جولة جديدة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران وسط تصعيد إقليمي وتوازنات دقيقة

في ظل تصاعد التوترات الإقليمية واستمرار الضغوط الدولية، اختُتمت في العاصمة الإيطالية روما جولة ثانية من المفاوضات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني. وعلى الرغم من بقاء العقبات الأساسية، حملت الجولة الأخيرة إشارات إلى “تقدم نسبي” في التفاهمات بين الطرفين، وسط تفاؤل “حذر جدًا” عبّر عنه الجانبان.
الجولة التي استمرت لأربع ساعات، جاءت بعد أسبوع على الجولة الأولى التي عُقدت في العاصمة العُمانية مسقط. وبينما انعقدت محادثات روما في قلب أوروبا، إلا أنّ الدور العُماني كوسيط ظل محوريًا، حيث تولى وزير الخارجية بدر البوسعيدي التنسيق بين الوفدين اللذين جلسا في غرف منفصلة، دون تواصل مباشر – تمامًا كما في الجولة السابقة.
“تفاؤل بحذر شديد”
قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي ترأس الوفد الإيراني، في تصريحات بعد نهاية اللقاء: “يمكنني القول إن هناك تقدمًا. لقد توصلنا إلى تفاهم واتفاق أفضل بشأن بعض المبادئ والأهداف”. وأضاف في منشور على منصة “إكس”: “بالنسبة لنا، ما تبقى من الاتفاق النووي لعام 2015 هو مجرد دروس مستفادة”، مشيرًا إلى أن “إيران ليست على استعداد للتفاوض علنًا”.
من الجانب الأميركي، أشار المبعوث الخاص ستيف ويتكوف إلى أن المحادثات شهدت “تقدمًا جيدًا جدًا”، مؤكدًا الاتفاق على عقد جولة ثالثة في مسقط السبت المقبل. ونقل مسؤول أميركي رفيع عن الجولة قولًا يعكس الأجواء الإيجابية: “أحرزنا تقدمًا ملحوظًا في مناقشاتنا المباشرة وغير المباشرة”.
الملف النووي في قلب العاصفة
تأتي هذه المحادثات وسط ظروف سياسية وأمنية معقدة، إذ تشهد شبكة حلفاء إيران في الإقليم ضغوطًا كبيرة جراء الهجمات الإسرائيلية المتكررة، بينما أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تفعيل سياسة “الضغط الأقصى” التي تبناها خلال ولايته الأولى.
وفي تصريح مثير للانتباه قبل المفاوضات، قال ترامب: “لست في عجلة من أمري لضرب إيران”، في إشارة إلى أنه ما زال يفضل الحلول الدبلوماسية، لكنه لم يُغلق الباب أمام الخيار العسكري في حال فشل المسار السياسي.
كما كشفت مصادر عن لقاء سري عقده ويتكوف في باريس، الجمعة، مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومدير جهاز الموساد ديفيد برنياع. ويُذكر أن إسرائيل تفضّل خيار المواجهة العسكرية، وتُحمّل نفسها مسؤولية منع إيران من امتلاك قنبلة نووية، سواء عبر عمليات معلنة أو سرّية.
الدور الأوروبي… والقلق السعودي
من جهة أخرى، واصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مشاوراته مع الشركاء الأوروبيين في باريس – فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا – في إطار ما يُعرف بمجموعة “E3″، وذلك قبل التوجه إلى روما. وقال روبيو: “الأوروبيون أمام قرار كبير: إما إعادة فرض العقوبات أو دفع العملية الدبلوماسية نحو تسوية جديدة”.
في الوقت نفسه، أجرى عراقجي زيارة إلى موسكو التقى خلالها بالرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، معربًا عن “ثقته” بأن روسيا ستلعب دورًا داعمًا في أي اتفاق مقبل.
