جنون قطاع الإسكان يشعل الأسعار في مختلف دول العالم

اقتصاد 6 تموز, 2021

يجنُّ جنون أسواق العقارات حول العالم. فمن الولايات المتحدة إلى بريطانيا والصين، تشهد أسواق الإسكان طفرة ارتفعت فيها التقييمات على مستوى العالم بأسرع وتيرة منذ عام 2006، وفقاً لشركة الاستشارات “نايت فرانك” (Knight Frank)، وتزيد الأسعار على أساس سنوي بأرقام مزدوجة. ويظهر تحليل أجرته “بلومبرغ إيكونوميكس” أنَّ الأسواق ترسل أنواع التحذيرات نفسها من الفقاعات التي لم نشهدها قبيل اندلاع الأزمة المالية العالمية.

على أرض الواقع، تنتشر قصص صادمة؛ إذ يعد المشترون اليائسون البائعين بتسمية أبنائهم على أسمائهم، وتباع المباني المهجورة بأسعار القصور.

تعدُّ الدوافع وراء هذا الجنون قوية بشكل ملحوظ؛ كالرهون العقارية الرخيصة، والرغبة في مساحات أكبر بعد الوباء، وسعي العاملين عن بعد لأخذ الأموال التي يتقاضونها في المدينة، والعيش في مناطق أخرى على أطراف المدن، والأهم من ذلك تفشي الخوف من أنَّك إنْ لم تشترِ الآن، فلن تكن قادراً أبداً بعد ذلك.

كلما صعدت الأسعار، ازدادت المخاطر على الأفراد والمجتمع على حدٍّ سواء. حتى بدون حدوث انهيار صريح؛ فإنَّ الرهون العقارية الكبيرة تعني أنَّ المقترضين سيكونون عرضة للخطر أكثر إذا ارتفعت أسعار الفائدة، إذ سيتراجع دخلهم المتاح للإنفاق في الاقتصاد، وعلى الأرجح سيتقاعدون وهم مثقلون بالديون. وبالنسبة للشباب؛ يصبح شراء العقارات صعباً بشكل متزايد، مما يوسِّع فجوة عدم المساواة بين الأجيال.

وبرغم شعور المنظمين بالقلق، لا توجد الكثير من الدلائل على اتخاذ إجراءات ذات معنى في معظم الدول، في ظل توقُّعاتهم بأن تهدأ السوق من تلقاء نفسها بحجة أنَّ التركيز لمدة عقد على معايير الإقراض الأعلى بجانب احتمالية بقاء أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة يعني أنَّه لا يوجد محفِّز حتمي لوقوع الإنهيار، كما أنَّ جزءاً كبيراً من النشاط يقوم به الملَّاك من قاطني المنازل، وليس من المستثمرين، مما يعني أنَّهم لن يتوجهوا جميعاً إلى الباب في الحال إذا بدأت الأسعار في الانخفاض.

وفي الوقت الراهن، توقَّعوا المزيد من القصص الجامحة، وفيما يلي نعرض بعضاً من أكثرها ذهولاً مما صادفنا.

كندا

بصفتها وكيلة عقارات؛ عرفت كريستين كريبس أنَّ السوق ساخنة في “باري”، وارتفعت الأسعار في المدينة سريعة النمو، التي تبعد حوالي ساعة ونصف الساعة بالسيارة شمال تورنتو، حيث يبحث المشترون عن منازل أكبر، أو عقارات لقضاء العطلات على بحيرة سيمكو ذات المناظر الخلابة.

ومع ذلك، لم يؤهلها شيء لما سيحدث عند بيع منزل عطلتها المكوَّن من غرفة نوم واحدة، وتقول كريبس، إنَّه ليس عقاراً مميزاً، وإنما يبدو “كصندوق صغير” من الخارج، ولكن خلال 24 ساعة من إدراجه، جلب 192 مشاهدة، وكانت هذه هي مجرد البداية.

خلال الأيام الثلاثة اللاحقة، بدأ المشترون والوكلاء في الظهور حتى بدون موعد، بالإضافة إلى متسلقين عبر الثلوج ليقرعوا الباب، في حين كانت تجري كريبس جولات افتراضية لداخل المنزل.

