بين 2013 و2020 مشكلة رئيس مكلّف أم رئيس جمهورية؟
كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
ليست الارقام وحدها متشابهة الى حد ما بين الرئيسين سعد الحريري وتمّام سلام. ثمة وجوه شَبَه اخرى، منها ان تكليفهما كان مقصوراً على مهمة محددة: مع سلام عند تكليفه في 6 نيسان 2013 بدا المفترض الوصول الى حكومة انتخابات لثلاثة اشهر، تشرف في ايار 2013 على اجراء انتخابات نيابية عامة. مع الحريري المكلف في 22 تشرين الاول 2020 حكومة «مهمة» تأخذ بيدها المبادرة الفرنسية كي تجري اصلاحات اقتصادية ونقدية بنيوية، في مدة حددها لها الرئيس المكلف بستة اشهر فقط. فإذا بتكليفه تجاوز عبثاً العمر المفترض لحكومته، وربما بات من المتوقع – اذا ابصرت النور يوماً ما قبل أيار 2022 – توليها الاشراف على الانتخابات النيابية المقبلة.
كان تكليف سلام على ابواب نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان بعد سنة وشهر واحد في ايار 2014. الا انه لم يتوقع حينذاك ان يطول تأليفها ومن ثم عمرها الى ما بعد هذا التاريخ بكثير، وتدير الشغور الرئاسي الطويل. بدورها حكومة الحريري المأمولة على ابواب نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في تشرين الاول 2022، بعد سنة و5 اشهر، من غير ان يكون رئيسها ولا رئيس الجمهورية ولا اي من الافرقاء اللبنانيين متيقناً من ان البلاد ستكون بالفعل في ذلك الوقت على موعد مع انتخاب رئيس جديد، لا على موعد مع رابع شغور رئاسي. كي يفصل ما بين الاطراف المتناحرين، من غير ان يكون اقواهم، طرح سلام وقتذاك معاييره لتأليف حكومته من عناوين ثلاثة، هي حكومة من 24 وزيراً، مع ثلاث ثمانات، مع مداورة في الحقائب، وكان عالقاً بين فريقين كانا لا يزالان على قيد الحياة هما قوى 8 و14 آذار. مع الحريري ثمة امر مماثل، لكنه في الوقت نفسه على قدر من الاختلاف. رغب في وضع معاييره هو لتأليف الحكومة من 18 وزيراً، ثم سلم بحكومة 24 وزيراً وثلاث ثمانات، بلا اي ثلث معطل لأي فريق، مع مواصفات وزراء اختصاصيين من غير الحزبيين هو مَن يسميهم لا الكتل.
حينذاك تشاور سلام وسليمان، واتفقا على معايير الرئيس المكلف ومقاربتها بدقة التوازنات السياسية القائمة. اما الحريري وعون فاختلفا منذ اليوم الاول على معايير طرحها الرئيس المكلف ولم يقتنع بها رئيس الجمهورية، فاعترض عليها ووقف في طريقها.
كُلّف سلام بما يشبه اجماعاً نيابياً في الاستشارات الملزمة منحته 124 صوتاً، فيما تحفظت على تكليف الحريري الكتلتان المسيحيتان الكبريان «لبنان القوي» و«الجمهورية القوية»، ولم يكن رئيس الجمهورية يميل الى وجوده الى جانبه، فأوتي له بعزم الثنائي الشيعي بـ65 صوتاً. الاول أدار نزاع فريقي 8 و14 آذار، بينما اختار الثاني الاستقواء بفريق وإيصاد الابواب في وجه فريق آخر.
اما الاختلاف الرئيسي ما بين الرجلين، فإن كليهما كان قبالة رئيس للجمهورية مختلف تماماً الى حد التناقض عن الآخر، مع ان كلتا تجربة سلام وكانت الاولى له في السرايا والحريري وهي المرة الرابعة، متباينتان للغاية بين قماشتين إحداهما مجرّبة من جدّ الى أب الى ابن عمل في ظل الاب، والاخرى لا تريد ان تتعلم من اخفاقاتها ولا يسعها هضم النضوج، كأنها مقطوعة من شجرة فيما هي نازلة من جذور هادرة. ذلك الفارق الجوهري الذي واجهه تكليفا 2013 و2020، ان الاول كان امام سليمان الذي يصفه سلام بالايجابي والمتعاون والمتفهم والهادئ، وعون الذي يصفه الحريري بالسلبية والتعطيل والاستفزاز والاستيلاء على صلاحياته ومخالفة الدستور.
