لهذه الأسباب.. “أحداث الطيونة” أربكت الجميع
جاء في “الأنباء” الكويتية:
تعد «أحداث الطيونة» أخطر حدث شهده لبنان هذا العام، الى درجة أنه حجب كل الأزمات والأحداث الاقتصادية والاجتماعية. ما حدث كان صادما أمنيا لمجرد أنه أعاد شبح الحرب الأهلية وقتال الشوارع، وكان مهما سياسيا لمجرد أنه شكل نقطة تحول داخلية، خلطت أوراق التحالفات والمواقف عشية «عام الانتخابات». من الواضح أن هذه الأحداث شكلت مفاجأة للجميع وصنفت في خانة المفاجآت غير المحسوبة. فلم يتوقع أحد حصول إشكالات دامية وأن يتطور الأمر الى «إطلاق نار»، وأن تأخذ الأمور هذا المنحى الأمني وهذا الحجم السياسي وينشأ وضع جديد معقد. ومن الواضح أن هذه الأحداث أحرجت وأربكت الجميع وساوتهم في المأزق:
حزب الله الذي لا يريد مزيدا من حوادث الاصطدام مع «المناطق والطوائف»، وهو لم ينه بعد عملية تصفية رواسب وذيول حوادث خلدة، وهو على بينة من حالة النقمة والغليان لدى جمهوره وفي بيئته تحت وطأة أزمات وضغوط اقتصادية واجتماعية ومعنوية. ولا يتقبل ولا يحتمل «انتكاسة» جديدة حتى لو كان يقر ضمنا بأنه أخطأ عندما نزل الى الشارع لأول مرة في تحرك مشترك مع حركة ««أمل» كان ينقصه «التنظيم والانضباط»، ويتحمل أولا المسؤولية والتبعات. ويجد حزب الله نفسه أمام مهمة صعبة ومزدوجة: تطمين المسيحيين وتهدئة مشاعرهم بعد أحداث عين الرمانة التي ولدت لديهم «نقزة وصدمة».. والدخول في مواجهة مفتوحة مع القوات اللبنانية يستخدم فيها كل الأسلحة السياسية والإعلامية والقضائية والأمنية.
القوات اللبنانية وجدت نفسها مرة واحدة في موقع محوري بعدما كانت منذ سنتين، وبعد خروجها من الحكومة، في موقع المراقب. وإذا كان كلام أمين عام حزب الله السيد نصرالله ساهم في تكبير حجمها وفي بث «دعاية» سياسية وشعبية لها، فإنه تسبب أيضا في وضعها أمام مرحلة جديدة تضطرها الى إعادة ترتيب أولوياتها وأوراقها، وعلى أساس مواجهة مفتوحة مع حزب الله. وما حدث دفعها الى اتخاذ «احتياطات أمنية»، وعلى المستوى السياسي إلى تصدر جبهة المعارضة (السيادية) والى دور قيادي فيها. وحتى الانتخابات النيابية سيكون العنوان السياسي فيها متصدرا وسيحدث تغيير، فالتحالفات واللوائح تكون مرادفا لحالة الفرز السياسي التي كانت بدأت تظهر قبل أحداث الطيونة وتسارعت وتعمقت بعدها، والتي تجري على أساس من مع حزب الله ومشروعه ومن ضدهما.
الرئيس نبيه بري مربك أيضا ومحرج بعد هذه الجولة الميدانية غير المنسجمة مع أجندته السياسية، وهذا الإرباك ترجم في وجود فوارق مع حزب الله في مقاربة الأحداث وكيفية التعاطي مع تداعياتها. فلم تتطرق «أمل» إلى أداء الجيش ولم يصدر عنها انتقادات له في هذا المجال. وظهر أن الأجواء بين نواب القوات و«أمل» لم يطرأ عليها تغيير يذكر في الجلسة النيابية الأخيرة، وأن الخصم السياسي الأول لدى بري مازال جبران باسيل وليس سمير جعجع.
