ليس نادماً واستقالته ليست مطروحة.. الأبيض لـ”هنا لبنان”: تعطيل الحكومة تعطيل للبلد بأكمله!
كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:
في الطابق الرابع من مبنى وزارة الصحة، ينتظرك الدكتور فراس الأبيض في مكتبه. للحظة تنسى أنّ الرجل غادر مستشفى رفيق الحريري وأصبح وزيراً، فهو ما زال يتعامل كما لو أنّه مديرٌ وطبيب، فتارةً يخرج من مكتبه محادثاً موظفيه دون أن يستدعيهم إليه، وطوراً يعود إلى المكتب كي يعمل بنفسه على ضبضبة الملفات والأوراق.
أثناء انتظارك، تُفاجأ بمواطنٍ يُهدّد بحرق نفسه دون أن تفهم تفاصيل المشكلة التي يحملها، يحاول من في المكتب تهدئته ومن ثمّ يتوارون جميعهم عن الأنظار، ليغادر الرجل نفسه بعد دقائق -وهو مرتاح البال – كأنّه ظفر بما جاء لأجله. فتستنج أنّ الباب ليس مغلقاً أمام أحد، وأنّ السائل “لم يُنهر”!
ما سردناه سابقًا، ليس تلميعاً، ولا الهدف منه الحديث عن “مثالية” فراس الأبيض، فالمثالية هي السمة الأبعد عن السلطة، ولكنّه مجرد عرض لمشاهد رافقت اللقاء!
اللقاء مدته ربع ساعة، هو الوقت الذي بادر الأبيض بتحديده لي فور دخولي إلى مكتبه، فوافقت على مضض، لأكتشف لاحقاً أنّ الحديث استغرق 26 دقيقة.
“الحكومة معطلة”، هل برأيك هذا منطقي في ظلّ الظروف التي نعاني منها؟ أسأل الأبيض. يبتسم، ليباغتني بسؤالٍ مقابل: من عطلّها؟ في إشارة إلى الثنائي الشيعي.
أوافقه، وأكرر السؤال، فكل من في الحكومة يتحمّل المسؤولية، ليؤكد: “تعطيل الحكومة هو تعطيل للبلد بأكمله. وكل القطاعات تتأثر بذلك، ولاسيما الصحية والحياتية، لذلك لا بد من إيجاد حلول والحل هو بإعادة دوران العجلة الحكومية”.
لا ينكر الأبيض أنّ لا ثقة من قبل المجتمع الدولي والجهات المانحة: “نحن اليوم نحاول استرجاع الثقة التي فقدناها. هل جهودنا لاستعادة الثقة إن من المجتمع الدولي أو الجهات المانحة كافية؟ حتى الآن من الواضح أنّ هذه الجهود ليست على القدر المطلوب وهنا أدعو الجميع أو لبذل الجهد أو لتصحيح المسار، فالمسار المتبع الآن وكما هو جليّ لم يصل إلى أي نتيجة”.
بعدما كان الجميع يثق بك، اليوم أنت في وزارة تتعرّض للكثير من الضغوطات، هل تشعر بالندم؟!
يصمت الأبيض قليلاً، ثم يقول: “هل كنت أتمنى لو كنت اليوم في بلد خليجي أو أوروبي، وعائلتي تعاني هنا، بالطبع لا. مكاني الطبيعي هو بين أهلي ومجتمعي، وهل العبء كبير في وزارة خدماتية لا أموال فيها، بالطبع. نحن اليوم مثل الذي يخوض المعركة دون أيّ سلاح، ولكن لا حل إلاّ ببذل كل الجهود لخدمة المواطنين”.
لا يتشاءم الأبيض من المقبل، فيعتقد أنّ الأزمة لن تستمر وأنّ الأسابيع المقبلة لا بد وأن تشهد حلولاً. وعند سؤاله عن إمكانية الاستقالة في حال لم ينفرج الوضع الحكومي، يجيب: “هذا السؤال يجب أن يوجه أولاً إلى كل الطاقم الموجود، ولكن بالمبدأ يجب على الجميع البحث عن حلول وعدم الانسحاب عند أوّل مشكلة، أجل الظروف صعبة والمسؤوليات كبيرة، ولكن لا بدّ من إنجاح العمل”.
