“مجلس النقد”: الحلّ السحري لإنقاذ لبنان وتعافي الليرة؟!
كتبت عزة الحاج حسن في “المدن”: يبدأ حل الأزمات المصرفية والقطاعية والمالية في لبنان، وما يتفرّع منها من أزمات الدين والتضخم والعجز وغير ذلك، انطلاقاً من حل أزمة العملة الوطنية. حينها فقط يمكن إنقاذ لبنان الذي يحتضر اليوم. أما عن كيفية حل أزمة العملة فمن خلال تأسيس “مجلس النقد”.
فمجلس النقد يجب أن يتم فوراً، وسيشكّل حلاً مستداماً، ليس لاستقرار العملة وحسب، بل للميزانية كذلك. وسيدفع بالنمو إلى الإنطلاق في مقابل تقليص التضخم. بهذه الصورة قدّم استاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جون هوبكنز، ستيف هانكي، الحلول الجذرية للانهيار اللبناني، حتى أنه وصف، في مقابلة له على قناة lbci، السياسي اللبناني الذي قد ينجح بتأسيس مجلس النقد في لبنان بـ”البطل القومي”.
فما هو مجلس النقد أو ما يُعرف بالـCurrency board الذي قدّمه هانكي على أنه العصا السحرية التي ستنقذ اقتصاد البلد؟
ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها موضوع مجلس النقد في لبنان. لكن وعلى الرغم من منادات العديد من أساتذة وخبراء الاقتصاد باعتماد نموذج الـCurrency board وتقدّم النائبة بولا يعقوبيان، قبل استقالتها من المجلس النيابي، باقتراح قانون لاعتماد نظام صندوق تثبيت النقد (Currency board)، إلا أن الاقتراح لم يأخذ مداه من النقاشات حتى اليوم بين المعنيين بالوضع المالي والنقدي أو حتى السياسي في البلد.
لا مزيد من طبع النقد
الـCurrency board يعني بكل بساطة “لا لطبع الأموال”. هو نظام نقدي ينظّم سعر الصرف، ويمنح العملة الوطنية تغطية كاملة بنسبة 100 في المئة بالدولار. وهو ما يجعلها آمنة وموثوقة. هكذا عرّفت الباحثة في الشأن الاقتصادي والمالي، ليال منصور إشراقية، مجلس النقد في حديثها إلى “المدن”. فلا يمكن حينها لمصرف لبنان أن یطبع ویُصدر نقداً باللیرة اللبنانیة، إلا إذا كان لدیه موجودات بالعملة الأجنبیة أو ذهب قابل للتداول، بما یعادل 100 في المئة من حجم النقد المصدر.
وتوضح منصور، أن كل خفض في موجودات الصندوق من العملات الأجنبیة أو الذهب القابل للتداول، یفرض حتماً على المصرف المركزي خفض حجم الكتلة النقدیة باللیرة اللبنانیة، بما یعادل قیمة هذا الخفض. وبناء على ذلك، تلغى سلطة المصرف المركزي الاستنسابیة في تحدید أسعار الفائدة على العملة اللبنانیة.
آلية التطبيق
قد تختلف الآلية التنفيذية لمجلس النقد بين بلد وآخر. لكن تبقى الغاية واحدة، وهي تنظيم النقد. ففي أكثر من بلد في العالم، مثل استونيا وليتوانيا وبلغاريا، جرى تأسيس مجلس النقد كجزء من المصرف المركزي. ومن الممكن اعتماد ذلك في لبنان. كأن يستمر المصرف المركزي بعمله كما يفعل الآن، على أن يكون لديه قسم جديد يدعى قسم الإصدار. ويكون هذا القسم هو مجلس النقد. ويتمّ إدخال تعديلات في قوانين المصرف المركزي. ووفق هوبكنز، لن يكون للمصرف المركزي حينها السلطة في الانخراط في سياساته النقدية أو إصدار العملة اللبنانية، إلا بسعر صرف ثابت مقابل الاحتياطي بالدولار الأميركي.
تلتقي منصور مع هانكي في اعتبار خيار إنشاء مجلس النقد الحل الأمثل في حالة لبنان. لكنها تصرّ على استقلالية مجلس النقد كلياً عن المصرف المركزي من جهة، وعن المصارف من جهة أخرى، على نحو يُمنع على المصرف المركزي الدخول بعمليات إقراض أو استدانة أو هندسات مالية، فنظام Currency board هو حالة خاصة واستثنائية، ومن شأنه أن يخفف التضخم ويمنع انهيار الليرة.
انتقادات لمجلس النقد
قوبل اقتراح إنشاء مجلس النقد أو الـCurrency board بكثير من الانتقادات التي تصفها منصور بغير المنطقية. خصوصاً عند اتخاذ الأرجنتين مثالاً. فوفق منصور، هذا النموذج لا يطبّق في كافة الدول، ومن غير الممكن أن تنجح التجربة في كافة الدول. لكن في لبنان تشكل هذه التجربة الحل الأمثل. إذ أن الـCurrency board يُطبّق في الدول الفاقدة للمصداقية والتي تواجه أزمات أو حرب. ونظراً للعوامل الاستثنائية التي تواجه لبنان من أزمات اقتصادية ومصرفية ومالية، وفقدان الثقة والمخاطر الجيوسياسية المحدقة واللااستقرار، يصبح مجلس النقد حاجة ملحّة، وهو يأتي بمثابة مرحلة انتقالية ريثما يستعيد البلد الثقة.
وعن الانتقادات حول كيفية تأمين الدولارات لتغطية الليرة، خصوصاً أن الكتلة النقدية باتت ضخمة، توضح منصور أن الدولارات المطلوب تأمينها وفق Currency board يجب أن تغطي فقط m0 من الكتلة النقدية (كميّة النقد المتداول أو حجم قيمة الأوراق النقدية المتداولة في السوق) وهي مقدرة في لبنان بـ24 تريليون ليرة فقط.
70 مجلس نقد
تم تأسيس أكثر من 70 مجلس نقد على مرّ التاريخ. ولم يحصل أي فشل في عمل مجالس النقد تلك. لا، بل أثبتت نجاحها، وأدت إلى ارتفاع معدلات النمو وتقليص التضخم. وقد تم تطبيقه في الدول العربية بعد استقلالها عن الاحتلال البريطاني، في محاولة لاستعادة الثقة قبل تأسيس المصرف المركزي.
بعد تأسيس مجلس النقد وتعويم الليرة المطبوعة مسبقاً لفترة محدّدة، يتم بعدها تثبيت سعر الصرف. ووفق هانكي، لو تم تثبيتها عند سعر 5000 ليرة على سبيل المثال، يمكن عندها تغطية العملة المتداولة بسهولة بالذهب أو بالدولار. ويمكن تغطية أيضاً الودائع مئة في المئة، فمجلس النقد سيجعل الليرة اللبنانية جيدة مثل الدولار الأميركي حسب سعر الصرف الذي سيتم تحديده. وسيكون أفضل بكثير من سعر السوق السوداء. وبالتالي، سينهي القلق حول تقلب سعر الصرف.
مواضيع ذات صلة :
قبول استقالات القضاة في لبنان: تعرّفوا على وجهتهم الجديدة ورواتبهم المغرية في الخارج! | الدولار متوفر.. لماذا الارتفاع الجنوني؟ | على طاولة حكومة ميقاتي ملفات قابلة للتفجير.. |