“كذب المنجمون ولو صدقوا”… التنبؤات والالهامات تصل الى “مونديال قطر”!

منوعات 1 كانون الأول, 2022

ربما لم يشغل بال البشر في مختلف حضاراتهم أي شيء أكثر من رغبتهم في التنبؤ بما سيحدث في المستقبل.

فالعراف أو الساحر أو الدجال موجود في كل حضارة وكل زمن سواء بلباسه السحري أو أوراق اللعب أو فنجان القهوة.

بيد أن البشر أدركوا مع تطور الحضارة وانتشار العلوم الحديثة والتفكير النقدي أن هذا النوع من التنبؤ لا يعدو كونه دجلا.

ولم تتوقف رغبة البشر في معرفة المستقبل، وحاولوا تسخير العلوم الحديثة مثل الرياضيات والإحصاء والحوسبة والذكاء الاصطناعي في إنشاء طرق ونماذج رياضية وحاسوبية تساعدهم في بلوغ هذه الغاية، لكن بصورة أخرى.

فبدلا من التنبؤ بمستقبل الشخص طوروا نماذج للتنبؤ والتوقع تفيد في مجالات الصحة العامة والأدوية والطب والبيولوجيا والأرصاد الجوية والمناخ والاقتصاد والزراعة وإنتاج الغذاء والأوبئة وانتشار الأمراض، بالإضافة إلى ما لا يحصر من تطبيقات المحاكاة في مجالات الهندسة والتكنولوجيا، كما أن علوما كعلوم الفضاء والفلك تقف بشكل أساسي على أكتاف نماذج المحاكاة والتنبؤ.

نماذج حاسوبية في كل المجالات

اجتهد العلماء في إنشاء طرق للتنبؤ وتوقع حدوث الزلال والبراكين وموجات المد العظيمة (تسونامي)، كما أنشأوا نظما معقدة ودقيقة إلى حد كبير للتنبؤ بدرجات الحرارة والرطوبة وسقوط الأمطار وغيرها مما نستخدمه بشكل يومي في ما يخص الطقس والمناخ.

كما أنشأوا نظما تتنبأ بتأثير الاحتباس الحراري على ارتفاع حرارة الكوكب، وبالتالي توقع الآثار المرتبة على ذلك.

وفي الطب والبيولوجيا، يطمح العلماء إلى التنبؤ بالأمراض قبل حدوثها وتوقع نتيجة الدواء على المريض قبل إعطائه له، والتنبؤ بتأثير تغير بيئة الكائن الحي على نموه أو إنتاجه من اللبن أو اللحم على سبيل المثال.

ويطمح هؤلاء أيضا للتنبؤ بتأثير التغير في عمل جين معين -مثل إيقاف عمله أو تقليله أو زيادته- في وقت توجد فيه نماذج للتنبؤ بالتغير في وظيفة جين ما نتيجة حدوث طفرة له.

وقد استخدمت هذه النماذج بكثرة للتنبؤ بتأثير متحورات فيروس كورونا، ومدى فاعلية اللقاحات مع كل متحور جديد.

وفي الهندسة والتكنولوجيا، تستخدم النماذج الحاسوبية للتنبؤ بكل شيء تقريبا، إذ بدأ استخدامها في التطبيقات الهندسية والتكنولوجية أولا قبل انتقالها إلى المجالات الأخرى.

أما في الرياضة، لا سيما كرة القدم، فالنماذج الحاسوبية لها عدة تطبيقات، أكثرها انتشارا هو توقع النتائج في مختلف المنافسات الرياضة.

وأحد أسباب ذلك هو انتشار المراهنات في دول مختلفة بسبب حاجة المراهنين إلى تطبيقات تساعدهم في توقع الفريق الفائز ونتيجة المباراة.

ولكي يتم إنشاء نموذج حاسوبي توقعي (predictive) نحتاج إلى:

قدر مناسب من البيانات التي سيعمل النموذج على تحليلها، والتي عادة ما تكون كبيرة وممتدة على مدى مدة زمنية طويلة، مع اختيار طريقة التحليل والاستنتاج من بين الطرق الكثيرة والخوارزميات المتوفرة.

تطوير طريقة جديدة بالكامل في حال عدم توفر طريقة أو خوارزمية مناسبة.

طريقة اختبار مناسبة نستطيع بها تقييم نتائج النموذج وتحديد مدى دقته. وفي حالة توفر العوامل الثلاثة (البيانات والخوارزميات والدقة)، يمكن إنشاء نموذج عالي الدقة موثوق النتائج إلى حد بعيد.

توقع نتائج كرة القدم.. المهمة الصعبة

ظهرت نماذج الحاسوب التي تتوقع نتائج مباريات كرة القدم منذ عدة عقود، وتطورت بشكل ملحوظ مع تطور الحواسيب والخوارزميات مثلها مثل كل نواحي الحياة المرتبطة بالتطور التكنولوجي.

