علماء بريطانيون يستعينون بالشامبانزي لحل لغز مشي البشر منتصبين
يستعين عدد من العلماء في جامعات بريطانية وأميركية بالشامبانزي في حل ما يعد أحد أكبر الألغاز في عملية تطور الإنسان، لماذا يمشي البشر على قدمين وليس على أربعة أطراف؟
في الواقع، يكتسي هذا السؤال أهمية بالغة نظراً إلى أن امتلاك طرفين علويين عبارة عن يدين وليس أربع أقدام فحسب، قد سمح للبشر بأن يصنعوا الأدوات ويطوروا أدمغة أكبر، ويحققوا النجاح متوسلين طرائق عجز أي حيوان آخر عن القيام بها.
توفر قردة الشامبانزي في إحدى المساحات الحرجية في المناطق الداخلية من تنزانيا للعلماء بعض البيانات الحاسمة اللازمة من أجل التوصل إلى فهم كامل لأحد الجوانب الرئيسة في التطور البشري.
لطالما بقيت الأسباب وراء المشي على قدمين لغزاً مع وجود نظريتين رئيستين متنافستين في هذا المجال، تقول الأولى إن البشر قد تطوروا على هذا النحو من طريق التنقل وسط الأشجار، فيما تشير الثانية إلى السبب كان تجوالهم في أراضٍ عشبية خالية من الأشجار، لكن مراقبة الطريقة التي تستخدم بها الشامبانزي التي تعيش في تنزانيا أطرافها بدأت في ترجيح كفة الميزان لصالح النظرية الأولى.
وتلقي عمليات الملاحظة أيضاً الضوء على الوطأة التطورية وتسلسل الأحداث ذات الصلة.
أسوة بتغيرات تطورية كثيرة، من المرجح أن خاصية المشي على قدمين قد تسارعت نتيجة تغيرات مناخية وبيئية دمرت الغابات الاستوائية القديمة واستبدُلت بها أراضٍ عشبية ومساحات حرجية مفتوحة فيما لم تنج سوى مناطق صغيرة من الغابات الكثيفة.
ويعتقد بعض العلماء أن هذا التغير البيئي قد أجبر البشر الأوائل على الخروج من الأشجار إلى موائل السافانا العشبية، حيث طوروا بعد ذلك المشي على قدمين، ولكن من طريق مراقبة مجتمعات الشامبانزي الحديثة في الغابات الكثيفة وبيئات الغابات المفتوحة على حد سواء، يعتقد العلماء الآن أن أجزاءً من الغابات والأراضي الحرجية، بدلاً من موائل الأراضي العشبية، ربما دفعت الإنسان إلى المشي على قدمين في وقت مبكر.
وعلى عكس التوقعات، زادت الشامبانزي من مشيها على قدمين وسط الأشجار أربع مرات عندما كانت في غابات أقل كثافة مقارنة مع البيئات ذات الغابات الكثيفة. وكان السبب المحتمل أن الحصول على الطعام كان أقل سهولة في بيئة تتميز بغابات مفتوحة منه في غابة كثيفة الأشجار، بالتالي كان على تلك الحيوانات أن تبذل جهداً أكبر في البحث عن الطعام في مناطق يصعب الوصول إليها في الأحراج الظليلة.
وفق عمليات المراقبة الجديدة التي تتبعت الشامبانزي تبين أن توغل الأخيرة في تلك المناطق الأكثر تحدياً من الأحراج الظليلة، دفعها إلى الانتشار بشكل متكرر، من ثم تطوير خاصية المشي على قدمين- لأنه كان لا بد من استخدام طرفيها العلويين بشكل متكرر بغرض السيطرة على أغصان الأشجار الكائنة فوقها مباشرة.
البحث الذي يضطلع به علماء من “جامعة كنت” و”كلية لندن الجامعية” و”جامعة ديوك” في نورث كارولينا، بدأ في عام 2020 ومن المقرر أن يكتمل بحلول 2024.
وأشارت الباحثة الرئيسة في المشروع، عالمة الأنثروبولوجيا ريانا دروموند كلارك، إلى أهمية عملهم الميداني هذا، موضحة أن “فهم سبب سيرنا على قدمين يشكل خطوة ضرورية في فهم ماهية الإنسان”.
وصب فريق العلماء تركيزه على مراقبة عملية المشي على قدمين لدى الشامبانزي في الغابات المفتوحة في تنزانيا، ثم قارن النتائج التي توصل إليها مع عمليات مراقبة سابقة خضعت لها الشامبانزي في الغابات الكثيفة في أوغندا كان تولاها علماء آخرون.
أمضت دروموند كلارك، من “جامعة كنت”، 10 أشهر في مراقبة مجموعة تضم 18 حيواناً من الشامبانزي – سبعة ذكور بالغة، وست إناث بالغات، وأربعة حيوانات من النشء، وثلاثة حيوانات يافعة، وخمسة في مرحلة الطفولة، وذلك في منطقة جبلية تبلغ مساحتها 12 ميلاً مربعاً، وغابات مفتوحة البيئة في غرب تنزانيا.
نشرت النتائج الأولية في ورقة بحثية في مجلة “ساينس أدفانسيس” Science Advances الأميركية المتاحة عبر الإنترنت.
المصدر: INDEPENDENT عربية