لقاح كورونا يصل لبنان في الأول من آذار.. “لا ينصح به لهذه الفئات”
من منا لا يحلم أن يطوي العام الجديد، الذي نحن على عتبته، ذكرى فيروس الكورونا، فينتهي هذا الكابوس مع حلول الأعياد لتصبح البشرى أغلى الهدايا وأجمل الأمنيات؟
أي لبناني لا يتوق إلى خاتمة الفصل الأخير من الوباء الفتاك الذي يشغل البشرية منذ عام حتى اليوم، حتى يتسنى له مواجهة الأوبئة الأخرى الاقتصادية والأمنية والنفسية التي تفتك بنا في الوطن وتهدد حياتنا مع كل شروق للشمس؟
نعم، نحن ما زلنا نحلم لأنه لا يمكن لأحد سرقة أحلامنا كما فعلوا بأمننا وصحتنا وفرحنا، فحلمنا بغد مزهر لا بد أن يتحقق يوما ويغدق علينا الأمل لمتابعة المسير.
ولأن نجاح لقاح الكورونا هو غاية أحلامنا اليوم، توجهنا إلى الدكتورة مادونا مطر رئيسة الجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية، رئيسة قسم الأمراض الجرثومية وقسم الكورونا في مستشفى سيدة المعونات الجامعي-جبيل وعضو في اللجنة الوطنية للقاح في وزارة الصحة، للحديث عن مدى فعالية لقاح الكوفيد-19 ونسبة نجاحه، حصة لبنان منه وخطة توزيعه.
اللقاح أساسي في محاربة الوباء
في حديث إلى “الوكالة الوطنية للإعلام، أكدت مطر أن “اختراع أي لقاح يمتد إجمالا لسنوات عدة، لأنه يمر في مراحل علمية وتجارب كثيرة ليتم التصديق عليه وترخيصه عالميا. في المرحلة الأولى، يقوم العلماء بتطبيق اللقاح على الحيوانات ومراقبة العوارض الناتجة وذلك يمتد لفترة سنتين. إذا نجحت التجربة، تنتقل الدراسات إلى مئات الاشخاص لتحديد تنوع الوقاية من الفيروس بخاصة عند الاطفال وذوي الحالات الخاصة، وتمتد هذه المرحلة الثانية من سنتين إلى أربع. أما في المرحلة الثالثة، فيتم اختبار اللقاح على آلاف الأشخاص للتأكد من أنه يتناسب مع شعوب الأرض على اختلافها وتنوعها، للحصول على الترخيص والاعتراف الرسمي به. ولكن بالنسبة إلى وباء ال Covid-19 الذي انتشر عالميا وحصد آلاف القتلى وما زال يهدد حياة الناس، لم يسلك اكتشاف اللقاح المسار القانوني المعتاد، بل انتقل الباحثون بسرعة من المرحلة الأولى إلى الثالثة، لأن الوضع مأسوي ويتطلب حلا سريعا لإنقاذ ما يمكننا إنقاذه بعد من الناس، لأننا نمر في وضع استثنائي وحال طوارئ”.
أضافت: “هناك جهود كثيرة لاكتشاف اللقاح المناسب، ونجد حوالى 150 نوعا من اللقاحات التي تتم دراستها حاليا، وهي لا تزال في اختبار المرحلة الأولى من مسيرة الأبحاث، وبالتأكيد لن تنجح كلها. في المرحلة الثالثة يتم العمل على عشرة أنواع، ستة منها في أميركا وبعضها في الصين وروسيا. إن وظيفة اللقاح هي تعريف جسم الإنسان بطريقة غير مباشرة على الفيروس، ليحفز المناعة على أن تتحرك بسرعة حين يدخل أي فيروس لتدافع وتحاربه. كذلك عملية التلقيح ضد الكورونا، تعرف الجهاز المناعة في جسمنا على الفيروس، وإذا أصبنا به يكون قد اكتشفه من خلال اللقاح فيسرع ليحاربه قبل أن ينتشر ويسبب أضرارا صحية كارثية أحيانا”.
وتابعت: “في الطريقة التقليدية القديمة، كان اللقاح يحتوي على الفيروس الخفيف أو المعدل الذي لا يسبب مرضا قويا بل له آثار جانبية طبعا، وهذه الطريقة معتمدة اليوم في الصين في عملية اكتشافهم للقاح الكورونا. أما الأبحاث العلمية المتطورة في أيامنا هذه التي تقوم بها أهم الشركات في العالم، فقد سلكت مسارا آخر في اختراع اللقاح للقضاء على وباء العصر الفتاك”.
