الزميل المهووس في العمل… كيف يمكن التعامل معه؟
يتحوّل العمل لدى البعض من وسيلة لكسب الرزق وتلبية الاحتياجات إلى أن يصبح هوسا في ذاته، وقد تكون صادفت زميلا يعمل لساعات إضافية، فيكون أول من يصل للمكتب وآخر من يغادر، ويعمل خلال عطلة الأسبوع، ويبادر بتولي مهام ليست ضمن وظيفته، وتدور حياته حول العمل.
ويؤثر إدمان العمل على صاحبه، بل يمتد تأثيره إلى المحيطين به أيضا، فكيف تحمي نفسك من تأثير مدمني العمل عليك؟
الفرق بين الاجتهاد والإفراط
يوضح مدرب رواد الأعمال والمديرين التنفيذيين سريكومار راو لمجلة “فوربس” (Forbes) أن “هناك فرقا كبيرا بين الاجتهاد في العمل وإدمانه”.
وتشرح مجلة “إنك” (Inc) الأميركية الفرق بين الأمرين بالقول إن الإفراط هو العمل لساعات طويلة بشكل قهري وخلال عطلة نهاية الأسبوع والإجازات، وقد يفوّت المدمنون المناسبات الاجتماعية من أجل العمل، وتصبح له الأولوية على حساب حياتهم الشخصية وعائلاتهم واهتماماتهم.
أما الجد في العمل -تضيف المجلة- فهو القيام به على أفضل وجه خلال الساعات الطبيعية، وأحيانا قد تحتاج مهامك بعض الساعات الإضافية، لكن لا يكون ذلك على حساب صحتك الجسدية والنفسية.
تأثير ممتد
ولا يؤثر إدمان العمل سلبا على صاحبه فقط، بل يمتد إلى زملائه أيضا، إذ يظهرهم كأنهم كسالى، ويشعرهم بالإحباط من عملهم، ويزيد عليهم الضغط، فيشعرون أن عليهم بذل المزيد من الجهد خارج واجباتهم، وأنهم يعملون في بيئة تنافسية ضاغطة وليست محفزة.
ويقول المدرب التنفيذي ستيفر روبينز لمجلة “فوربس” إن الشخص المهووس بالعمل “يتوقع دائما أن يكون الآخرون مثله، وقد يكلفك بمهمة ويتوقع منك العمل لساعات إضافية وإنجازها في وقت أقصر مما تحتاج إليه بالفعل، ويدفع الآخرين للعمل مثله، مما يسبب لهم الإجهاد والإرهاق وعدم القدرة على مواكبته، والشعور بالاستياء لأن عملهم يبدو قليلا مقارنة به طوال الوقت”.
ولتحجيم التأثير السلبي لزميلك المدمن على العمل، هذه بعض النصائح من مختصين:
حدد أولوياتك
عند الاشتراك في مشروع أو مهمة معينة مع شخص يعمل بشكل زائد، حدّد أولويات المهام التي يجب إنجازها، واحرص على الاتفاق على عدم تحميل الفريق فوق طاقته، ووضع زمن لإنجاز المهام المطلوبة بما يتناسب مع ساعات العمل.
وضح حدودك
يتجاوز مدمنو العمل ساعات العمل الأساسية وقد يتوقعون من الآخرين أن يكونون مثلهم أيضا، على سبيل المثال قد يتصل بك خارج ساعات العمل لمناقشة أمور ليست عاجلة، أو يرسل بريدا إلكترونيا لك خلال الليل أو العطلة ويطلب منك الرد عليه سريعا، أو يحاول وضع خطة للفريق لإنجاز مشروع في وقت لا يتناسب مع ساعات العمل.
ويمكن أن يسبب لك ذلك شعورا بالإرهاق الشديد، وعدم القدرة على أخذ قسط مناسب من الراحة، ولذلك يؤكد الطبيب النفسي مايكل وودوارد على ضرورة وضع حدود واضحة لأوقات التواصل المناسبة، والحزم في عدم الانجرار وراء الضغط والإلحاحات لاختراق هذه الحدود.
لا تنجرف معه
العمل مع زميل مدمن بهذا الشكل قد يدفعك للوقوع في نمط العمل نفسه بسبب شعورك بالذنب والتقصير في عملك مقارنة به، وتشك في قدراتك وإنتاجك، وتتساءل “هل أنا حقا أعمل بما فيه الكفاية؟”.
ولذلك قبل أن تبدأ في تحميل نفسك ما لا تطيق لتصبح مثل زميلك المدمن على العمل، أعد التفكير في واجباتك الأساسية، وكيفية تأديتها بكفاءة ومن دون تقصير، لتصبح على أرض صلبة، مدركا لطبيعة عملك، ولا تنجرف وراءه.
فقد أكد الطبيب النفسي وودوارد ضرورة تجنب الانجرار إلى عالم الإدمان على العمل، وقال “ركز على طريقك أنت، والأهم هو ألا تدخل في منافسة مستمرة مع شخص يدير حياته بشكل مختلف عنك تماما”.
لا تشجع سلوكه
حاول ألا تشجع سلوك زميلك المدمن على العمل، وتجنب الثناء على تضحياته المستمرة ونتائج عمله التي جاءت نتيجة العمل لساعات إضافية مطولة، كما تنصح المدربة التنفيذية ميلودي ويلدينج في مقالة لمجلة “هارفارد بزنس ريفيو” (Harvard Business Review).
فكر بمنظوره
ليس السبب دائما وراء إدمان العمل هو الرغبة في التفوق على الآخرين أو الحصول على منصب أعلى، ولذلك حاول التفكير بمنظور زميلك لفهم السبب وراء سلوكه وليس تبريرا له.
فقد يكون السبب وراء عمله المفرط هو الخوف من فقدان وظيفته -خاصة خلال الفترة الراهنة التي ظهرت فيها العديد من عمليات تسريح الموظفين من الشركات في جميع أنحاء العالم- أو الهروب من أزمة شخصية لا يود التعامل معها، وقد يكون غير مدرك للتأثير السلبي لنهجه على الآخرين.
شجع محاولاته للموازنة
يمكنك مساعدة زميلك بتشجيع محاولاته الاهتمام بحياته الشخصية، فإذا شاركك الحديث عن القيام بنشاط خارجي أو قضاء وقت مع عائلته وأصدقائه، حاول الإشادة به وعبّر عن إعجابك العام بمن يتمتعون بالتوازن في حياتهم، ولديهم اهتمامات خارجية يتابعونها بشغف.
اعرض المساعدة
حاول مساعدة زميلك بأن يمارس نشاطات أخرى خارج العمل، مثل دعوته لتناول العشاء معك، أو مشاهدة مباراة لكرة القدم سويا، أو وضع خطط للسفر خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وقد يساعده ذلك على تعزيز جوانب أخرى في حياته، ورؤية التأثير الإيجابي لذلك على صحته الجسدية والنفسية، وحتى على قدرته على العمل بشكل أفضل، ويدفعه إلى إعادة تحديد أولوياته والتوقف عن الإفراط في العمل.
المصدر: لبنان 24