أسعار الأدوية تفوق قدرة المواطن الشّرائية ولبنان إلى مجتمع متسوّل
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
عذراً أيّها اللّبناني وبعد أن تسببت أنت بأزمة البلاد والعباد، وبالانهيار الاقتصادي والمالي في بلدك، مُنعت من الطبابة والاستشفاء، وحُرمت الحصول على الدّواء، لأن الكارتيلات تتفرّد بمفاصل القطاع الصّحي، والدولار يتحكّم بالسّوق، أما أنت فستبقى متروكاً لمصيرك.
قرار رفع الدّعم الجزئي عن أدوية الأمراض المزمنة كان بمثابة صفعة لاذعة بوجه اللّبنانيين، إذ قضت خطّة الحكومة برفع الدّعم عن 65 % من الأدوية، وأبقت على دعم 30 % منها وهي غير متوفرة، ما يعني أنّ الدواء رغم ارتفاع سعره بقي مفقوداً، ما ينذر بأزمة مفتعلة تهدّد حياة النّاس.
عيّنة عن ارتفاع الأسعار
وهذه عيّنة سريعة وبسيطة عن الكيفيّة التي ارتفع فيها سعر الدّواء،
دواء Actos الذي يعطى لمرضى السّكري ارتفع سعره من 25805 ليرة إلى 184352 ليرة. أما دواء Arbiten 160 الذي يعطى لارتفاع ضغط الدّم فارتفع سعره من 18926 ليرة إلى 126 ألف ليرة، فيما ارتفع سعر دواء Aripezil 5mg الذي يعطى لمرضى ألزهايمر من 49 ألفاً إلى 223 ألفاً.
في حين أنّ دواء Alvesco 160 لعلاج مرضى الرّبو أصبح سعره 357453 ألف ليرة بعد أن كان 59908 ألف ليرة، كما ارتفع سعر دواء Concor am5 من 9500 ليرة إلى 109 آلاف.
ونتيجة لهذا لم يعد بمقدور معظم اللّبنانيين شراء الأدوية وأصبح الدّواء في لبنان لمن استطاع إليه سبيلاً.
جريمة موصوفة
من جهته، يشير رئيس الهيئة الوطنيّة الصّحية إسماعيل سكرية إلى أنّ آليّة رفع الدّعم الجزئي عن الدّواء كانت أمراً متوقعاً، فالمنظومة السياسيّة الفاسدة هي من أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة الحرجة، كلّ الجهات المعنيّة مشاركة في جريمة الدّواء الموصوفة، بدءًا من مجلس النّواب المتواطئ ونقابة الصّيادلة ووزارة الصّحة، وصولاً إلى كارتيلات الدّواء من تجار ومحتكرين لهذا القطاع، والذين يفرضون سلطتهم وسطوتهم عليه بالشّراكة مع سياسيين نافذين.
ويشير سكريّة إلى 50 ملفاً صحيّاً مرتبطة بقضايا فساد ما زالت عالقة في أدراج قصر العدل في بيروت، موضحاً أنّ المصلحة العليا للفاسدين تقتضي عدم فتحها.
ويقول: “اللّبنانيون اليوم أمام واقع صحي مأساوي ومخيف، الكثير من المرضى يلجأون إلى الأدوية البديلة دون معرفة ما إذا كانت تناسبهم، فيما البعض الآخر يتوقف عن شراء الدّواء تخفيفاً من تكلفة الفاتورة الدوائية الشّهرية التي تفوق راتبهم وقدرتهم الشرائيّة”.
ويطرح سكريّة تساؤلات لطالما تمنى الإجابة عنها قائلاً: “اللّبنانيون مهدّدون بصحّتهم وسلامتهم، فعن أي أدوية جنريك يتحدّثون في ظلّ غياب مختبر مركزي للرّقابة؟ وماذا عن تغاضي المسؤولين عن موضوع تدفّق الأدوية المجهولة التّركيب والجودة والمنتشرة عشوائياً في الأسواق اللّبنانيّة؟ لماذا يرفضون تشجيع الصّناعة الوطنيّة للدواء؟ لماذا يضعون استيراد الأدوية تحت رحمة المستورد وحساباته التّجارية، ما يفرض استيراد الأدوية الباهظة الكلفة، على حساب المال العام وقدرات النّاس؟
لبنان مجتمع متسوّل
في المقابل، يوضح الأكاديمي والخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري أنّه لم يعد بمقدور اللّبناني تحمّل التّطورات الحاصلة على صعيد ارتفاع الأسعار وتردي الأوضاع الاقتصاديّة، قياساً مع مستوى الدّخل العام ومستوى دخل الطّبقات المكشوفة في لبنان.
ويتابع، اليوم لا بدّ من طرح سؤال رئيسي مرتبط بفاتورة الأدوية التي لا يمكننا المساس بها فيما يتعلّق بأدوية الأمراض المستعصية والتي خفضت بنسبة 70% تقريباً، فبعد أن تمّ تخفيض دعم الأدوية من 135 مليون دولار إلى 35 مليون دولار، من أين سنأتي بالبدائل لتغطية هذا التّفاوت وكيف سيؤثر ذلك على المواطن؟
هنا يلفت الخوري إلى أنّ جزءًا سيغطى من بدائل الأدوية العامة (جنريك)، ليكون ضمان أسعارها بحدود نصف أسعار الأدوية التي تحمل أسماء ماركات الشّركات، وجزءًا سيغطى من خلال الجمعيّات الخيريّة التي نشطت في العامين الماضيين، والتي ستقدم ما تيسّر من الدّواء للمواطنين في القرى والمراكز الرئيسيّة في المدن، إضافة إلى الجزء الذي سيغطى من السّياسيين، ما يضع مصير المواطن بيد الأحزاب السياسيّة، لأن توزيعه سيكون مرتبطًا بالانتماء السياسي، وهو أخطر ما حصل بالنسبة لموضوع الدّواء، فالناس مستعدّة للخضوع سياسياً من أجل ضمان سلامة صحتهم وصحة عائلاتهم. وبكلّ بساطة نستطيع القول أنّ “هذه المرحلة هي مرحلة التّحضير لابتزاز النّاس بأرواحهم”.
ويشدّد الخوري على أنّ ما حصل في موضوع الدّواء هو سقوط أخلاقي، فرفع الدّعم لا بد أن يترافق مع إقرار آلية للدّعم الاجتماعي، وعدم إيهام المواطن بكذبة البطاقة التمويليّة.
ويختم، لبنان سيتحوّل إلى مجتمع متسوّل، وسنشهد ازديادًا مطردًا بمعدّلات الجريمة الاجتماعيّة والآتي سيكون أعظم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |