أسعار الأدوية تفوق قدرة المواطن الشّرائية ولبنان إلى مجتمع متسوّل
عذراً أيّها اللّبناني وبعد أن تسببت أنت بأزمة البلاد والعباد، وبالانهيار الاقتصادي والمالي في بلدك، مُنعت من الاستشفاء، وحُرمت الحصول على الدّواء، لأن الكارتيلات تتفرّد بمفاصل القطاع الصّحي، والدولار يتحكّم بالسّوق، أما أنت فستبقى متروكاً لمصيرك. قرار رفع الدّعم الجزئي عن أدوية الأمراض المزمنة كان بمثابة صفعة لاذعة بوجه اللّبنانيين، إذ قضت خطّة الحكومة برفع الدّعم عن 65 % من الأدوية، وأبقت على دعم 30 % منها وهي غير متوفرة، ما يعني أنّ الدواء رغم ارتفاع سعره بقي مفقوداً، ما ينذر بأزمة مفتعلة تهدّد حياة النّاس. ونتيجة لهذا لم يعد بمقدور معظم اللّبنانيين شراء الأدوية وأصبح الدّواء في لبنان لمن استطاع إليه سبيلاً. من جهته، يشير رئيس الهيئة الوطنيّة الصّحية إسماعيل سكرية إلى أنّ آليّة رفع الدّعم الجزئي عن الدّواء كانت أمراً متوقعاً، فالمنظومة السياسيّة الفاسدة هي من أوصلت البلاد إلى هذه المرحلة الحرجة. ويشير سكريّة إلى 50 ملفاً صحيّاً مرتبطة بقضايا فساد ما زالت عالقة في أدراج قصر العدل في بيروت، موضحاً أنّ المصلحة العليا للفاسدين تقتضي عدم فتحها. ويقول: “اللّبنانيون اليوم أمام واقع صحي مأساوي ومخيف، الكثير من المرضى يلجأون إلى الأدوية البديلة دون معرفة ما إذا كانت تناسبهم، فيما البعض الآخر يتوقف عن شراء الدّواء تخفيفاً من تكلفة الفاتورة الدوائية الشّهرية التي تفوق راتبهم وقدرتهم الشرائيّة”. في المقابل، يوضح الخبير الاقتصادي البرفسور بيار الخوري أنّه لم يعد بمقدور اللّبناني تحمّل التّطورات الحاصلة على صعيد ارتفاع الأسعار وتردي الأوضاع الاقتصاديّة، قياساً مع مستوى الدّخل العام ومستوى دخل الطّبقات المكشوفة في لبنان. ويتابع، اليوم لا بدّ من طرح سؤال رئيسي مرتبط بفاتورة الأدوية التي لا يمكننا المساس بها فيما يتعلّق بأدوية الأمراض المستعصية والتي خفضت بنسبة 70% تقريباً، فبعد أن تمّ تخفيض دعم الأدوية من 135 مليون دولار إلى 35 مليون دولار، من أين سنأتي بالبدائل لتغطية هذا التّفاوت وكيف سيؤثر ذلك على المواطن؟ هنا يلفت الخوري إلى أنّ جزءًا سيغطى من بدائل الأدوية العامة (جنريك)، ليكون ضمان أسعارها بحدود نصف أسعار الأدوية التي تحمل أسماء ماركات الشّركات، وجزءًا سيغطى من خلال الجمعيّات الخيريّة، إضافة إلى الجزء الذي سيغطى من السّياسيين، ما يضع مصير المواطن بيد الأحزاب السياسيّة، لأن توزيعه سيكون مرتبطًا بالانتماء السياسي، وهو أخطر ما حصل بالنسبة لموضوع الدّواء، فالناس مستعدّة للخضوع سياسياً من أجل ضمان سلامة صحتهم وصحة عائلاتهم. وبكلّ بساطة نستطيع القول أنّ “هذه المرحلة هي مرحلة التّحضير لابتزاز النّاس بأرواحهم”. ويشدّد الخوري على أنّ ما حصل في موضوع الدّواء هو سقوط أخلاقي، فرفع الدّعم لا بد أن يترافق مع إقرار آلية للدّعم الاجتماعي، وعدم إيهام المواطن بكذبة البطاقة التمويليّة. ويختم، لبنان سيتحوّل إلى مجتمع متسوّل، وسنشهد ازديادًا مطردًا بمعدّلات الجريمة الاجتماعيّة والآتي سيكون أعظم.
المصدر: ناديا الحلاق – هنا لبنان