أصبح الممر الضيق المؤدي للعقار مزدحماً للغاية، وانتهى الأمر بست سيارات على الأقل في خندق، وتطلَّب الأمر قطرها، وفي ذروة حرب المزايدة، تقدِّر كريبس أنَّها كانت تتلقى حوالي 75 رسالة بريد إلكتروني كل 20 دقيقة، وكانت تنام بالكاد من ساعتين أو ثلاث ساعات في الليلة، إذ حاولت مواكبة جميع الاستفسارات. وفي النهاية تلقَّت 71 عرضاً، وتمَّ بيع العقار، المُدرج بمبلغ 399 ألف دولار كندي (328.7 ألف دولار أمريكي) مقابل ضعف هذا المبلغ تقريباً بقيمة 777.8 ألف دولار كندي.

تقول كريبس: “هل تعرف عندما ترى مقاطع فيديو عن الجمعة السوداء عندما يسارع الجميع لدخول المتاجر، ويمسكون بالأشياء، ويخوضون معارك في المتجر، ويجذبون شعر بعضهم، ويكون هناك أمن أثناء شجارهم؟، هذا ما شعرت به”. وتضيف: “كان الجميع حريصين ومهتمين بشدة للحصول على العقار”.

أستراليا

لم يكن به مطبخ أو مرحاض أو كهرباء، ناهيكم عن الأرضيات أو الطلاء، ومع ذلك، بيع المنزل شبه المهجور على بعد سبعة كيلومترات (4.4 ميل) جنوب وسط مدينة سيدني على أي حال مقابل 4.7 مليون دولار أسترالي (3.5 مليون دولار)، بعد حرب مزايدة محتدمة.

تلك إحدى عمليات البيع المذهلة في المدينة المطلة على الميناء، إذ تمَّ شراء أكثر من نصف المنازل التي بيعت العام الجاري، بما لا يقل عن مليون دولار أسترالي، وكانت المكاسب الفصلية حتى شهر مايو هي الأعلى منذ أكثر من 30 عاماً. وأظهرت البيانات يوم الخميس ارتفاع أسعار المنازل بمقدار 1,263 دولاراً أسترالياً يومياً في مايو، في حين أنهت سوق الإسكان الأسترالية للتو أفضل سنة مالية لها منذ عام 2004.

قال وكيل البيع، جو رجب، من شركة “إن جي فرح للعقارات” (NG Farah Real Estate): “أعمل في هذا القطاع منذ 25 عاماً، ولم أرَ شيئاً كهذا من قبل… فقد تلقينا 30 ألف استفسار بشأن العقار في أربعة أسابيع -من الإمارات، ودبي، وأمريكا، ونيوزيلندا، وجميع الدول الآسيوية”.

فيما تعدُّ الشريحة الأعلى في السوق هي الأكثر نشاطاً، ويستعدُّ المشترون العائدون من الخارج المحملين بالنقود، بالإضافة إلى المحليين الأثرياء المحبوسين في الدولة نتيجة إغلاق استراليا للحدود، لدفع مبالغ تدمع لها الأعين مقابل تحقيق نمط المعيشة الذي يرغبون به.

وباعت ديلين لويس، مديرة وكالة العقارات “لاينغ بلس سيمون”(Laing + Simmons)، منازل بقيمة 60 مليون دولار أسترالي في يوم واحد خلال مايو في الضاحية الشرقية المترفة “دابل باي”، وهو أكثر مما باعته من قبل في شهر واحد.

ومن بين المنازل الخمسة التي باعتها لويس في يومها البارز، كان هناك عقار يتكوَّن من ثماني غرف نوم، وتسعة حمامات في بلفيو هيل، وهي منطقة باهظة الثمن في شرق المدينة، وتمَّ اقتناصه قبل المزاد بمبلغ 25 مليون دولار -أعلى بحوالي 40% من سعره المعلن- وأكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ الذي بيع به قبل خمس سنوات فقط، والبالغ 7 ملايين دولار، على الرغم من كونه فخماً، فهو لا يتمتَّع بإطلالات على البحر أو بالقرب من الخدمات المتوقَّعة من منزل بهذا السعر في سيدني.

تقول لويس: “إنَّ الأمر جنوني، لكنَّه منطقي عندما تفكر فيه.. فكونك محبوس في مكان مثل سيدني لا يبعث على الكآبة عند مقارنته ببقية العالم، ويبحث الناس عن ملاذ آمن”.

الولايات المتحدة الأمريكية

في منطقة غرينتش الغنية بولاية كونيتيكت، أصبح لا يمكنك رؤية عقار قبل تقديم عرض.

