الهاربون من المصارف إلى العقارات.. خسروا أموالهم مرتين
عندما أوصدت أبواب المصارف في وجه اللبنانيين واحتُجزت أموالهم، وقُطعت الطرق أمام تحويل مدخراتهم إلى الخارج، هرعوا إلى اقتناء مدّخرات أخرى بعيداً عن النقد، ظناً منهم بأنها أكثر أماناً من خزنات المصارف. انجذبوا لدعايات مطوّرين عقاريين بادروا إلى تقديم عروض وحوافز لزبائن لم يصحوا بعد من هول صدمة احتجاز المصارف لأموالهم، وهدرها في رهانات خاسرة. لجأوا إلى سوق العقار لتهريب أموالهم من المصارف. فاشتروا الأراضي والشقق وكل ما تيسّر لهم من عقارات بشيكات مصرفية. نعم نجحوا بتهريب أموالهم من المصارف، لكن هل بلغوا برّ الأمان بأموالهم؟ هل أن الاستثمار بالعقار في الوضع الراهن هو استثمار مربح؟ وما هو وضع العقار اليوم في لبنان بالنظر إلى ما يحيط به من أزمات؟
هروب إلى العقار
مع تصاعد حدة الأزمات في لبنان وتشعّبها بين مالية واقتصادية ونقدية ومعيشية، وتزامناً مع تراجع التمويل المصرفي وشح الدولار، واحتجاز المصارف لودائع العملاء، وتقييد حركة الأموال، اتجه عدد كبير من المطورين العقاريين، وبهدف سداد قروضهم المُستحقة للمصارف، إلى تشجيع المودعين على شراء العقارات عبر شيكات مصرفية لتخليص أموالهم من قيود المصارف. ونجح المطورون العقاريون بالفعل. فشهد العام 2020 موجة واسعة لشراء العقارات.
لا أرقام دقيقة حتى اليوم. لكن وحسب المعنيين بالقطاع العقاري، فإن جزءاً كبيراً من ديون كبار المطوّرين المُستحقة للمصارف جرى سدادها في العام 2020، من خلال ودائع العملاء الذين اختاروا العقار ملجأً لأموالهم. وقد سجّل العام 2020 ارتفاعاً في عمليات شراء العقارات بنسبة بلغت 62 في المئة بالمقارنة مع العام 2019. كما زادت قيمة العقارات بنسبة 107 في المئة عن عام 2019. وارتفع حجم الصفقات العقارية بنسبة 35.6 في المئة عن العام 2019. الأمر الذي يوضح مدى تزايد الصفقات العقارية خلال العام 2020.
خسائر مزدوجة
المودعون الذي اختاروا تهريب أموالهم من المصارف إلى السوق العقاري في لبنان، تكبّدوا الخسارة مرتين. بهذه العبارة يحسم الخبير الاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية، جهاد حكيّم، الجدل حول جدوى شراء عقار بأموال مجمّدة في المصارف. وفي حديثه إلى “المدن”، يعزو حكيّم السبب إلى أن المودعين الذين كان بإمكانهم سحب أموالهم في بداية الأزمة عن طريق شيكات مصرفية، بخسارة لا تزيد عن 25 في المئة، خسروا أموالهم اليوم بعد أن أقدموا على شراء عقارات بودائعهم. فالعقارات لا يمكن تسييلها راهناً. كما لا يمكن تسويقها بالأسعار التي تم شراؤها على أساسها.
وفي مثال يبيّن حجم الخسارة في الاستثمار العقاري، أن أحد المودعين، وتبلغ وديعته المصرفية 100 ألف دولار، كان بإمكانه سحبها منذ بداية الأزمة بشيكات مصرفية وصرفها بنحو 70 إلى 75 في المئة من قيمتها مع بداية العام الماضي 2020. بمعنى أنه كان بإمكانه الإستحصال على 75 ألف دولار نقداً، من مجمل وديعته. لكنه وبما أنه فضّل التصرف بوديعته لشراء عقار بشيك مصرفي بقيمة 100 ألف دولار، فإنه قطعاً وقع في خسارة أكبر. إذ أن قيمة العقار الحقيقية اليوم لا تزيد عن 30 ألف دولار في أحسن الأحوال. ولا يمكن تسييلها. أما في حال بيعها عبر شيك، فلن يحصل صاحبها على القيمة نفسها. وبذلك يكون صاحب الوديعة خسر بتلك العملية أكثر من نصف أمواله.
أضف إلى أن عامل التشجيع من قبل المطورين العقاريين تراجع اليوم. إذ أن معظمهم لم يعد مستعدّاً لبيع العقارات كما العام الفائت، يقول حكيّم. فمنذ بداية الأزمة عمد المطورون العقاريون إلى إغراء المودعين لشراء العقارات من خلال شيكات مصرفية على قاعدة “العقار أفضل استثمار”. وذلك بهدف التخلص من ديونهم المترتبة عليهم لصالح المصارف. ما يعني أن المودع المقصود في المثال لم يعد بإمكانه بيع عقاره بمبلغ يزيد عن 100 ألف. وفي حال بيعه بمئة ألف دولار -كاحتمال متفائل- فذلك يعني أنه قد لا يحصّل أكثر 30 ألف دولار فقط، كون قيمة الشيك المصرفي اليوم تقارب 30 في المئة من قيمته الإسمية. وبذلك يكون المودع قد خسر مرتين الأولى أمام المصرف والثانية أمام العقار.
لا ازدهار عقارياً قريباً
ونظراً لترابط القطاعين العقاري والمصرفي بشكل وثيق، يبدو من الصعب إن لم يكن مستحيلاً أن نشهد ازدهاراً في القطاع العقاري، في غياب حل للأزمة المصرفية. وبالتالي، لن يشهد القطاع العقاري إقبالاً حقيقياً على الشراء. وبحسب حكيّم، فإن المغترب اللبناني أيضاً لم يعد مستعداً لشراء العقار في لبنان، ولا حتى إيداع أمواله في البلد، بعد الغُبن الذي تعرّض له من قبل المصارف، من خلال احتجار أمواله وجنى سنين اغترابه. ولا ننسى أن المغتربين يتعرّضون كما كل سكان العالم لضغوط معيشية جراء الأزمات الاقتصادية التي اكتسحت كافة الدول، بسبب انتشار فيروس كورونا وتأثيره على نمو الاقتصاد العالمي.
وتبقى القاعدة أن العقار ليس ذهباً يمكن الهروب به أو تسييله في أي وقت. من هنا، لا جدوى من الهروب إلى قطاعات متداعية ربطاً بالقطاع المصرفي المنهار. فالأجدى الهروب إلى حيث التنوع بالمدخرات بين الدولار والذهب واليورو والإسترليني إذا أمكن.