“بورتريهات الفيوم” تطل مجددا بعد 115 عاماً من الاكتشاف الأول
في منطقة الفيوم (جنوب القاهرة) وتحديداً في قرية جرزا، تمكنت البعثة الأثرية المصرية من الكشف عن مبنى جنائزي ضخم من العصرين البطلمي والروماني على طراز البيوت الجنائزية، وعدد من التوابيت المختلفة الطرز، لكن يبقى من أهم إنجازات هذا الكشف العثور على مجموعة من بورتريهات المومياوات أو ما يعرف بـ”بورتريهات الفيوم”، حيث تعد النماذج المكتشفة هي الأولى التي يعثر عليها منذ اكتشاف آخر مجموعة بواسطة عالم الآثار الإنجليزي فلندرز بتري منذ أكثر من 115 عاماً.
قرية جرزا التي عرفت بقرية فيلادلفيا في العصر اليوناني أنشئت في القرن الثالث قبل الميلاد كقرية مركزية ضمن مشروع الاستصلاح الزراعي الذي نفذه الملك بطليموس الثاني (فيلادلفيوس) في إقليم الفيوم بهدف تأمين مصادر الغذاء للمملكة المصرية وضمت بين جنباتها المصريين واليونانيين مما انعكس على إنتاجها الحضاري.
بورتريهات الفيوم
وجوه الفيوم وصفت بأنها أقدم لوحات تمثل فن “البورتريه” في العالم، وهي شكل جديد وغير مألوف وتختلف كلياً عن طابع الفن المصري القديم، وتعود هذه الوجوه إلى العصر الروماني ووجدت مرسومة على توابيت خشبية لأصحابها.
الفيلسوف والروائي الفرنسي “أندرية مالرو” وصف بورتريهات الفيوم بأنها وجوه تتطلع إلى الحياة الأبدية، وأنها تمثل منطقة وسط بين الحياة والموت لما هي عليه من حالة واقعية ولما يميز النظرة المتأملة التي صاحبت هذه الوجوه على اختلاف أشكالها وتنوعها.
أغلب هذه البورتريهات عثر عليها في منطقة الفيوم، ولذا حملت اسم وجوه الفيوم وإن كان عثر على بعض منها في مناطق أخرى متفرقة، ويعد عالم المصريات البريطاني “فلندرز بتري” أكثر من اهتم بالتنقيب عنها، ففي عام 1887 استطاع العثور على 81 بورتريه في واحدة من المقابر الرومانية، وفي عام 1910 عثر على 70 بورتريه ليصل مجموع اللوحات التي اكتشفها إلى 151 لوحة.
لا أحد يستطيع الجزم إن كانت هذه الوجوه رسمت بعد وفاة أصحابها لتوضع على توابيتهم أم رسمت في حياتهم وكانوا يحتفظون بها معلقة على جدران منازلهم، ثم وضعت على التوابيت بعد الوفاة، فمعظمها وجد مع التوابيت إلا أن القليل منها وجد دون العثور على تابوت للشخص مما قد يدعم الفرضية الثانية.
عن بورتريهات الفيوم يقول محمود حامد الحصري، مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة بجامعة الوادي الجديد لـ”اندبندنت عربية”، إن “بورتريهات الفيوم مصطلح يجسد مجموعة من اللوحات الواقعية لشخصيات رسمت على توابيت مومياوات مصرية في الفيوم خلال الحقبة الرومانية، حيث تم فيها الرسم والطلاء على لوحات خشبية بشكل كلاسيكي يجعلها من أجمل الرسومات في فن الرسم الكلاسيكي العالمي، وتعد نموذجاً متفرداً في العالم، واعتبرت بداية لأنواع متعددة من الفنون انتشرت في العالم الغربي بعد ذلك مثل الفن البيزنطي وفن الأيقونات القبطي في مصر”.
ويضيف “يوجد حتى الآن نحو 900 لوحة مكتشفة في المقابر التاريخية بالفيوم، ونظراً إلى المناخ الجاف والحار للمنطقة فقد حفظت اللوحات بشكل ممتاز، لدرجة أن ألوان كثير منها تبدو كأنها لم تجف بعد، وتصور رسماً لشخصية الشخص المدفون في التابوت، وتميل الرسوم إلى الفن الإغريقي الروماني بشكل أكبر مما هو معروف عن فن الرسم المصري القديم، حيث تأثر المصريون بهذا الفن خلال هذه الفترة نتيجة لوجود الرومان”.
تتوزع هذه البورتريهات على متاحف عالمية عدة، من بينها المتحف البريطاني في لندن، وتوجد مجموعة منها في المتحف المصري بالقاهرة، ونادى بعض المهتمين بالفنون بالسعي لإقامة متحف خاص بها باعتبار أنها تمثل فناً فريداً من نوعه ويعد أقدم تصوير لوجه بشري ليعرف لاحقاً بفن البورتريه.
تاريخ الفيوم
لمدينة الفيوم تاريخ طويل وممتد، وهي تضم عديداً من الآثار التي تؤهلها لأن تكون مدينة سياحية بامتياز إلا أنها رغم ذلك لا تحظى بشهرة المدن السياحية الكبرى في مصر.
يقول الحصري “كانت مدينة الفيوم قديماً جزءاً من المقاطعة العشرين من مقاطعات الوجه القبلي وتقع في إقليم شمال الصعيد الذي يضم ثلاث محافظات هي الفيوم وبني سويف والمنيا، وكانت لها أهمية عظمى منذ عصور ما قبل الأسرات مروراً بالعصور الفرعونية، حيث ظهرت على أرضها أقدم الحضارات التي أطلق عليها اسم حضارتي الفيوم الأولى والثانية قبل التاريخ، وفي العصور الفرعونية ظهر فيها عديد من المواقع الأثرية، حيث تضم الفيوم ما يقرب من 30 موقعاً أثرياً من أهمها هرم سيلا، وهرم هوارة، ومسلة سنوسرت الأول، وأطلال مدينة ماضي، وقصر اللابيرنث، وهرم اللاهون، ومقبرة الأميرة نفرو بتاح”.
ويضيف “منذ 3200 سنة ق.م كانت عاصمة الفيوم إهناسيا، حيث أنشأ الملك مينا سداً ترابياً أمام فتحة اللاهون فوق القاع الحجري لبحر يوسف، وكان ملوك الأسرة الثالثة يحصلون على الأحجار من جبل القطراني ليستخدموها في تبليط معبد الهرم الأكبر عام 2600 ق.م، وفي بداية عصر الأسرات ظهرت بعض القرى شرق المنخفض حيث استوطن الإنسان ضفاف بحيرة موريس وعمل بالزراعة وصيد الأسماك، وعندما زادت المساحة المستصلحة فيها أصبح اسمها (بر سوبك) أي (بيت التمساح) لكثرة وجود التماسيح في المنطقة التي كانت معبودة في الفيوم تحت اسم الإله سوبك، وتضم الفيوم بحيرتين هما قارون المالحة، ووادي الريان العذبة”.
المصدر: INDEPENDENT عربية