وعلى نحو لافت، زار وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان طهران، في زيارة تعدّ من بين الأرفع بين البلدين منذ عقود. وبحسب مصادر مطلعة، هدفت الزيارة إلى تعزيز مساعي خفض التصعيد بين الخصمين الإقليميين، مع تأكيد سعودي على أهمية التهدئة وتجنّب انفجار إقليمي شامل.
محادثات الخبراء: المسار الفني يبدأ الأربعاء
من المقرر أن تبدأ اجتماعات الخبراء الفنيين يوم الأربعاء المقبل في سلطنة عمان، تحضيرًا للجولة الثالثة من المفاوضات السياسية السبت، ما يشير إلى رغبة الطرفين في بلورة “مفاتيح تقنية” لاتفاق قد يُعاد تشكيله لاحقًا. ويبدو أن العودة إلى تفاصيل تخصيب اليورانيوم، ومستويات الرقابة، ووتيرة رفع العقوبات ستكون العناوين الأبرز على طاولة النقاش.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، خلال زيارة إلى إيران: “المفاوضات دخلت مرحلة حاسمة، ونعلم أن الوقت يداهمنا”.
إيران والولايات المتحدة… من القطيعة إلى الحوار غير المباشر
العلاقات بين واشنطن وطهران تشهد توترًا متصاعدًا منذ عقود، وبرز هذا التوتر جلياً بعد انسحاب إدارة ترامب في عام 2018 من الاتفاق النووي المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، وما تبعه من خطوات تصعيدية من الجانبين. منذ ذلك الحين، زادت إيران نسبة تخصيب اليورانيوم بشكل كبير، ما أعاد المخاوف من تحولها إلى دولة تمتلك السلاح النووي – رغم تأكيداتها المتكررة بأنها لا تسعى لذلك.
لكن حتى مع تدهور الاقتصاد الإيراني بفعل العقوبات، تواصل طهران الدفاع عن “حقها المشروع” في تخصيب اليورانيوم. وهي اليوم، بحسب تصريحات عراقجي، مستعدة للتفاوض على بعض التنازلات التقنية مقابل تخفيف الضغوط الاقتصادية الخانقة.
نافذة مفتوحة ولكن ضيقة
وكان وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي قد علّق على مجريات الجولة الثانية من المفاوضات عبر منصة “إكس”، قائلاً إن “التفاؤل قد يكون مبرّراً، ولكن بحذر شديد”. وأضاف: “لم يتبقَّ من خطة العمل الشاملة المشتركة إلا دروس مستفادة”، مشدداً على أن “إيران ليس لديها أي نية للتفاوض علناً على الإطلاق”. وأوضح أن بعض المجموعات “تحاول التلاعب بالعملية الدبلوماسية وتشويه سمعة المفاوضين لتشجيع واشنطن على تقديم أقصى المطالب”.
فرغم تعدد المؤشرات الإيجابية، فإنّ المفاوضات لا تزال في بدايتها. إذ لم تُطرح بعد الملفات العميقة مثل آلية التحقق، وجدول رفع العقوبات، ومستقبل التعاون النووي المدني. كما أنّ الاختلاف العميق بين رغبة إيران في اتفاق جديد كليًا، وسعي واشنطن لإعادة إحياء اتفاق 2015، يضعف من احتمالية التوصل إلى حل سريع.
ومع دخول الوسطاء الإقليميين والدوليين على خط الوساطة – من سلطنة عمان إلى السعودية، مرورًا بروسيا وفرنسا – تبدو المرحلة المقبلة حاسمة. فإما أن يتجه الطرفان إلى تسوية حقيقية تُجنّب المنطقة حربًا جديدة، أو تتجه الأمور نحو مزيد من التصعيد في واحدة من أكثر الملفات حساسية على الساحة الدولية.
مواضيع ذات صلة :
![]() مفاوضات إيران والولايات المتحدة: تقدم حذر واتفاق على جلسات فنية في مسقط | ![]() واشنطن ترسم الخطوط الحمراء… لا تساهل مع إيران | ![]() ترامب وطلبات “غريبة” من المياه إلى الساعة! |