قررت مجموعة من مشتري المنازل، الذين لم يتمكَّنوا من الحصول على مواعيد لرؤية منزل مدرج للتو بقيمة 1.55 مليون دولار، تقديم عرض نقدي أعلى من السعر المطلوب على أي حال، وكان شرطهم الوحيد هو السماح لهم بدخول المنزل مرة واحدة قبل توقيع العقد.

“تمَّ قبول العرض باعتباره الأعلى والأفضل، على الرغم من أنَّه لم يسبق لهم دخول المنزل من قبل” وفقاً لمارك برونر، السمسار في “بيركشاير هاثاواي لخدمات المنازل” الذي أضاف:”تمَّ قبول العرض على الرغم من اصطفاف الأشخاص الذين تمكَّنوا من الحصول على مواعيد لمدة 15 دقيقة فقط على مدار يومين”.

قفزت أسعار المنازل في الولايات المتحدة لأعلى مستوى منذ 30 عاماً في إبريل، مع زيادات أكبر في العديد من الضواحي والمناطق الريفية. وفي ذروة الوباء، جذبت غرينيتش تاركي مدينة نيويورك-واستمروا في القدوم منذ ذلك الحين- وتضاعفت العقود الموقَّعة لمنازل الأسرة الواحدة أكثر من ثلاثة أضعاف في مايو على أساس سنوي إلى 165 عقداً، وفقاً لشركة التثمين “ميلر صامويل ” (Miller Samuel)، وشركة السمسرة “دوغلاس إيليمان للعقارات”، وذلك بعد الربع الأول الذي ارتفع فيه متوسط سعر مبيعات المنازل بنسبة 31% إلى 2.24 مليون دولار.

صعدت المبيعات في مانهاتن في الأشهر الماضية أيضاً، ولكن يرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى احتمالية البيع بأسعار مخفضة. وعلى النقيض من ذلك؛ يواجه المشترون الذين يتوغلون في عمق الضواحي الخارجية بحثاً عن منازل أكثر اتساعاً “حروبَ مزايدة”.

تصبح الأمور أكثر سخونة في المناطق النائية من الولايات المتحدة، مثل بويسي في ولاية أيداهو، وهي مدينة خلابة يبلغ عدد سكانها حوالي 225 ألف نسمة، وتقع مقابل سفوح جبال روكي، وأدى تدفُّق المشترين من كاليفورنيا والولايات الأعلى سعراً الأخرى إلى تحفيز السوق، فقد ارتفعت الأسعار في بداية شهر يونيو بنسبة 42% على أساس سنوي، وفقاً لشركة الوساطة “ريد فن” (Redfin). وفي إبريل، واجهت ثمانية من أصل 10 عروض قدَّمها عملاؤها حروبَ أسعار.

يبذل المشترون اليائسون كلَّ ما في وسعهم لتأمين الصفقة بما في ذلك “الوعد بعدم الانتقال للمنزل فعلياً”، وقالت شونا بندلتون، وهي وسيط محلي من شركة “ريد فين”، إنَّ أحد البائعين تفاوض على حقِّ البقاء في العقار لمدة خمسة أشهر بإيجار بسيط حتى يتمَّ بناء منزله الجديد.

قالت بندلتون:”عرف البائعون أنَّ لديهم قوة في هذه السوق، ويعرفون أنَّهم يمتلكون جميع البطاقات، وأنَّهم يضعون القواعد إلى حدٍّ كبير”.

المملكة المتحدة

يعدُّ شراء عقار في بريطانيا الآن أمراً مثيراً للأعصاب، إذ ينجح بيع حوالي ربع المنازل في خلال أسبوع، وفقاً لوكلاء العقارات في “هامبتنز إنترناشونال”، كما يباع العديد من المنازل حتى قبيل إدراجها في منصات بيع العقارات.

تترك المنافسة الشديدة المشترين المحتملين، مثل أليسون ناش، البالغة من العمر 63، وزوجها في العراء، وهم قد باعوا منزل عائلتهم في المزرعة العام الماضي، وانتقلوا إلى سكن مستأجر حتى يتمكَّنوا من اصطياد عقار بدون التزامات بالقرب من غيلدفورد، وهو مركز مواصلات عامة في جنوب شرق إنجلترا.

تقول ناش: “لم أتوقَّع في حياتي أن يكون الأمر بهذه الصعوبة… هناك القليل جداً من المنازل المعروضة في السوق، كما أنَّ المنازل المتاحة تتمُّ ملاحقتها من قبل عدد كبير من المشترين”.

