صرير أسنان على حافة الهاوية
مشهد البلد في أسوأ حالاته، إنقسام أفقي وعامودي حول كلّ شيء، و»صرير الأسنان» على أشدّه بين مكونات سياسية ومدنية تناصب العداء لبعضها البعض وتدفع البلد نحو هاوية مفتوحة على كل الاحتمالات السلبية، فكيف له وحاله هذه أن يقوم وينهض من جديد؟ الأزمة الخانقة أفق حلولها مقفل، وتنذر بهاوية اقتصادية واجتماعية ومعيشية. والحكومة تحاول ان تتلمس خطواتها، ويؤخذ عليها بطء وصفاتها العلاجيّة وخصوصاً انّ عامل الوقت سلاح ضاغط للتسريع. لكنها تبرّر هذا البطء بأنّ حجم التعقيدات في طريقها أكبر من أن يقارَب بأداء متسرّع. ثمة من لا يرى مبرراً لأي تأخير في الخطوات الحكومية، طالما انّ برنامجها واضح لناحية انّ علاج الأزمة ما زال ممكناً، فلبنان ليس دولة مفلسة، فهو يمتلك الكثير من الإمكانات التي تمكّنه من ان يعود وينهض من جديد، شرط مقاربة الأزمة بواقعية وموضوعية. ولكن، ليست العلّة فقط في تأخّر خطوات الحكومة، بل في المحاولات الدؤوبة التي تقوم بها بعض القوى السياسية لإعاقة الحكومة ودفعها الى الفشل، عبر فتح سلسلة معارك سياسية في موازاة المهمّة الصعبة للحكومة. اولاً، في صدارة هذه المعارك، تتبدّى معركة التعيينات التي، وإن جرى بالأمس إصدار جرعة خفيفة منها، فإنّ الجرعات الأساسية المؤجّلة، بدأت تُشتم منها رائحة محاصصات، تنسف كل الهدف الإنقاذي الذي تسعى اليه الحكومة. ثانياً، تليها المعركة الصامتة حالياً، حول اللجوء الى صندوق النقد الدولي، والتي قد لا يطول الوقت لتظهر الى العلن بصورة حادة، فثمة انقسام عميق حوله، فالحكومة ترى انّ لا خلاص الّا ببرنامج تعاون مع صندوق النقد يقابل ذلك، تحذيرات من القلقين من اللجوء الى صندوق النقد، فحواها انّه لا ينبغي النظر اليه بوصفه مؤسسة طوباوية. ومن هنا ينبغي التفكير والتبصّر في التداعيات. وتتبدّى المعركة الثالثة حول القانون الانتخابي، الذي يتعرّض فيها المواطن اللبناني المقيم والمغترب لأكبر خديعة تمارسها بعض القوى السياسيّة، بمحاولتها إيهام اللبنانيين بأنّ الانتخابات النيابية المقرّرة في ربيع العام المقبل، ستكون يوم الحساب مع السلطة التي تسببت بالأزمة. على انّ الحقيقة الموجعة التي تبدّت، أظهرت انّ أولوية هؤلاء ليس الحرص على حق المغتربين بالاقتراع، بل على تصفية الحساب بين بعضها البعض، واتخاذ القانون الحالي، الذي يستحيل معه اي تغيير في الخريطة النيابية الحالية، سلاحاً للانتقام وتحجيم بعضها البعض. رابعاً، ولعلّ اخطر المعارك، تلك التي بدأت نذرها تطلّ مع الاشتباك المتصاعد حول التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت، الذي بدأ يخضع لتجاذب خطير جداً ينذر بانحداره الى عواقب سياسية وطائفية مفتوحة على احتمالات وسيناريوهات سوداوية. وتؤكّد الوقائع المتسارعة حيال هذا الملف، انّه بلغ مرحلة حرجة، وبات ينذر بتفاعلات على غير صعيد، ليس فقط حول مصير التحقيق في هذا الملف، بل على الصعيد السياسي ووضع الحكومة ، وأخذ البلد برمّته نحو مسار آخر ليس في مقدور احد أن يحدّد وجهته السلبيّة.
المصدر: نبيل هيثم – صحيفة الجمهورية