مقدمات الأخبار إنشاء بلا خبر


أخبار بارزة, خاص 14 أيلول, 2021

كتب عمر موراني لـ”هنا لبنان”:

قبل أسبوعين ونيّف، وفيما كنت أقلّب الأقنية المحلّية، والتي تُشاهد في غير دولة عربية وأجنبية، للإطلاع على آخر الأخبار، جذبتني مقدمة طويلة قطفت منها باقة وجدانيات:

“ليده تخرج بيضاء كلما إدلهم الليل الأليل في زمن سوق سوداء للبيع والشراء وعتمة تفشت كالطوابير في أرجاء الوطن لأفكاره الخضراء تمسح على يباس أيامنا فتعيد الروح إلى جسد يومياتنا المتحلل كلما متنا،

لعباءته درع الناس الواقي من رصاص الفتنة وسترهم عن الإنصات لألسنة التحريض… وما سمعنا،

لزاد ثباتنا الذي سقانا شربة من ماء فكر أصيل لن نظمأ بعدها أبداً… وما عطشنا” .

كمشاهد متضلع من اللغة العربية منذ فتوتي، وكمتابع يومي لأحداث لبنان والعالم، لم أفهم لمن كانت تتوجّه مذيعة الأخبار؟ لأي شريحة من المشاهدين؟ وعمّن تتكلّم بتلك اللغة المقعّرة؟ ولأي “سيف دولة” تكيل هذا المديح؟

تُرى لو قعد إلى جانبي زميل فرنسي زائر. كيف أترجم له مطلع تلك النشرة؟

وبين المقدَّمات تتميّز مقدمة نشرة “الجديد” بأسلوب مريم البسّام المتمايز عن أساليب رؤساء تحريرالمحليين. وقد استقبلت حكومة ميقاتي على هذا النحو: “في يومها الأول رسخت حكومة نجيب ميقاتي صورة عن وزراء، بعضهم وصل “بلا حفاضات” وآخرون دخلوا بلداتهم على أزيز الرصاص الوزاري الطائش “وعلى الدار رجعوا صحاب الحميّة في طاريا” أما في شعث فإن الرصاص كان يسابق نحر الخراف لكن كل ذلك كان احتفاء بوزيرين لم يدخلا وزارتيهما بعد.. ولم يبلغا سن الرشد الحكومي علي حمية وعباس الحاج حسن.. أشغال وزراعة.. زرعت لهما السماء بارودا فماذا لو أنجزا تحفة وزارية تستدعي الاحتفال الفعلي؟” وعرجت المقدمة على” براءة اختراع حجار بالاستغناء عن الكماليات كالحفاضات والكلينكس.. واستبدالها بمواد قابلة للتنظيف وإعادة الاستعمال وهي النبوءات الوزارية المستخرجة من “مؤخرات الأطفال” والمتأثرة بحكمة تدوير الزوايا للرئيس المؤسس نجيب ميقاتي…”

في واحدة من جولات التقاصف بين البسّام والزميل نديم قطيش أطلق عليها لقب “بنت خلدون” في إشارة إلى طول مقدمات نشرات “الجديد”، وبدورها لم تقصّر في “تخوين” قطيش، كلما لاحت لها فرصة التصويب عليه.

وتقدّم مقدمةُ “المنار” الإنشاء على الخبر. وأي أنشاء؟ ماذا يفهم المشاهد العادي، وليس المشاهد الإكسترا، عندما يسمع أن “جدولِ الاسعارِ معلقِ على النكدِ المعللِ من حاكمِ المال”؟ وكل كلام صادر عن مرشد الجمهورية الأعلى يفترض أن يفجّر كاتب المقدمة مواهبه الأدبية والمدفعية على هذا النحو “دكت مواقفُ الامينِ العام لحزب الله بالامسِ معاقلَ العدوِ السياسيةَ والامنيةَ والعسكريةَ ونقلت كيانَه الى درجةٍ اكثرَ تعقيداً من الارباكِ والعجزِ في الخياراتِ امامَ لبنانَ المحصَّنِ بمقاومتِه وثلاثيتِه في كلِّ زاويةٍ وكلِّ ارضٍ وفلاة..” والفلاة هي الأرض الواسعة المقفرة وجمعها فلوات، وقد يعود إليها المذيع في نشرة الغد.

أين الخبر البارز في مقدمات نارية تتعدى أحياناً ال 500 كلمة؟

ومن أوكل إلى مقدمي النشرات تقريع المواطنين حيناً والسياسيين في أكثر الأحيان؟

حتى لو امتدت طوابير الذل أمام محطات الوقود من أدما إلى النقاش إلى الرملة البيضاء إلى الحازمية فدور المذيع / المذيعة نقل الوقائع كما هي، لا إظهار براعته / براعتها في فن الهجاء و”التسمسم” والتفجّع وإبراز حجم تأثّره / تأثّرها بوجع المواطن المسحوق.

لماذا لا يدخلون في صلب الحدث والخبر بلا أخلاقيات ومطيّبات وبهارات ومقدمات ومهارات لفظية وعلامات تأثر؟ نحن فين والإعلام العالمي فين؟

يوم اغتال لي هارفي أوزوالد الرئيس الأميركي في 22 تشرين الثاني 1963 أطل مذيع، على قناة تلفزيونية مرموقة على الشعب الأميركي ليقرأ الخبر المفجع. غص وأدمعت عيناه. إعتذر من المشاهدين على إظهار مشاعره. دوره أن ينقل الخبر باحتراف وموضوعية لا أن يتأثر بالخبر.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us