بين الهبوط العالمي والتوترات الجيوسياسية.. أسواق المنطقة تعاني “تأثيرا مضاعفا”
انعكس هبوط الأسهم العالمية، هذا الأسبوع، سريعا على أسواق منطقة الشرق الأوسط، التي يقول خبراء ومحللون لموقع “الحرة” إنها عانت من تأثيرات مضاعفة بفعل التوترات الجيوسياسية، في ظل توقعات بشن إيران هجمات ضد إسرائيل خلال ساعات أو أيام.
وتراجعت أسواق الأسهم في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا، الاثنين، في ظل موجة بيع من قبل المستثمرين، مدفوعة بمخاوف من هبوط الاقتصاد الأميركي، بعد أن أظهرت بيانات تباطؤ نمو الوظائف بأكبر اقتصاد بالعالم.
وتسببت بيانات الوظائف الأميركية في حدوث تحول مفاجئ من سردية “الهبوط الناعم” للاقتصاد الأميركي إلى “الهبوط الحاد”، وذلك إلى جانب “المبالغة” في الدعاية حول تراجع قوة الذكاء الاصطناعي واحتمالية رفع أسعار الفائدة من جانب بنك اليابان بهدف تعزيز الين، وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.
وامتد التراجع إلى أغلب أسواق الشرق الأوسط التي كانت قلقة من توسع نطاق الحرب، الاثنين، إذ انخفض مؤشر دبي بأكبر معدل يومي منذ مايو 2022 بنسبة 4.5 بالمئة، ومؤشر أبوظبي بنسبة 3.4 بالمئة، وأغلق المؤشر السعودي عند أدنى مستوى منذ منتصف ديسمبر الماضي.
أما في مصر، انخفض مؤشر الأسهم القيادية 2.3 بالمئة، وفقد الجنيه جزءا من قيمته، ليصل سعر صرف الدولار إلى أعلى مستوى منذ السابع من مارس الماضي بالقرب من 49.5 جنيه للدولار الواحد.
“أكبر الأسواق الخاسرة”
ومع بداية تعاملات، الثلاثاء، ارتفعت أغلب أسواق الأوراق المالية بالمنطقة لتعوض جزءا من الخسائر التي منيت بها، لكن مع ذلك، يرى خبراء تحدثوا مع موقع “الحرة” أن “المخاطر لا تزال تحيط بهذه الأسواق مع استمرار الضغوط الجيوسياسية، خصوصا فيما يتعلق بالهجوم المرتقب من إيران على إسرائيل”.
ويعتبر خبير أسواق المالي المصري، أحمد معطي، أن “أسواق الشرق الأوسط من أكبر الأسواق الخاسرة جراء تراجع الأسهم العالمية، إذ أضافت التوترات الجيوسياسية المزيد من القلق والغموض على توجهات المستثمرين”.
ويقول معطي لموقع “الحرة” إنه “بالرغم من ارتفاع طفيف بأسواق المنطقة في بداية تعاملات الثلاثاء وتعويضها جزء من خسائر أمس، فإن هذا لا يعتبر دليلا على التماسك، خصوصا أن الأسباب التي تقف وراء تراجع الأسهم العالمية لا تزال مستمرة، فيما هناك ترقب لتصعيد إيراني محتمل بالمنطقة”.
ويذهب الخبير الاقتصادي العراقي، صفوان قصي، في الاتجاه ذاته قائلا إن تراجع أسواق المنطقة جاء بشكل مضاعف مع خروج المستثمرين، وقلقهم حيال الأوضاع الجيوسياسية بالشرق الأوسط.
ويضيف في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن المستثمرين اتجهوا إلى الملاذات الآمنة، والتي كانت على رأسها الذهب والسندات الحكومية الأميركية، بعيدا على الأسهم سواء كان ذلك في المنطقة أو الأسواق العالمية الأخرى، حيث “الكثير من القلق بفعل تفاقم التوترات الجيوسياسية وهبوط وشيك للاقتصاد الأميركي يفوق التوقعات”.
والاثنين، نقلت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية عن الخبير الاقتصادي المخضرم، إد يارديني، قوله إن عمليات البيع تحمل بعض التشابه مع انهيار عام 1987، المعروف باسم “الاثنين الأسود”، حينها نجح الاقتصاد الأميركي في تجنب الركود، على الرغم من مخاوف المستثمرين في ذلك الوقت بعد أكبر هبوط لسوق الأوراق المالية في يوم واحد.
بدوره، يقول المحلل الاقتصادي الإماراتي، نايل الجوابرة، إن “المزيد من القلق لا يزال يحيط بأسواق الشرق الأوسط، حيث تراجع أسواق الأوراق المالية، وانخفاض عملات البلدان التي تتبنى سياسة سعر صرف مرنة”.
وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يضيف الجوابرة: “إذا كانت أسواق الشرق الأوسط قلقة من صراع أوسع، فإن هذه القلق أيضا ممتد إلى الأسواق العالمية بنسبة أقل، وقد يرتفع مع اندلاع حرب فعلية بين إيران وإسرائيل الفترة المقبلة”.
وتتأهب إسرائيل والولايات المتحدة لتصعيد خطير في المنطقة بعد أن توعدت إيران وجماعة حزب الله اللبنانية بالانتقام منها، بسبب مقتل رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، وقائد عسكري كبير بحزب الله، الأسبوع الماضي.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الاثنين، عن دبلوماسي عربي قوله إن مسؤولا إيرانيا أشار إلى هجوم “وشيك” خلال الـ48 ساعة المقبلة.