وتحدثت مطر عن تجربتها الشخصية مع مرضى الكورونا وكيف يعاني العديد منهم في غرف العناية الفائقة، فنصحت المواطنين “بعدم الاستهتار واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر من الوقاية والتباعد الاجتماعي، وبخاصة مع اقتراب الأعياد حيث تكثر اللقاءات العائلية والتجمعات. فهناك من أصيبوا بالكورونا وتعافوا منذ أشهر، ولكنهم ما زالوا يعانون حتى اليوم آثارا جانبية مزعجة كضيق في التنفس أو اضطراب في الجهاز العصبي أو تشوش في الذاكرة وعوارض مزمنة سنكتشفها في المستقبل. نواجه مصاعب كثيرة مع مرضى السرطان الذين يصابون بالفيروس، وهم أصلا يعانون مشكلة في المناعة بسبب العلاج الكيميائي الذي يتلقونه، فلا يتعافون بسهولة ونجد نتيجة الـ PCR إيجابية لأشهر عدة”.
وقالت: “إنها المرة الأولى التي نواجه فيها وباء خطيرا كالـ Covid-19 ، لم نصادف مثله منذ عام 1918 حين ضرب وباء الانفلونزا الإسبانية الكرة الأرضية وحصد معه ملايين البشر ولم يفرق بين الكبار والشباب والمرضى والأصحاء. اليوم، لا حل أمامنا إلا في عملية التلقيح، بخاصة أنه لم يتم بعد اكتشاف الدواء المناسب للفيروس، لذلك من الأفضل أن نثق بالدراسات العلمية لنتفادى عوارض الكورونا الخطيرة أحيانا والتي قد تؤدي الى الموت. على الرغم من اكتشاف اللقاح سريعا والبعض يشك بنتائجه ويخاف من آثاره، لكن يبقى اللقاح الخيار الوحيد لأن الفيروس قد يكون فتاكا حتى عند الشباب وذوي المناعة القوية والأصحاء، وهذا ما أواجهه كل يوم في إطار عملي في قسم الكورونا. لذلك، إن أردنا الحد من انتشار الوباء في العالم وجب على القسم الأكبر من البشرية أن يتلقى اللقاح، فكل يوم يموت حوالى 15 ألف شخص جراء الفيروس. ونأخد على سبيل المثال في حديثنا ما حصل أخيرا في أميركا، إذ كشفت الإحصاءات أن 50% من الشعب فقط يشجع عملية اللقاح فأتت النسبة ضئيلة، لذلك قرروا تكثيف حملات التوعية عبر الإعلام لتشجيع المواطنين ، فأثمرت الجهود بزيادة النسبة 25%”.
أنواع اللقاح
إن هدف اللقاح الأساسي هو تحصين المناعة وتحضيرها للدفاع عن الجسم، ولكنه ليس العلاج بحد ذاته ولا الدواء الشافي، فمثلما تم اكتشاف لقاحات لفيروسات أخرى عبر الزمن، ها نحن اليوم أمام اكتشاف جديد نتعرف إليه قد ينقذ الحياة.
عن أنواع اللقاحات، كشفت مطر أن “الأكثر تداولا في الأسواق اليوم هما لقاحا Moderna & Pfizer والتي أثبتت فعاليتهما بنسبة 95% ، حيث تم الارتكاز فيهما على نوع جديد من اللقاحات إذ يعتمد على مرسال الحمض النووي الريبي “MRNA Vaccines”، وهو لقاح يحتوي على مواد من الفيروس الذي يسبب الكورونا، فتعطي خلايا الجسم تعليمات عن كيفية صنع نسخة غير ضارة من البروتيين الفريد الخاص بالفيروس. بعد أن يصنع الجسم نسخة من البروتين، يقوم بتدمير المادة الجينية الرئيسية الموجودة في اللقاح ويصنع بذلك الخلايا اللمفاوية التي ستتذكر كيفية محاربة الفيروس في المستقبل. هذه المسيرة مدتها ثلاثة أسابيع تقريبا، فتتفاعل المناعة بنسبة 50%، لذلك تؤخذ الجرعة الثانية مجددا لتبلغ المناعة ذروتها أي نسبة 90% ضد هذا البروتين. إن الدراسات على هذا النوع من اللقاحات قد بدأت منذ عشرة أعوام، لكنها لم تتطور إلا حين تم اختراع لقاح الكورونا، وتكمن الإيجابية فيه أنه ممكن صناعته في المختبرات بسرعة هائلة. ها نحن اليوم أمام اختبارات جديدة، وسنكتشف مع الوقت مدى فعالية هذا اللقاح، ولكن من المؤكد أنه يحمي الإنسان مدى ستة اشهر من عملية التلقيح ومن الممكن أن تمتد الفترة لاثني عشر شهرا”.
