واشنطن ترسم الخطوط الحمراء… لا تساهل مع إيران

عرب وعالم 14 نيسان, 2025

بينما يُدير العالم ظهره للحقيقة ويتلهّى بصياغات ديبلوماسية مبهمة، تمضي إيران في بناء قنبلتها بهدف توسيع أذرعها، من بغداد إلى صنعاء، مروراً ببيروت. أما في واشنطن، فيقف دونالد ترامب، مرة جديدة، في مواجهة الحقيقة المُرّة: إن المفاوضات مع نظام لا يفهم إلا لغة القوّة، ليست سوى مضيعة للوقت.
لقد سئمت الولايات المتحدة، كما سئمت شعوب المنطقة، لعبة “القط والفأر” مع نظام يرفع راية المظلومية، ويغرس خناجره في خاصرة كل دولة يحطّ فيها. فهل تصنع مفاوضات مسقط سلامًا؟ أم تمنح طهران وقتًا إضافيًا لتفجير الشرق الأوسط؟
انعقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران السبت الماضي في سلطنة عمان، وسط مشهد إقليمي ينذر بالانفجار. وُصفت المفاوضات بأنها “محاولة لإحياء الأمل”، لكنها أقرب إلى رقصة على حافة الهاوية.
ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض بخطاب أكثر تشددًا، أطلق تحذيرًا مباشرًا في رسالة بعث بها إلى المرشد الإيراني علي خامنئي: “إذا اضطررنا إلى العمل العسكري، فسيكون الأمر كارثيًا بالنسبة لكم”. رسالة ترامب لا تخلو من الصراحة، ولا من التهديد المُبطّن، لكنها في الوقت نفسه تعيد طرح فكرة «السلام مقابل كبح الذراع النووية»… شرط إنهاء العبث الإقليمي الإيراني.
ففي نظر ترامب، لا مكان للمناورة مع نظام يستثمر كل فرصة ديبلوماسية لزرع ميليشياته وتقويض الأنظمة. وهو يُدرك أن “الوقت الإضافي” الذي منحته الاتفاقات السابقة مكّن طهران من توسيع برنامجها النووي، ومن تحويل المنطقة إلى رقعة شطرنج تتحرك فيها بأذرعها.

ذراع طهران الطويلة: خطرٌ يتجاوز اليورانيوم
المشكلة لا تكمن فقط في أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، بل في “الجيش السري” المنتشر خارج الحدود. الحرس الثوري الإيراني – المصنف أميركيًا كمنظمة إرهابية منذ 2019 – أنشأ أذرعًا عسكرية مذهبية تخوض حروب إيران بالوكالة. هذه الأذرع لم تكن يومًا وسائل دفاع، بل أدوات ابتزاز جيوسياسي. وإليك خريطة النفوذ:
• لبنان: حزب الله يختطف القرار السيادي اللبناني منذ 2006، ويملك ترسانة صاروخية تجرّ البلد إلى حروب لا قرار فيها للدولة.
• العراق: ميليشيات “الحشد الشعبي” تعمل كدولة داخل الدولة، تنفذ أوامر طهران وتستهدف المصالح الأميركية والسعودية.
• اليمن: الحوثيون، بأذرعهم الصاروخية والطائرات المسيّرة، يهددون الأمن البحري والإقليمي، وينفذون أجندة إيران بغطاء “الثورة”.
• سوريا: الحرس الثوري وفيلق القدس كانا يدعمان نظام الأسد المخلوع بآلاف المقاتلين ويحوّلون الجنوب السوري إلى جبهة متقدمة.
من أدوات نفوذ إلى أدوات ابتزاز
ما يسمى بـ”محور المقاومة” ليس سوى شبكة مرتزقة تعمل تحت وصاية الحرس الثوري، وتُستخدم كورقة ضغط في أي مفاوضات نووية. وعليه، فإن الحديث عن المفاوضات لا ينفصل عن الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه الأذرع.
في لبنان، السيادة مخطوفة منذ سنوات، وتُمارس السياسة تحت سقف سلاح غير شرعي. في اليمن، تُقصف المدن السعودية والإماراتية بصواريخ إيرانية الهوية. وفي العراق، تحوّلت بغداد إلى ساحة صراع بين النفوذ الإيراني والمطالب الشعبية بالتحرر من “الاحتلال الناعم”. أما غزّة، فهي مسرح للرسائل النارية بين طهران وتل أبيب.

رسالة ترامب… والمهلة الأخيرة
منح ترامب إيران مهلة شهرين لـ”التصرف بعقلانية” قبل أن تنفجر الأمور. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الهدف الأميركي “هو الحيلولة دون امتلاك إيران لسلاح نووي، بأي ثمن”، مشيرة إلى أن المفاوضات ستكون مباشرة هذه المرة.
تأتي هذه اللهجة الأميركية الحاسمة في ظل معلومات استخبارية تفيد بأن إيران تقترب من “العتبة النووية”، بعد أن راكمت أكثر من 8 آلاف كلغ من اليورانيوم، بعضها مخصب بنسبة 60٪ – وهي نسبة خطيرة للغاية. ومع أنها لم تبدأ تصنيع قنبلة فعلية – حسب تقديرات الـCIA – فإن النية حاضرة، والوسائل متاحة.

أميركا في لحظة حاسمة
إما أن تضع واشنطن خطًا أحمر لا يُمكن تجاوزه، أو تفسح المجال أمام طهران لاستكمال مشروعها.
ترامب اليوم أمام فرصة ذهبية: أن يصوغ استراتيجية شاملة، تُنهي العبث الإيراني في المنطقة، وتُعيد التوازن إلى الشرق الأوسط. المفاوضات قد تكون وسيلة، لكنها لا تُغني عن الردع. فالديبلوماسية بلا قوّة، ليست إلا رسالة ضعف.
الولايات المتحدة تدرك أنها لم تعد تواجه مشروعًا نوويًا فقط، بل منظومة استراتيجية توسعية، عسكرية وإعلامية وأمنية، تُدار من طهران وتُموّل عبر العائدات الخفية والاقتصاد الرمادي،
لقد جُرّبت طهران مراتٍ ومرات، ومنحها العالم فرصًا ثمينة لتكون دولة طبيعية. لكن كل اتفاق يُوقّع معها يتحوّل إلى وسيلة تعزيز لميليشياتها ونفوذها القاتل.
المطلوب اليوم ليس «اتفاقًا نوويًا جديدًا»، بل مشروع أميركي استراتيجي شامل لمواجهة إيران في كل جبهاتها: النووية، الإعلامية، الميدانية، والإيديولوجية.
الردع وحده ينجح، لا الاسترضاء. وترامب، على الرغم من كل ما يُقال عنه، يبدو الوحيد القادر على فهم هذا التحدي على حقيقته.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us