‏ طريقة مبتكرة خارج المعادلات التعليمية… الموسيقى لفَهم الرياضيات

منوعات 25 كانون الثاني, 2025

يتحلّق 17 تلميذا في مدرسة إعدادية في إحدى ضواحي باريس الفقيرة ‏حول البيانو بسعادة ليتعلموا مفاهيم الرياضيات… من خلال الغناء.‏

وبدا واضحا أن تلاميذ المرحلة المتوسطة المشاركين في ورشة العمل ‏هذه مرتاحون داخل جدران “البيت الأكاديمي للرياضيات” الذي افتُتِح في ‏أيلول/سبتمبر الفائت داخل كلية جان لوليف دو بانتان.‏

ويهدف هذا المكان اللطيف إلى “تخفيف قلق التلاميذ وحتى المعلمين ‏حيال الرياضيات”، بحسب ما يوضح المدير العلمي والتعليمي للمشروع ‏ريشار برييريه في حديث لوكالة “فرانس برس”. ويشرح أن “المعلمين ‏في المدرسة الابتدائية مثلا لا يشعرون دائما بأنهم متمكنون بما يكفي” ‏لتعليم هذه المادة.‏

وفي ضوء تراجع فرنسا في التصنيفات العالمية للرياضيات، بات ‏المطلوب توفير طرق تعليمية مختلفة تقوم على الابتكار.‏

وتُظهر الدراسة الدولية “تيمس” ‏TIMSS، التي تتناول التحصيل الدراسي ‏في الرياضيات والعلوم ونشرت في مطلع كانون الأول/ديسمبر الفائت أن ‏التلاميذ الفرنسيين في الصفين الأول والرابع الابتدائي من بين الأسوأ في ‏دول الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في هاتين ‏المادتين. وتشير أيضا إلى معدل مقلق للتسرب الدراسي بين الفتيات ‏والفئات الاجتماعية الأشد عوزا.‏

ويستمع تلاميذ المرحلة المتوسطة خلال ورشة العمل إلى عازفة البيانو ‏ألكسندرا دوغريف، وهي مفتشة في مجال التعليم الموسيقي، تعزف لهم ‏مقطوعات لبيتهوفن ومايلز ديفيس وحتى “بوليرو” لرافيل.‏

وفجأة، عندما تسأل المراهقين ما هو “التناظر” الذي يسمعونه في هذه ‏الموسيقى، تأتي الإجابة مباشرة من فم لِيا: “تناظر محوري”. وبشكل ‏عفوي، تبادر التلميذة إلى تقليد طي ورقة، كما فعلت خلال تمرين كان ‏أُجريَ للتو على الورق.‏

وتقول ألكسندرا دوغريف لوكالة “فرانس برس”: “إن جعل التلاميذ ‏يختبرون شيئا مجرّدا إلى هذا الحدّ، كالتناظر، يشكل تحديا حقيقيا”. ‏وتضيف: “من هنا كانت فرحتي كبيرة عندما قامت الفتاة الصغيرة بحركة ‏الطي، أي نقل فن الزمن إلى بعدين”. ‏

وبهذه الطريقة، تجعل الورشة ذات الطابع الترفيهي التلاميذ يفهمون ‏الكثير من المفاهيم الرياضية من خلال الجسم. ويؤكد أحدهم أنه أحبّ ‏كثيرا هذه الطريقة، فيما يعلّق آخر: “كان الأمر أشبه بدرس رياضيات… ‏ولكن بطريقة أكثر حيوية”.‏

عندما تتراجع الفتيات ‏
وتوضح المديرة التنفيذية للمشروع ستيفاني أوديسيك أن استثمار 20 ‏مليون يورو لإنشاء “البيت الأكاديمي للرياضيات” يهدف إلى معالجة ‏‏”النتائج السيئة في الرياضيات لتلاميذ في أكاديمية كريتاي” حيث “لم يُجدِ ‏نفعا كون المعلمين متحمسين جدا”.‏

وسبق أن أقيمت في المكان ورشة عمل للمعلمين أحياها الباحث في علم ‏النفس الإدراكي باتريك لومير الذي درس دور العواطف في تعلم ‏الرياضيات، وأخرى للتلاميذ عن الفن المفاهيمي للرسام الفرنسي ‏البولندي رومانو أوباكلا، المعروف برسمه الأعداد الصحيحة بترتيب ‏تصاعدي.‏

وهي طريقة لتحبيب التلاميذ بالرياضيات من خلال الانفتاح الثقافي. ‏ويقول برييريه “نحن نُبيّن أن الرياضيات ليست شيئا مجرّدا، بل لها ‏تطبيقات من كل الأنواع، من الفنون إلى التشفير، وبالطبع في الطبيعة، ‏مثل لف قوقعة”.‏

ويهدف المشروع أيضا إلى التصدي لمسألة “عدم توجه الفتيات إلى مجال ‏العلوم في كثير من الأحيان”.‏

وكتب ستانيسلاس ديهاين في “فكرة في الرأس” ‏Une idée dans la ‎tête‏ “حتى بداية المدرسة، يكون لدى الصبيان والبنات الاستعداد نفسه ‏للرياضيات، وفي مرحلة الطفولة المبكرة فقط يقنع العديد من الأطفال ‏أنفسهم، ويا للأسف الفتيات خصوصا، بأن الرياضيات ليست لهنّ!”‏

ويرى عالم الأعصاب هذا خصوصا أن “القلق من الرياضيات الذي يشعر ‏به الكثير من المعلمين، معدٍ وينتقل إلى الفتيات بسهولة أكبر من ‏الفتيان”.‏

لكن في بانتان، خلال ورشة العمل، تؤكد إحدى التلميذات لوكالة فرانس ‏برس أن “لا أحد أكثر موهبة في الرياضيات، لا الصبيان ولا البنات، ‏الأمر يتوقف على التعلم”. وتضيف أنها لاحظت ذلك “ما إن بدأت ‏الدراسة، فالأولاد ليسوا ألمع!”.‏

بعد أشهر قليلة من افتتاح “بيت الرياضيات”، لا تزال ورش العمل نادرة. ‏‏”لكن الطموح خلال السنوات الخمس المقبلة لا يقتصر على إقامة سلاسل ‏محاضرات فحسب، بل يتمثل أيضا في أن يتولى المعلمون زمام هذه ‏الدورات لإنشاء أدواتهم التعليمية الخاصة”، بحسب أوديسيك.‏

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us