الرئيس نجيب ميقاتي داهمته الأحداث المترابطة والمتشابكة خيوطها من تحقيقات المرفأ الى أحداث الطيونة، وجعلت مهمته أكثر صعوبة وتعقيدا عندما أصيبت الحكومة، وهي بعد في مرحلة الإقلاع، بضربة موجعة شلت حركتها وجلساتها واختزلت فترة السماح والفرصة المعطاة لها، وأدت الى اهتزاز عنيف في الثقة الشعبية بها، خصوصا أنها أخفقت في تسجيل إنجازات بديهية أولية، مثل تأمين الكهرباء وضبط سعر صرف الدولار، وتأمين البطاقة التمويلية، وبدائل اجتماعية مقابل رفع الدعم.
النائب جبران باسيل محرج أيضا بتطورات لها انعكاسات وتداعيات على الساحة المسيحية وعشية الانتخابات، ودفعت بخصمه الأول جعجع الى الواجهة. وحصل ذلك في وقت يخوض معركة سياسية مفتوحة مع الرئيس بري، وتعتري علاقته مع حزب الله ثغرات وشوائب كان آخرها عدم التناغم في موضوع المحقق العدلي وتعديلات قانون الانتخاب، وهذا الخلل في العلاقة يفسر كيف أن باسيل لم ير في خطاب نصرالله ولم تثره إلا عبارة واحدة تضمنت إشادة بـ «غريمه الرئاسي» سليمان فرنجية.
الرئيس سعد الحريري المنكفئ الى الظل محرج أيضا بنتائج الطيونة، وإن نأى بنفسه عنها وأوحى أنه غير معني بها. «مشكلة الحريري» كانت بدأت مع خروجه من رئاسة الحكومة وحلول ميقاتي مكانه، وسط عوامل الدعم ومؤهلات المنافسة. وبعد انتكاسة الخروج من السلطة من دون أن تكون لديه «خطة ب» ورغبة الانتقال الى المعارضة، جاءت أحداث الطيونة لتخلق مناخات جديدة في الشارع السني الذي أظهر، خصوصا في الشمال، تعاطفا مع القوات اللبنانية ورئيسها. وبدا أن حالة التململ داخل الطائفة السنية تزداد إزاء الحريري الأقرب في تموضعه وسياسته الى حزب الله منه الى القوات اللبنانية، والحريص على علاقته مع «الثنائي الشيعي» في موازاة انقطاع علاقته مع «الثنائي المسيحي»، والذي مازال عند خياره الرئاسي الأساسي «سليمان فرنجية»، وقرر أن يقدم له كل الدعم في الانتخابات النيابية المقبلة.
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مربك في حساباته وحركته. فمن جهة هو ملتزم بحليفه المزمن نبيه بري، ولكنه يعرف أن نفوذه وتأثيره الى تراجع وانحسار. وهو قلق من منحى الأوضاع أمنيا واقتصاديا، ومازال متحمسا أكثر من غيره لفكرة التسوية التي أنتجت حكومة ميقاتي، والتي توجب الآن معاودة جلسات الحكومة على قاعدة الفصل بين الملف الحكومي والملف القضائي. كما توجب الذهاب الى أكثر من ذلك، وعلى المدى المتوسط بالعودة إلى طاولة الحوار لطرح مسألة الاستراتيجية الدفاعية، ولتلافي أزمة رئاسة الجمهورية المقبلة. ويحرص جنبلاط على الوقوف في منطقة الوسط ولديه حساباته وهواجسه الخاصة التي تتعلق بتجربته الصعبة مع حزب الله و«عقدة 7 أيار»، وبتجربته غير المستقرة مع القوات اللبنانية التي تحافظ على خصوصية العلاقة على أرض الجبل، وعلى صعوبة الالتقاء مجددا في تحالف على غرار تحالف 14 آذار ويكون عنوانه هذه المرة المواجهة مع حزب الله.