ولم تؤكد إسرائيل أو تنفي علاقتها بعملية اغتيال هنية، رغم تأكيدها بأنها قتلت القائد في حزب الله، فؤاد شكر، بالضاحية الجنوبية لبيروت التي تعد معقل حزب الله.
“مصيبة على الاقتصادات”
ويحذر الخبراء خلال حديثهم مع موقع “الحرة” من أن الهجمات المتوقعة من إيران على إسرائيل أو توسع رقعة الحرب، قد يزيد الضغوط على أسواق المنطقة مع خروج المستثمرين، فضلا عن امتداد ذلك إلى أسواق الطاقة العالمية.
ويقول معطي إن “التوترات الجيوسياسية تضيف المزيد من الضغوط، خصوصا فيما يتعلق حتى الآن بغموض الرد الإيراني المنتظر على إسرائيل وكيفيته”.
ويضيف خلال حديثه: “طبيعة الرد الإيراني، من حيث قوته وحجمه وكذلك ردة الفعل من إسرائيل، لا يزال يضع أسواق المنطقة والمستثمرين في حيرة كبيرة”.
وكشف تقرير لموقع “أكسيوس” الأميركي، الثلاثاء، أن فريق الأمن القومي الأميركي أبلغ الرئيس، جو بايدن، أن موعد وشكل الهجوم المتوقع من إيران وحزب الله اللبناني ضد إسرائيل، “لا يزالا غير واضحين إلى الآن”، لكنه يشمل موجتين من الهجمات.
وفي هذا الصدد، يقول قصي إن “الأسواق العالمية لن تكون بعيدة أيضا عن أي اضطرابات جيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام أو الساعات المقبلة”.
ويضيف الخبير الاقتصادي العراق أن “إيران قادرة على إحداث اضطرابات في الاقتصاد العالمي من خلال إغلاق مضيقي باب المندب وهرمز، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاعات كبير في أسعار الطاقة العالمية.
ومضيق هرمز مسؤول عن ما يصل إلى 20 بالمئة من إمدادات النفط العالمية، ويعني إغلاقه حدوث إضرابات كبيرة، وفق الجوابرة، الذي يقول إن “ثلثي إنتاج النفط يخرج من منطقة الخليج العربي، وإغلاق مضيف هرمز يعني ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط قد تتجاوز 100 دولار للبرميل الواحد”.
ويقع مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عُمان، ويعد هذا الممر البحري شبه الوحيد الذي يربط بين الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط “السعودية والكويت وقطر والإمارات والعراق وإيران” وأسواق آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية.
وارتفعت أسعار النفط، الثلاثاء، بنسبة 1 بالمئة، إذ عوضت خسائر الجلسة الماضية وسط المخاوف من أن يؤثر تفاقم الصراع في الشرق الأوسط على الإمدادات، وبفضل بيانات قوية لقطاع الخدمات الأميركي وتراجع الإنتاج من حقل الشرارة النفطي الليبي، بحسب وكالة رويترز.
وبحلول الساعة 6:38 بتوقيت غرينتش، صعدت العقود الآجلة لخام برنت 1 بالمئة إلى 77.06 دولارا للبرميل، في حين زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.26 بالمئة، إلى 73.86 دولارا.
ومنذ اندلاع الصراع في الشرق الأوسط، مرت أسعار النفط بمراحل شهدت ارتفاع مستوياتها، لكنها عادة ما تتراجع مع انخفاض مخاطر توسع الحرب، والتي كان أخرها في أبريل الماضي، حينما شنت إيران هجوما مباشرا على إسرائيل لأول مرة بالصواريخ والطائرات المسيّرة، على خلفية اتهامات باستهداف إسرائيل قنصلية طهران في دمشق.
ويضيف المحلل الاقتصادي الإماراتي: “كل التخوفات في أسواق المنطقة نابعة من التوترات الجيوسياسية المحتملة، لكن هذا لا يعني تأثر أسواق المنطقة وحدها”.
وتسببت الحرب في غزة التي اندلعت بعد هجوم شنته حركة حماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) على إسرائيل في السابع من أكتوبر، بتأثير مباشر على الأسواق العالمية واقتصادات المنطقة، حيث دفعت الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون المدعمون من إيران في اليمن، على السفن بمنطقة البحر الأحمر إلى ارتفاع تكاليف الشحن وانخفاض حركة المرور في قناة السويس المصرية.
وتقول الجماعة اليمنية إنها تستهدف السفن الموالية إلى إسرائيل أو المتجهة إلى هناك، إلا أن الكثير من السفن التي حاولت استهدافها لا علاقة لها بإسرائيل.
بدوره، يصف معطي، اندلاع حرب واسعة بين إيران وإسرائيل بـ”المصيبة على اقتصادات المنطقة”، إذ يقول إن “حرب شاملة في الشرق الأوسط تعني تراجعات عنيفة في كل المؤشرات الاقتصادية”.
ويضيف: “في كل الأحوال أسواق الأوراق المالية والمستثمرون يأملون ألا يكون هناك حرب جديدة في المنطقة؛ لأن هذا يعني أزمة قد تستمر لفترة ليست بالقليلة”.
مواضيع ذات صلة :
تباين أداء السوق السعودية وسط تذبذب الأسهم العالمية ونتائج الشركات | الأسهم العالمية: ما الذي سبب الهبوط الحر؟ | أغنى الأشخاص في العالم يخسرون 135 مليار دولار خلال ليلة واحدة |