أين سائقو التاكسي في لبنان؟

كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:

“وين التاكسيات”، هو السؤال الذي يطرح كثيراً في هذه الأيام في جلسات المواطنين، فالطرقات شبه فارغة، ومرور سيارة “تاكسي” أصبح بمثابة الأمنية إن لم نقل “معجزة”..

هذه الظاهرة أي ظاهرة اختفاء التاكسيات، نلحظها بوضوح في مختلف المناطق اللبنانية، ونلحظ معها الاستبداد، فتعرفة السرفيس باتت أيضاً تتبع للسوق السوداء، وأحياناً عليك أن ترشي السائق بـ”سرفيسين” أو حتى بطلب كامل، كي يأخذك إلى المكان المنشود.

قد يقول البعض أنّ سبب “الشحّ” في سيارات التاكسي هو أزمة البنزين والمازوت، لجهة ما لديهم الحق، ولكن هناك ظاهرة أخرى.. فأزمة المحروقات مضى عليها شهور عدّة غير أنّ هذه الظاهرة لم تنفجر إلاّ مؤخراً، وتحديداً مع ظهور السوق السوداء، والتي احترف فيها العديد من اللبنانيين العاطلين عن العمل أو حتى الكسالى بيع البنزين والمازوت على أرصفة الطرقات.
وتبعاً لهذا المناخ تراجع عدد سيارات التاكسي والفانات التي كانت تسيد وتميد في شوارعنا، إذ وجد بعض السائقين لأنفسهم عملاً جديداً، يحتاج لقليل من الصبر والانتظار ويدرّ عليهم بالكثير من الربح، وهو العمل في السوق السوداء.

وهذا الأمر ليس تجنيّاً، ففي جولة سريعة على محطات البنزين، وعند متابعة الطوابير، نجد عدداً كبيراً من سيارات التاكسي والفانات الواقفة في الصف، وطبعاً هؤلاء لن يرتاب منهم مسؤولو المحطة إن ملؤوا خزاناتهم يومياً أو حتى لأكثر من مرة في اليوم، فهم وفق مراقبي المحطات يعملون على الطرقات وحاجتهم للمحروقات مشروعة، ولكن الحقيقة في كثير من الأحيان تكون في مكان آخر.

فبعض سائقي سيارات التاكسي، وبعد انتظارهم لساعات طويلة على محطة أو أكثر من محطة، ينجحون أخيراً بتفويل سياراتهم.. وإذا افترضنا أنّ الواحدة من هذه السيارات تحتاج إلى 3 صفائح من مادة البنزين، فهذا يعني أنّ سائقها دفع على المحطة مبلغ 400 ألف ليرة كحد أقصى.

في المقابل، تمنح هذه الصفائح الثلاث، سائق التاكسي 6 غالونات من البنزين. ولنفترض هنا أنه احتفظ لنفسه بغالون واحد كي يسعفه في اليوم الثاني، يتّبقى لنا 5 غالونات، والغالون يباع في السوق السوداء بين 200 و 250 ألف ويختلف حسب المنطقة وحسب توفّر المادة أو انقطاعها، أي أنّ الغلّة هنا أكثر من مليون. دون أن يشغّل السائق محرّك سيارته، أو أن يطوف في الشوارع. وهذا طبعاً إن افترضنا أنّه قام بهذه العملية لمرة واحدة في اليوم، وإن افترضنا أيضاً أنّ ضميره حي ولم يعمد إلى الغش ومزج البنزين في المياه..
ناهيك عن وجود الكثير من السيارات التي يمكن تفويلها بأكثر من 3 صفائح..

والمعادلة نفسها تصحّ للآليات التي تمشي على المازوت، فالفان مثلاً يحتاج تفويله إلى 4 صفائح مازوت أي بمبلغ يقارب الـ400 ألف. وهذه الصفائح تمنح السائق 10 غالونات من هذه المادة، إن باع ثمانية منها فقط في السوق السوداء بسعر 200 ألف للغالون الواحد، يكون قد حقّق غلّة، تتخطّى المليون ونصف المليون. وطبعاً دون أيّ مجهود يذكر إلاّ مجهود الانتظار..

إذاً، هذا هو المشهد في لبنان.. وما بين الطوابير وأزمة المحروقات وفوضى الغالونات.. يبقى اللبناني مرهوناً لسوق سوداء تحتكره أينما التفت، حتى وهو واقف على قارعة الطريق ينتظر سيارة تقلّه إلى عمله أو سكنه أو إلى أيّ مكان آخر..

مواضيع مماثلة للكاتب:

أين لبنان؟.. يا فيروز!

سليم عياش.. “القاتل يُقتل ولو بعد حين”!

نعيم قاسم “يعلّم” على الجيش.. الأمين العام “بالتزكية” ليس أميناً!