ولعل أول نموذج يتنبأ بنتائج إحدى البطولات الكبرى كان النموذج الذي ظهر في بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 1990 التي أقيمت في إيطاليا.

وتتنوع هذه النماذج من حيث البيانات التي تحللها، والخوارزميات المستخدمة في التحليل، وطرق اختبار وتقييم دقة الاستنتاجات. ولعل أهم ما يميز كرة القدم هنا هو توفر نتائج سابقة لمدة تقارب القرن، وهو ما يمثل ميزة وتحديا في الوقت ذاته.

الميزة هي أن البيانات كبيرة بما يكفي لجعل النماذج تعمل بشكل جيد. والمتوقع أن هذه النماذج ستعمل بدقة وتعطي تنبؤات دقيقة.

لكن، مثل كل شيء في كرة القدم، ليس الأمر بهذه السهولة. فتغذية نموذج بنتائج منتخب ما على مدى عشرات السنين لن تكون ذات نفع فعلي لأن اللاعبين والجهاز الفني وطرق اللعب جميعها تتغير، وبالتالي فإن تنبؤات النموذج لن تكون دقيقة.

ولحل هذه المعضلة، ظهرت نماذج تعطي وزنا أكبر للنتائج الحديثة للفرق مقارنة بنتائجها التاريخية، وهو ما يبدو منطقيا.

وفي حالة التنبؤ بنتيجة مواجهة محددة، يعطي النموذج أكبر وزن لآخر لقاءات بين الفريقين، ووزنا أقل للقاء الذي يسبقه ثم أقل للقاءات الأسبق، وهكذا.

كما أضافت النماذج عوامل مثل مكان إقامة المباراة، لأن حظوظ صاحب الأرض أعلى في الفوز عادة. وقد وجدوا أن هذه النماذج تعطي نتائج أكثر دقة.

توقعات جيدة وأخرى مستحيلة

في كأس العالم الحالية المقامة في قطر، يعد النموذج الذي قدمه معهد الرياضيات بجامعة أكسفورد البريطانية الأكثر رواجا.

اعتمد النموذج على تصنيفات وإحصائيات جميع الفرق المشاركة منذ كأس العالم السابق (2018) والتي تمت تغذية النموذج بها، كما تم تنفيذ 100 ألف محاكاة لكل مباراة، وحساب توقعات الفوز لكل فرقة من خلال عدد مرات فوز كل فريق في هذا العدد المهول من المباريات الافتراضية بين الفريقين.

وبالنظر إلى تنبؤات هذا النموذج، نجد أنه توقع وصول جميع المنتخبات القوية إلى دور الـ16 من دون مفاجآت كبيرة إلا خروج الولايات المتحدة من الأدوار التمهيدية ووصول إيران بدلا منها.

وباستثناء هذه النتيجة، فإن باقي التوقعات تبدو عادية ولا تحتاج إلا إلى متابع كروي جيد.

وقدم النموذج توقعاته في صورة نسبة مئوية تمثل احتمال فوز كل فريق على الآخر، وتنبأ بوصول البرازيل وبلجيكا للمباراة النهائية، ثم فوز البرازيل (بنسبة 61.3%) أو بلجيكا (بنسبة 38.7%).

يذكر أنه لا يمكن لهذا النموذج أو غيره توقع النتائج الاستثنائية كفوز الجزائر على ألمانيا في بطولة 1982، أو فوز السنغال على فرنسا في بطولة 2002، أو فوز ألمانيا على البرازيل 7-0 في بطولة 2014، أو فوز السعودية على الأرجنتين في كبرى مفاجآت النسخة الحالية حتى الآن.

مثل هذه النتائج تعد قيما متطرفة (outliers) لا يمكن توقعها، ويبدو أن مثل هذه المفاجآت هي ما تعطي لكرة القدم متعتها وتميزها بين كل الرياضات.

إن كرة القدم هي واحدة من أبسط الرياضات من حيث الممارسة حيث لا تحتاج لأكثر من كرة ومساحة من الأرض وبعض الشباب المتحمس، وهو ما يعد أهم أسباب انتشارها الواسع.

لكن التنبؤ بنتائجها بدقة قد يكون الأصعب بين مختلف الرياضات ربما للأسباب نفسها: بساطة اللعبة، واعتمادها بالكامل على مجموع العامل البشري للفريقين.

فخطأ غير مقصود من لاعب قد يعكس نتيجة المباراة، إلا أنها أيضا تتبع القاعدة العامة بأن الفريق الأفضل “غالبا” ما تكون حظوظه في الفوز أكبر.

المصدر: الجزيرة

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us