه الطفرة يمكن أن تسبب الموت المفاجئ في مرحلة الرضاعة وعمر الطفولة. وفي دراسة أجريت عام 2020 ، خلص فريق من الباحثين إلى أن الاضطراب بضربات قلب سارة ولورا كان “تفسيرًا معقولًا” لموتهم. وأفادت وكالة “أسوشيتد برس” أن تحقيقًا إضافيًا وجد أن “كالب” و”باتريك” يحملان متغيرًا وراثيًا نادرًا مختلفًا تم ربطه _ في دراسات أجريت على الفئران _ بموت الصرع في سن مبكرة.
وأقر “جوزيف جيكز” اختصاصي علم الوراثة للأطفال الذي وقَّع على عريضة العفو بوجود دليل يرجح الموت الطبيعي في حالتي الفتاتين. وقال: “إن العلماء ما زالوا يدرسون الأسباب الجينية المحتملة لوفاة الأولاد…ونحن نعلم من خلال عملنا مع الكثير من العائلات التعيسة نسب وقوع مخاطر وراثية “. وتنص عريضة المطالبة بالإفراج عن “كاثلين” بأن المحاكم تجاهلت الأدلة الطبية لحساب تأويل ما ورد بدفتر المذكرات الأم اليومية الغامضة. وإن أي شخص عاقل يجب أن يشكّك بقتل أم لأولادها، بالإضافة إلى أن قرار المحكمة “رفض العلوم الطبية والمعيار القانوني لإثبات التهم”.
عامًا بعد الاستئناف، لكن لن يتم إطلاق سراحها حتى عام 2028.

المصدر: The Washington Post

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us