أطفال لبنان في خطر.. سوء تغذية وعمالة وتسرب مدرسي!
كتبت آن ماري الحاج في “لوريان لو جور”:
دقت يوكي موكو، ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة، ناقوس الخطر ودعت السلطات والمجتمع الدولي والمجتمع المدني إلى التحرك دون مزيدٍ من التأخير.
“لم أرَ قط أطفالاً يعانون من سوء التّغذية في لبنان. لكن هذه المرة رأيت”، هذه العبارة قالتها يوكي موكو، ممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بمناسبة اليوم العالمي للطفل في 20 تشرين الثاني.
وتظهر هذه العبارة مدى قلق المنظمة بشأن أطفال لبنان والذين يتدهور وضعهم بسرعة، حيث هناك قلقٌ أيضاً على “تغذية الأطفال وصحتهم وتعليمهم وحمايتهم لدرجة أن مستقبلهم الآن على المحك”.
واستندت موكو إلى نتائج دراسةٍ أجرتها اليونيسف بين نيسان وتشرين الأول، تحت عنوان “نعيش من دون الضروريات، الأثر الخطير المتزايد للأزمة اللبنانية على الأطفال”، وشملت الدراسة 836 عائلة.
وتعترف موكو بعد الدراسة أنّها “لم تواجه قط وضعاً مثيرًا للقلق مثل وضع أطفال لبنان”، داعية السلطات والمجتمعات إلى “سماع صوت أطفال لبنان ونقل رسالتهم إلى العالم”.
نداءٌ موجّهٌ إلى السلطات اللبنانية والمجتمع الدولي وكذلك إلى وسائل الإعلام والمجتمع المدني.
لبنانيون وسوريون وفلسطينيون تضرّروا
سواء أكانوا لبنانيين أم سوريين أم فلسطينيين أم غير ذلك، فإنّ كلّ أطفال لبنان “يعانون بشدّة من تداعيات الأزمات المتعددة التي يمرّ بها البلد”. وتنقسم هذه الأزمات، بين سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وصحية، ناهيك عن انفجار مرفأ بيروت، يوم 4 آب.
وفق الدراسة، فإنّ “مئات الآلاف من الأطفال ينامون وهم جائعون، فيما لا يحصل العديد منهم على الحقّ في التعليم، إذ عليهم العمل لإعالة أسرهم. وبعض الأطفال هم ضحايا لتزايد حالات العنف وسوء المعاملة والاستغلال، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية”.
وإذا كان علينا حقًّا إجراء مقارنة بين الأطفال اللبنانيين والأجانب، فإنّ الفقر يؤثر على جميع المجتمعات دون استثناء.
في هذا السياق تقول موكو: “وفقًا للإسكوا، يعيش 82% من الأسر اللبنانية في فقر متعدد الأبعاد، أما بالنسبة للاجئين السوريين، فإن 90% منهم يعيشون في فقر مدقع، الجميع يتأثر”.
وهناك العديد من الأمثلة للآليات التي اعتمدتها العائلات في هذه الأوضاع السيئة، فعلى سبيل المثال يرسل هذا الأب طفله إلى المدرسة دون طعام، في حين أخرجت تلك الأم أطفالها من المدرسة لعدم توفر المال.
طفل آخر، يرهق نفسه صباحاً ومساءً لتأمين إيجار منزل والديه.
الأرقام هي التي تتحدث، وتظهر تدهوراً كبيراً في الظروف المعيشية للأسر خلال الأشهر الست الأخيرة: “وتفيد الدراسة بأنّ حوالي 53.4% من العائلات، يأكل واحد من أطفالهم على الأقل وجبة يومياً، بسبب عدم توفر كمية كافية من الطعام، وذلك في شهر أيلول”، علماً أنّ هذا الرقم في نيسان كان يبلغ 37% فقط.
حتى مياه الشرب في لبنان أصبحت محجوبةً عن نصف العائلات بسبب ارتفاع ثمنها.
ووفق الأرقام نفسها فإنّ 30% من العائلات اضطرت إلى تقليص مصارف التعليم، أما فيما يتعلق بعمالة الأطفال، فقد ارتفعت النسبة بشكل كبير من 8% إلى 12%.
في هذا السياق تبدي موكو أسفها قائلة: “واحد من كلّ ثمانية أطفال يعمل الآن في لبنان”.
أما الرعاية الصحية في لبنان فباتت وهماً في سياق ارتفاع التكلفة، ووفق أرقام اليونيسف فإنّ “حوالي 34% من الأطفال الذين احتاجوا للرعاية الطبية لم يتلقوها خلال شهر تشرين الأوّل”.
العائلات تستدين ثمن الطعام
وفقًا لدراسة الأمم المتحدة، فإنّ 40.8% من الأسر التي شملتها الدراسة قررت بيع بعض أثاثها أو أدواتها المنزلية في تشرين الأوّل للبقاء على قيد الحياة، في المقابل اشترى 71.7% من الأهالي الطعام بـ”الدين”.
وفي ظلّ هذا الواقع وصل معدل التسرب المدرسي إلى مستويات غير مسبوقة، وهنا تعلّق موكو: “وفق التقديرات فإنّ 440.000 لاجئًا و 260.000 طفلًا لبنانيًّا قد لا يدخلون المدرسة”.
أيّ حلولٍ في حين يواصل لبنان نزوله الحتمي إلى الجحيم؟
“تكلفة التقاعس عن إيجاد الحلول مرتفعة جداً”، تقول موكو، مضيفةً: “يجب أن نتحرك دون أي تأخير لإنقاذ الطفولة في لبنان والتأكد من عدم إصابة أي طفل بالجوع والمرض أو الاضطرار إلى العمل”.
وتتابع: “هذا النداء موجه أولاً إلى السلطات اللبنانية التي يجب أن تتخذ إجراءاتٍ لتحسين شبكات الأمان الاجتماعي للعائلات الأكثر فقراً والبدء بإصلاحات. يجب على الحكومة تبني استراتيجية اجتماعية شاملة ترتكز على خمسة ركائز، المساعدة الاجتماعية المدفوعة نقدًا للخدمات الاجتماعية والصحية للأسر الأكثر فقرًا، حصول السكان المحرومين على الخدمات الأساسية والتعليم، تمويل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأخيراً الحق في الحماية”.
نداء اليونيسف موجّهٌ أيضًا إلى المجتمع الدولي والمجتمع المدني، لدعم التعليم والصحة ومساعدة الأسر الأكثر فقراً. حتى العائلات مدعوّة لاتخاذ مبادرات صغيرة أيضاً، وذلك من خلال اللجوء إلى الرضاعة الطبيعية على وجه الخصوص.
وفي الختام تحذر يوكي موكو قائلة: “إذا لم يكبر أطفال لبنان بشكل طبيعي، فسوف تغرق البلاد في أزمة أكثر خطورة في السنوات القادمة”.