لبنان في “قطر”: شموخ فيروز وسقوط جبل بعبدا!
كتب طوني عطية لـ “هنا لبنان”:
في كل مرة تخرج فيها السيدة فيروز إلى الأنوار، تزيح عنا لدقائق، عتمات لبنان الكئيب، وتفضح في إطلالتها النادرة، ضوضاء المسؤولين السياسيين وثرثراتهم الصاخبة والفارغة من أي كلمة قد تُعيد الآمال للوطن الضائع، والخالية من أي صوت يصرخ في برية الدولة الفاسدة والمتهالكة.
من “استاد البيت” في قطر، وبمناسبة حفل افتتاح فيفا كأس العرب2021، الثلاثاء، ظهرت فيروز بأغنيتها “سنرجع يوما…” عبر تقنية “الهولوغرام”، لتشعل الدفء والحنين في قلوب جماهيرها عموماً، وتقدّم للبنانيين خصوصاً، ما تبقى لهم من رصيدٍ يفخرون به أمام الأمم والدول التي صار بينها وبين دولتهم، فوارق زمنية، يصعب فيها الرجوع إلى مصاف البلدان المبتكرة لصناعة الفرح في قلوب مواطنيها، رياضةً وثقافةً واقتصاداً وسياسةً…
فمن منّا لم تحاصره الغصة في عنقه، ولم تختلجه المشاعر المتناقضة في صدره بين الألم والسعادة، بين الدمعة والابتسامة، وهو يشاهد “سفيرته” إلى العالم عبر محطات التلفزة ووسائل التواصل الإجتماعي، ليقول معها ومن خلالها للقرية الكونية؛ أنظروا إلى هنا، “هنا لبنان”، هنا صورتنا ومثالنا، هنا رسالتنا للعالم.
في ملعب “استاد البيت”، كان لبنان الجريح والمستنزف، يأخذ استراحةً من حروب المنطقة وملاعبها، من شيطنة المتلاعبين بمصيره، الذين يقذفونه إلى مرمى النار والانهيار، رغم البطاقات الحمراء التي رفعها الشعب في وجههم، فلم ينسحبوا من الميدان ولم يتركوا لغيرهم المكان، ولم يحققوا الأهداف.
فموطن الأرز الذي تجلّى يوم أمس، فوق قمّة فيروزته، كان يعاني في مقلب آخر، حيث تابع اللبنانيون بخجل شديد، المقابلة التي أجرتها “قناة الجزيرة” القطرية، مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي بدا عليه التعب والصمت وقلة التركيز وعدم الاتّزان في الردّ على أسئلة محاوره، وضياعه في تحديد التواريخ، “فالجبل” الذي دأب مناصروه ومؤيدوه على وصفه ومناداته به، بدا هزيلاً ضعيفاً وبعيداً عن هيبة القادة ورؤساء الدول وجاذبيتهم وقوتهم.
تناسى هؤلاء الأتباع عن وعيٍ أو عن جهلٍ، أو نتيجة حبّ عبوديّ أعمى (المرض الفتاك الذي يضرب غالبية اللبنانيين السائرين خلف زعاماتهم)، حقّ العمر عليه، وبالتالي حق الدولة في أن يقودها من يستطيع تجديد عمرها وشبابها، لا أن تشيب وتهرم معه، الأمر الذي يطرح بجدية، الحالة الصحية والجسدية والنفسية، لكلّ مؤهلٍ أو مرشحٍ لتسلّم سدّة الرئاسة وكل الرئاسات ومواقع السلطة والمسؤولية في الدولة اللبنانية.
ما ظهر عليه الرئيس عون، لا يطال وضعه ومظهره الإعلامي فقط، وهذه ليست المرة الأولى التي يعاني فيها من صعوبات التواصل والكلام، بل يطرح جدوى فريقه الإستشاري الإعلامي والسياسي، والجريمة التي يرتكبونها بحق عون ولبنان، في ترويجهم إمكانية التمديد أو التجديد له منعاً للفراغ الرئاسي، ويضع تحت المجهر، مستقبل تياره والحالة العونية التي أنتجها قبل العام 2005، وجدّدها مع “التسونامي الإنتخابي” بعد عودته من منفاه الباريسي، فعون من دون “الكرسي” ومن خارج “بيت الشعب”، كان أقوى سياسياً وشعبياً، ومن دون “ورقة مار مخايل” والإنقلاب على مبادئه والخط السيادي، كان أكثر انتشاراً مسيحيّاً ووطنيّاً.
بين فيروز وعون، كان لبنان أمام امتحان الخيار والقرار، أمام الإشكالية التاريخية التي طرحها الشيخ بيار الجميل في النصف الثاني من القرن الماضي والتي لا تزال سارية المفعول حتى الآن: “أي لبنان نريد؟”
متى “سنرجع يوما” إلى لبنان كميل شمعون وفؤاد شهاب وبشير الجميّل؟ إلى افتتاح المهرجانات العالمية وإنشاء المؤسسات والإدارات الحديثة وعودة الأحلام بوطن مستقلّ، بلبنان قويّ، سيّد، خال من الفساد والاحتلالات؟
مع فيروز والمبدعين والأحرار… سيرجع لبنان يوماً إلى حالته الطبيعية، إلى هويته وثقافته وحضارته، إلى صيرورته وعلّة وجوده. إلى حقيقته، سيعود يوماً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ما في دولارات للقمح”… الأمن الغذائي أمام كارثة حقيقية وهذه هي الحلول! | في عيد مار مارون.. أين هم الموارنة اليوم؟! | العونيّون… من الفنيقيين إلى البعثيين؟ |