تابعت: “لقد بادرت الصين إلى اختراع اللقاح الأول للقضاء على الكورونا وعمل العلماء على أنواع عدة ومختلفة لا يزال البعض منها قيد الدرس والاختبار. وتقدمت بريطانيا قائمة الدول، لتكون أول بلد غربي يخطو هذه الخطوة الهائلة وتبدأ في التلقيح الجماعي للشعب. وأعلنت دول أخرى كالولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وإسبانيا وغيرها بدء برنامج التلقيح في بلدانها بحيث يمكن العودة إلى الحياة الطبيعية في حلول شهر أيار المقبل. إن هذا اللقاح، ككل لقاح، ممكن ان يكون له آثار جانبية عند البعض وذلك أمر طبيعي، ومن المؤسف أن نسمع الكثير من الأخبار المزيفة التي تصلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي فتقلقنا. إن لقاح الكورونا أثبت فعاليته بنسبة 95% وهذه نتيجة جيدة جدا، ومن النادر أن نجد لقاحا فعالا بنسبة 100%، فلقاح الانفلونزا مثلا الذي نقوم به سنويا فعال بنسبة 70% تقريبا. لم يتم اختبار لقاح الكورونا على الأطفال والحوامل وذوي المناعة الضعيفة، لذلك لا ينصح به ضمن هذه الفئات العمرية والحالات التي تعاني ردود الأفعال التحسسية الكبيرة، فالفيروس ما زال مجهول الهوية، وتختلف عوارضه من شخص إلى آخر بحسب جهاز المناعة في الجسم وطريقة نقل العدوى”.
حصة لبنان من اللقاح
لقد وضعت منظمة الصحة العالمية برنامج “كوفاكس” للقاحات، وعنه شرحت مطر: “برنامج عالمي للقاح المشترك ضد فيروس كورونا ويضم 19 دولة في إطار تيسير متابعة تطورات مشاريع إنتاج لقاحات مضادة لوباء الكورونا المستجد، وتيسير حصول كل الدول الأعضاء عليه بطريقة عادلة وآمنة وبالأسعار المثلى، مع التزام توفير الكميات الضرورية لكل الدول من دون تمييز، أي دولة فقيرة أكانت أم غنية، وذلك من منطلق عالمي تضامني للحد من انتشار الوباء عالميا”.
وأعلنت أنه تم “تشكيل لجنة وزارية مختصة برئاسة الدكتور عبد الرحمن البزري من قبل وزارة الصحة من أجل وضع برنامج آمن وفعال للحفاظ على فعالية اللقاح خلال عملية النقل والحفظ وصولا إلى المواطنين. تفرعت اللجنة إلى لجان عدة والعمل متواصل وجدي، فاجتماعاتها أسبوعية وعلى مستوى عال جدا من المسؤولية والدقة. في أولوية المهام الموكلة إليها، اختيار نوع اللقاح الذي سيتم استيراده، وقد تم ذلك بالعودة إلى خبراء عالميين، وأيضا وضع خطة عمل في آلية الاستيراد ونقل اللقاح وحفظه وتحديد المراكز المؤهلة، لأنه يجب أن يحفظ في حرارة تقل عن 70 درجة مئوية. كذلك تحديد توزيع اللقاح على الفئات المستهدفة ولا سيما تلك الأكثر عرضة للإصابة بالوباء، كالعاملين في القطاع الصحي والمسنين والذين يعانون أمراضا مزمنة مستعصية”.
وكشفت أن “وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حمد حسن “أجرى محادثات في مبكرة، وسعى إلى تأمين اللقاح بأفضل الاسعار ما شكل عاملا إيجابيا بحجز اللقاح ومنع احتكاره تحت أي ظرف كان. يتسلم لبنان الدفعة الأولى في الأول من آذار المقبل، ويبلغ عددها حوالى المليوني لقاح سيتم توزيعها مجانا على الفئة المستهدفة. كما تم توقيع اتفاقية مباشرة مع مصرف لبنان وشركة “فايزر” للحرص على ألا يكون هناك أي طرف ثالث في الاتفاقية لتخفيف الأعداد والنسب الربحية التي قد ترفع من سعر استيراده. وقد تأمن التمويل من موازنة وزارة الصحة واحتياط الموزانة العامة وقرض البنك الدولي وجهات عدة متبرعة لتتم عملية تلقيح القسم الأكبر من المواطنين”.
بشرى لا بد من سماعها في نهاية المطاف، ألا وهي نهاية الوباء، وها نحن ننتظر الدراسات الأخيرة على اللقاح ونسبة نجاحه لإعلان الانتصار الفعلي عليه، فهل نحتفل قريبا بهذا الانتصار فتتكلل صحة الإنسان بالأمن والسلام؟ وهل نتحرر في العام 2021 من قيود الكمامات وثقلها، فنتنشق هواء الحرية وتجتمع البشرية من جديد؟
مواضيع ذات صلة :
300 مليون دولار لمشروع شبكة الأمان الاجتماعي | الادمان على الهواتف… هل يمكن التخلّص منه؟ | وزارة الصحة تحذّر من وجود لقاحات بأسعار غير محددة من قبلها |