أدى ازدهار السوق إلى عودة ظهور ممارسة تُعرف بـ”التملُّص”، وتعدُّ صفقات العقارات في بريطانيا ليست ملزمة قانوناً حتى يتمَّ تبادل العقود رسمياً، الأمر الذي قد يستغرق شهوراً بعد قبول العرض، خاصةً عندما يواجه مقرضو الرهن العقاري والمحامون صعوبةً في التعامل مع الأعداد الكبيرة من العقود. ويمكن للبائعين في أيِّ وقت خلال هذه الفترة قبول عرض مختلف.

هذا ما حدث لشارلوت هوارد، البالغة 46 عاماً، في فبراير، وبعد أربعة أشهر، دفعتها الإجراءات الجامدة في عقار آخر للتخوف من التعرُّض للتملُّص مرة أخرى، مما حملها على التواصل مع البائع على “فيسبوك” للتأكيد على اهتمامها.

وقالت: “أشعر أني منكسرة قليلاً ومتأثرة.. وما يزال من الممكن أن تسير الأمور على نحو خاطئ”.

ومن حسن حظ هوارد؛ تمكَّنت هي والبائع من تبادل العقود في 11 يونيو.

الصين

يعدُّ كبح جماح المضاربة على سوق العقارات هدفاً رئيسياً للحكومة الصينية، لكنَّها تكافح أيضاً في سبيل ذلك. وفي حين أدى الوباء إلى ارتفاع أسعار الضواحي والمناطق النائية في معظم أنحاء العالم؛ تدافع المشترون في الصين لمدن الدرجة الأولى، إذ

ما يزال من الممكن العثور على أفضل الوظائف والمدارس.

ارتفعت أسعار المنازل القائمة في تلك المدن بنسبة 10.8% منذ بداية العام حتى مايو، برغم الإجراءات الصارمة التي استهدفت ثغرات مثل الطلاق الوهمي، المصمَّمة لتجاوز القواعد المتعلِّقة بعدد العقارات التي يمكن للعائلة الواحدة تملكها.

تبلغ تكلفة الشقة في المركز التكنولوجي في شينزين، 43.5 مرة متوسط راتب المقيم، وفقاً لمعهد الأبحاث التابع لشركة العقارات “إي-هاوس (تشاينا) انتربرايز هولدينغز” ( E-House (China) Enterprise Holdings).

وهذا ليس بعيداً عن هونغ كونغ، المدينة الأعلى تكلفة في العالم، وفي ظلِّ صعود أسعار شينزين بوتيرة أسرع من أيِّ مكان آخر في الصين؛ فإنَّ قائمة العقبات التي تواجه المشترين المحتملين تزداد طولاً وتعسفاً.

وفي أحد مشروعات التطوير العقاري الجديدة في غرب المدينة، اضطرت الأطراف المهتمة إلى تحويل مليون يوان (157 ألف دولار) مؤقتاً، وتقديم تقارير ائتمان شخصية قبل أن يتمكَّنوا حتى من تقديم عرض.

كما أنَّ الكثيرين ممن تمكَّنوا من القيام بذلك -وهو أمر ليس سهلاً بالنظر إلى صفوف مقدِّمي عروض الشراء الذين يتجوَّلون حول المشروع عند موعد إغلاق البنوك-

ما زالت عروضهم غير مدروسة.

تحت ضغط من منظِّم قطاع الإسكان المحلي لإعطاء الأولوية للسكان؛ قررت مجموعة “كوستر غروب” (Coaster Group) تقييم المتقدِّمين وفقاً لمدَّة سدادهم للضرائب في المدينة، وكان لجميع الطلبات الناجحة البالغ عددها 2114 سجلات ضريبية تمتد لأكثر من 23 عاماً.

كان ذلك بمثابة خيبة الأمل للكثيرين، بمن فيهم جيري هوانغ، البالغ 29 عاماً، الذي لديه سجل ضريبي لمدة 14 عاماً في شينزين، وهذه هي المرة الثالثة التي تمنعه المتطلَّبات غير النقدية من تقديم عطاء أيضاً.

يقول هوانغ: “يبدو أنَّه يتعيَّن عليَّ تأجيل خطة الشراء لفترة طويلة..هناك الكثير من الناس يتنافسون، ولست متأكِّداً من أنَّ أمامي فرصة للفوز”.

المصدر: 24 – بلومبيرغ

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us