“بدّي إطلع شهيد”
لم أشعر بأيّ رغبةٍ لمناقشة العقول السود في وقائع الغزوة الفاشلة على عين الرمانة وتداعياتها على ما يُسمّى “العيش المشترك”، كما لم ألمس أيّ جدوىً في الردّ على نائبٍ متوترٍ يقتات حقداً ويبخّ نتانة، أو مناقشة إعلاميٍّ سمجٍ دعيٍّ برتبة بوقٍ لم أقرأ له يوماً سطرين في صحيفة. لم أشأ أن أكتب عن حربٍ، أراها مقبلة بكل طقوسها الجنائزية، وأشتمّ بارودها في الهواء المُغبرّ، ولا عن الأفق المسدود ولا عن الوزراء البيادق. فقط أردت الكتابة عن مقطع فيديو، وصل إليّ، لطفلٍ بالكاد بلغ السادسة من عمره وضعوه داخل عربةٍ تحمل جثمان والده المغطى بعلم “حزب الله”. هو والجثمان لوحدهما. الطفل بثياب الميدان. أزيز رشقات الرصاص الغزير يلعلع. عينا الولد زائغتان. كأنهما تبحثان عن مخرج من الورطة، عن ملجأ عن جواب لوجوده محشوراً قرب نعش والده لحمايته من رصاص الوداع. شجعه موثّق اللحظة على هاتفه الخلوي أن يكون قوياً كوالده. إستصرح الطفل: وينو بيك؟ فوضع الصغير يده على النعش. لم يكتفِ الموثّق بالجواب. إستطرد بصوت ملؤه التأثّر: “وين رايح بيّك؟” أجاب الصغير سائله:”على الجنة”. علّق الصوت البلا صورة والبلا قلب “يقبرني ربّك” لكن السؤال الأهم: “إنت شو رح تطلع؟”جاوب الصبي بطريقة آلية “شهيد” فعلق المستصرِح “بإذن الله”. وهكذا، آلاف الأطفال في لبنان مثل الصغير المرافق لجثمان والده، يحلمون بالشهادة، لا شهادة الطيران أو الهندسة أو الطب، يحلمون بالموت والصعود مباشرة إلى حيث تنتظرهن الحوريات على الصفّين. أول مرة سمعت ولداً يحلم بأن يصبح شهيداً كانت لدى مشاهدتي العابرة برنامجاً ترفيهيًا وتثقيفيًا اسمه “آلو المنار الصغير”. أين يعيش هذا الولد؟ في أي بلد؟ ماذا يسمع؟ ماذا يشاهد؟ ماذا يتعلّم؟ وشهادة الولد المرتجاة في سبيل من غير الله عزّ وجلّ؟ ذات يوم، كنتُ، والباقي في وجداننا جميعا، “لقمان سليم”، نناقش مستقبل لبنان السياسي بوجود سلاح “حزب الله، فقال لي ما لا يمكن أن أنساه: “السلاح يا عزيزي والصواريخ مصيرها الصدأ. لكن ما هو أخطر من السلاح ما يتم زرعه من غيبيات وأفكار متخلفة في عقول الأطفال، فأي غد ينتظرنا مع لبنانيين متعصّبين منغلقين كارهين للتعدد الثقافي ولا يشبهوننا بشيء”، وكرر قائلا: “السلاح مصيره أن يصبح خردة. الخطر يكمن في المناهج التي أرساها الحزب في المدارس الدائرة في فلكه. لا تنسَ”. فكيف أنسى؟!
المصدر: عمر موراني – هنا لبنان