نوفاك ديوكوفيتش ورحلة البحث عن الخلود
خاص هنا لبنان – كتابة موسى الخوري
عندما فاز السويدي بيورن بورغ ببطولة رولان غاروس 6 مرات وويمبلدون خمس مرات متتالية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كان العالم يظن أنّ هكذا إنجاز لن يتكرر وأنّ الرجل ذو الأعصاب الجليدية سجل أرقامًا غير قابلة للتحطيم. وعندما ظفر الأميركي بيت سامبراس بلقبه الـ13 في إحدى البطولات الأربع الكبرى في الغراند سلام في ويمبلدون عام 2000، فرح كثيرون كون سامبراس تمكن من تحطيم رقم الأسطورة روي إيمرسون بعد ألقاب البطولات الكبرى والذي كان يبلغ 13 لقبًا وهو رقم قياسي صمد لأكثر من 30 عامًا.
ولكن ما نشهده اليوم هو أمر فائق للطبيعة البشرية. ثلاثة لاعبين يملك كل واحد في جعبته 20 لقبًا لدورة كبرى وهو أمر لم يحصل في تاريخ التنس المعاصر.
ففوز كل واحد من اللاعبين الثلاثة الأبرز بـ 20 دورة كبرى أمر لم ولن يتكرر في الزمن القريب ولا في الزمن البعيد حتى. إنّنا نشهد على أعظم وأجمل حقبة في تاريخ الكرة الصفراء. إذ كيف يمكن للاعبين أصغرهم في الـ 34 من العمر أن يحصدوا 60 لقبًا كبيرًا؟ الجواب على هذا السؤال حيّر الكثيرين، فكيف أصبح لاعب التنس قادرًا على العطاء وفي أعلى مستوياته في هذه السن المتأخرة؟ باستثناء الأميركي جيمي كونورز الذي لعب حتى أواخر عقده الثالث من العمر مع تحقيق نتائج خجولة، لم نر لاعبًا تمكن من المواصلة على هذا المستوى كاللاعبين الحاليين الثلاث. فالسويسري روجيه فيديرير على أعتاب الـ 40 من عمره والإسباني رافاييل نادال أتم الـ 35 بينما أصغرهم الصربي نوفاك ديوكوفيتيش أصبح في الـ34.
على أنّ الأخير مرشح لكسر رقمي خصميه وربما الوصول إلى 25 لقبًا كبيرًا بحسب رأي أسطورة اللعبة وصاحب الـ7 ألقاب في الدورات الكبرى جون ماكنرو، طبعًا في حال حافظ على مستواه المرتفع وابتعد عنه شبح الإصابات. يبني ماكنرو توقعاته لا بل حساباته بالتأكيد على مستوى ديوكوفيتش المرتفع والذي ما زال يملك الحافز لتحقيق المزيد والذي يستطيع المواصلة على هذا المنوال من أجل تحطيم كل الأرقام وبلوغ المجد والخلود في عالم التنس.
فبعد فوزه في بطولة ويمبلدون الإنكليزية وكذلك بطولتي رولان غاروس الفرنسية وملبورن الأسترالية، ها هو ديوكوفيتش يحقق البطولة الكبرى الثالثة هذا العام وهو يسعى لخطف بطولة فلاشينغ ميدوز الأميركية ليحقق البطولة الرابعة وتاليًا الغراند سلام. كما جاء قراره مؤخرًا بتأكيد مشاركته في أولمبياد طوكيو بمثابة رسالة للجميع يقول فيها لهم:”ها أنا أستعد لحصد الذهب في الصيف وتدوين إسمي في سجلات الألعاب الأولمبية بأحرف من ذهب”.
لقد وضع ديوكوفيتش نفسه في موقع ريادي يؤهله لتحقيق كل ما يصبو إليه من ألقاب وتحديات وذلك على الرغم من تمتع خصميه فيديرير ونادال بشعبية أكبر منه عند مشجعي التنس في العالم، وذلك بفضل قوته وصلابته وانضباطه مما مكنه من الوصول بعيدًا في المنافسة على أعلى مستوى بالرغم من كل الضغوط المحيطة بتحطيم الأرقام القياسية للعبة التنس.
يبقى موضوع اختيار الأفضل أمر دقيق جدًا خصوصًا مع تقارب المستويات بين اللاعبين الثلاث. كيف لا والكل متساوٍ في عدد الألقاب؟ إذًا يبقى الملعب هو الفاصل والملعب ما زال الساحة المفضلة لديوكوفيتش لتحقيق المزيد من الألقاب وتخطي الآخرين وحتى ذاته. فمسألة تحقيق أكبر عدد من الألقاب واعتلاء صدارة ترتيب اللاعبين العالميين أمر ممتاز ولكن الناس تحب الكلام عن الأرقام القياسية، ليس في لعبة التنس فحسب بل في كل الرياضات، فمن من المشجعين لا يحب المقارنة بين النجوم الكبار أكان في كرة السلة أو القدم أو في رياضة السيارات أو سائر الألعاب الرياضية؟
باختصار، المنافسة حامية جدًا واللاعبين الثلاث ما زالوا على استعداد لتقديم كل ما لديهم ولكن لديوكوفيتش الأفضلية ليس لأنه الأصغر سنًا ولكن لأنه الأكثر عزيمة.