اقتراع المغتربين: لا عودة إلى الوراء
كتب زياد شبيب في “النهار” :
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية بدأ الحديث عن اقتراع غير المقيمين، وظهرت مواقف من القوى السياسية كل وفق مصالحه المتعارضة تجاه أصوات هؤلاء الذين يشكلون جزءاً من الهيئات الناخبة.
ويتركز النقاش على مسألة مبدأ حق غير المقيمين بالمشاركة من جهة، ومن جهة أخرى على مسالة حصر هذا الحق بالاقتراع لستة مقاعد فقط خصصها لهم القانون بنصه الحالي، أو بالاقتراع في دوائرهم المسجلين فيها.
في المسألة الأولى، أقرّت المادة 111 من قانون الانتخاب (رقم 44/2017) حق غير المقيم بالاقتراع، فاعتبرت أنه:
“يحق لكل لبناني غير مقيم على الأراضي اللبنانية أن يمارس حق الاقتراع في مراكز انتخابية في السفارات او القنصليات او في اماكن اخرى تحددها الوزارة وفقاً لأحكام هذا القانون وبالتنسيق مع وزارة الخارجية و المغتربين، شرط أن يكون اسمه وارداً في سجلات الأحوال الشخصية وأن لا يكون ثمة مانع قانوني يحول دون حقه في الاقتراع”.
إن إلغاء حق المغتربين بالاقتراع مخالف للدستور ويعرّض قانون الإلغاء للإبطال. فقد سبق للمجلس الدستوري في قرارات سابقة أن اعتبر أنه:
– “اذا كان يعود للمشرع ان يلغي قانونا نافذا او ان يعدل في احكام هذا القانون دون ان يشكل ذلك مخالفة للدستور او ان يقع هذا العمل تحت رقابة المجلس الدستوري الا ان الامر يختلف عندما يمس ذلك، حرية او حقا من الحقوق ذات القيمة الدستورية (قرار المجلس الدستوري رقم 1\2000 تاريخ 1\2\2000).
– وفي قرار آخر أكد أنه “عندما يسن المشترع قانونا يتناول الحقوق والحريات الاساسية فلا يسعه ان يعدل او ان يلغي النصوص النافذة الضامنة لهذه الحريات والحقوق دون ان يحل محلها نصوصا أكثر ضمانة او تعادلها على الاقل فاعلية وضمانة، وبالتالي فانه لا يجوز للمشترع ان يضعف من الضمانات التي اقرها بمواجب قوانين سابقة لجهة حق او حرية اساسية سواء عن طريق الغاء هذه الضمانات دون التعويض عنها او باحلال ضمانات محلها اقل قوة وفاعلية (قرار المجلس الدستوري رقم 1\99 تاريخ 23\11\1999، وقراره رقم 5\2000 تاريخ 27\6\2000)
أما بالنسبة للمسألة الثانية المتعلقة بالمقاعد الستة المخصصة في مجلس النواب لغير المقيمين والموزعة على ست طوائف وعلى القارات الست باعتبارها دوائر انتخابية، فهذه المادة غير دستورية ويجب إلغاؤها مع المواد المرتبطة بها بسبب الخلل الذي تتضمنه على صعيد مبدأ المساواة بين الناخبين وبين المرشحين.
فقد سبق للمجلس الدستوري، في إطار بحثه دستورية قانون الانتخابات النيابية للعام 1996، أن أقرّ قواعد أساسية ملزمة في قوانين الانتخابات. فالقانون يجب ان يكون واحدا لجميع المواطنين، انطلاقا من مبدأ اعطاء كل صوت القيمة الاقتراعية ذاتها في مختلف الدوائر الانتخابية، ومن خلال المساواة في محتوى قانون الانتخاب بالنسبة إلى تقسيم هذه الدوائر، وتطبيق معيار واحد بحيث تتأمن المساواة امام القانون بين الناخبين، في ممارسة حقوقهم الانتخابية الدستورية، وبين المرشحين بالنسبة إلى الاعباء التي تلقى عليهم.
واعتبر المجلس الدستوري أن قانون الانتخاب (رقم 530/96 الذي جعل القضاء دائرة انتخابية في بعض الأماكن والمحافظة في بعضها الآخر) قد أخل بمبدأ المساواة امام القانون، عندما اعتمد معايير مختلفة في تقسيم الدوائر الانتخابية، واعتمد مقاييس مختلفة في تحديد الدوائر الانتخابية، وأوجد تفاوتاً في ما بينها، وميز في المعاملة بين المواطنين، ناخبين او مرشحين، في الحقوق والفرائض، ما جعل هذا القانون مخالفا لمبدأ المساواة الذي نصت عليه المادة السابعة من الدستور واكدته مقدمته.
إن بحث موضوع اقتراع المغتربين تحكمه القواعد المذكورة والعودة إلى الوراء غير جائزة دستورياً. وما يجب القيام به هو الإسراع بتأمين متطلبات ممارسة هذا الحق.
مواضيع ذات صلة :
اجتماعات من دون إعلام… فهل من تحالف؟ | “المطبوعات” تبطل إحالة مواقع إلكترونية على القضاء | اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع غائبة.. فهل يخرقها ملف الرغيف؟ |