عندما نيط بزعيم المصيطبة تكليفه بترؤس الحكومة، كان يتوقع ابصارها النور في وقت قصير، ما دامت مهمتها مقتصرة على الاشراف على الانتخابات النيابية المفترضة – وهمياً – الشهر التالي، قبل ان يفاجئه مجلس النواب ولم يكن انقضى شهران على تكليف بدأ يصطدم بعقبات العرقلة، بأن التأم في اليوم الاخير من العقد العادي الاول في 31 ايار 2013، ومدّد ولايته حتى 20 تشرين الثاني 2014 بإجماع 98 نائباً حضروا الجلسة.
لم يكن الرئيس المكلف حينذاك عيّن مقومات حكومة الانتخابات ذات المهمة المحددة، سوى تعهده بعدم الترشح لها، وتالياً ما دامت بمواصفات مهمتها، يقتضي ان لا تضم وزراء مرشحين للانتخابات. بطيّ صفحة ذلك الاستحقاق، انتقل سلام الى البحث في حكومة سياسية طال امد تأليفها الى اكثر من 10 اشهر.
وقتذاك – على غرار ما يُشاع الآن – حال دون تأليفها ما كان يردده سلام، وهو ان القرار الخارجي لم يصل الى بيروت بعد. لزم منزله في المصيطبة، وراح يستقبل زواره من رؤساء الكتل ونوابهم ورجالهم، محجماً عن التواصل معهم. قصر تشاوره على رئيس الجمهورية على مرّ هذا الوقت، وزاره 15 مرة، جلّها زيارات سرّية لم يُعلن عنها لئلا يكشف عن خيبته من عدم مساعدته على صدور مراسيمها، وهو يواجه الاشتباك المسعور ما بين فريقي 8 و14 آذار.
في تشرين الثاني 2013، بمرور سبعة اشهر، تحدث الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن رفضه، العالي النبرة، حكومة ثلاث ثمانات والمداورة وتأييده حكومة ثلاثينية. اواخر الشهر التالي، وصل الى المصيطبة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يحمل الى صاحب الدار رسالة من حزب الله تلقاها من مسؤول رفيع فيه، يُعتقد انه وفيق صفا، تخطره بالموافقة على المعايير الثلاثة التي وضعها الرئيس المكلف لحكومته. بعد اسابيع من المد والجزر صدرت مراسيمها في 15 شباط 2014 طبقاً للمعايير تلك: ثلاث ثمانات موزعة على سليمان (3 وزراء) وسلام (3 وزراء) وجنبلاط (وزيران)، الى 8 وزراء لقوى 14 آذار و8 وزراء لقوى 8 آذار. بذلك حصل الفريقان المتناحران، اللذان سمّيا وزراءهما، على الثلثين فيما حصل الفريق الوسطي على ثالث الأثلاث لفك الاشتباك، والحؤول دون وصول اي من الطرفين الآخرين الى نصاب الثلث +1 في مجلس الوزراء.
فحوى القرار الخارجي وتوقيته، اعلان التوافق الاميركي – الايراني على البرنامج النووي للجمهورية الاسلامية. توطئة للوصول الى الاتفاق النهائي، وقد بات شبه ناجز وحتمياً، كانت الحكومة اللبنانية الجديدة جائزة ترضية، اتاحت ادارة البلاد في الاشهر الثلاثة التالية في ظل ولاية سليمان، قبل انتهائها في 25 ايار 2014، من ثم جرجرة الشغور الرئاسي طوال سنتين وخمسة اشهر وستة ايام.
ما يتردد اليوم، في موازاة تناحر عون والحريري على حصص الحكومة وزراء وحقائب، ان القرار الخارجي لم يصل الى بيروت بعد، في مرحلة شبيهة بما صدف سلام لتسع سنوات خلت. عاود الاميركيون والايرانيون تفاوضهم على بعث الروح في اتفاقهم على البرنامج النووي على نحو مماثل لما كان، في انتظار منح لبنان جائزة ترضية، هي ان تكون له حكومة جديدة، اياً تكن حدة خلافات الداخل والبغض الشخصي. على نحو هبوط القرار الخارجي فجأة على لبنان في ذلك الوقت، فإن حصول تفاهم على تأليف الحكومة لن يُفسَّر بسوى ان قراراً مفاجئاً كذاك هبط مجدداً.
مواضيع ذات صلة :
ميقاتي: أقدر المساعي الأميركية.. وأجدد الالتزام بالـ1701 | ما صحة إقفال المؤسسات والأعمال غداً؟ | بالتفاصيل.. بنود الاتفاق الكامل بين إسرائيل ولبنان |