صرخات الناس الموجعة، يتفهمها الأبيض جيداً، فـ “هناك ناس موجوعة، وجزء من وجعها متعلق بالقطاع الصحي وأنا أتفهمهم، وأتفهم كل ما يصدر عنهم”، إلى ذلك لا ينفي أنّ بعض الحملات ممنهجة، ولغايات يفضل عدم الخوض بها.
صحياً، أو “كورونياً”، يعترف الأبيض أنّ الوضع خطير جداً، رابطاً ارتفاع الإصابات بموسم الشتاء، انخفاض نسبة الإقبال على التلقيح، فتح المدارس، وعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية، وموضحاً أنّ الوضع ليس “لبنانياً” فقط، بل هو يشمل كلّ دول الجوار.
ولا ينكر الأبيض أننا على شفير موجة جديدة، معلّقاً: “حتى في ظلّ الأرقام الحالية، الوضع غير مطمئن، فالمستشفيات منهكة ومتعبة وليست قادرة على الاستيعاب”.
الأبيض الذي تحدّث عن الاشتباه بحالتي إصابة بفيروس “أوميكرون”، أكّد أن لا توّجه إلى إقفال المطار، سائلاً: “أي بلد في العام أغلق المطار؟ إغلاق المطار ستكون له تداعيات ضخمة وخاصة في لبنان وفي ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة. ولكن هناك إجراءات عدّة في المطار سيتم اتخاذها في القريب العاجل من بينها تخفيض مهلة الـ pcr للوافدين إلى 48 ساعة”.
وفيما يشدد الأبيض على أهمية التلقيح، يوضح أنّ الأهم فيما يتعلق بأرقام العناية الفائقة والثابتة تقريباً عند عتبة 286 شخصاً، هو عدم ارتفاع العدد، مشيراً إلى أنّ 78% من هؤلاء هم من غير الملقحين.
في السياق نفسه يطمئن إلى عملية تخزين وتبريد اللقاحات، فهناك مراقبة عالمية لهذا الموضوع، أما عن موضوع البترون واللقاحات المغشوشة فيوضح أنّ اللقاحات لم تعطَ في المراكز بل في كافيتريا، والموضوع أمام القضاء، وعلى المواطن أن يكون واعياً أيضاً وألا يأخذ اللقاح خارج المراكز المعتمدة.
أما عن ملف الأدوية، إن أدوية الأمراض المستعصية والسرطان التي حظيت بدعم كامل، أو المزمنة والتي دعمت جزئياً، أو الأدوية التي رفع الدعم عنها بشكل كامل، فللأبيض حديث مطوّل، يبدأه بالقول: “نحن انتقلنا من مرحلة عدم توفّر أيّ دواء سرطان، إلى وجود الأدوية ولكن هناك تأخير يحصل في بعض الحالات بسبب عدم توفر الأموال التي تتيح لنا شراء الأدوية التي نحتاجها لأكثر من شهر أي تخزينها تجنباً لأي تأخر. اليوم هناك 95% من مرضى الأمراض المستعصية والسرطان يحصلون على أدويتهم، هناك 5% يجب العمل عليها، هذا الأمر محسوم، ولكن لا يجب أن ننسى أنّ كل ما نقوم به هو ضمن إمكانياتنا المتواضعة”.
وفيما يتعلّق بالـ panadol والـ Antibiotics، والتي يحتاجها العديد من المواطنين وأصبحت عصية على الفقراء، يوضح الأبيض أولاً أنّ رفع الدعم عنها سبق وصولها إلى الوزارة، مشيراً إلى وصول 97 طن من هذه الأدوية مؤخراً إلى وزارة الصحة، وهي متوفرة لجميع المرضى في مراكز الرعاية الصحية، كما هناك الأدوية الوطنية البديلة وأسعارها مقبولة، ويمكن لمن لا يريد الذهاب إلى مراكز الرعاية شراؤها.
وعن الفحوصات المخبرية المدعومة بنسبة 65%، والمستشفيات المتعاقدة مع وزارة الصحة بنسبة 90%، وكيف تفرض بعض المستشفيات والمختبرات على المواطن دفع الفارق بالدولار الفريش، يقول الأبيض: “بالنسبة للفحوصات المخبرية باتت الأدوية تصل مؤخراً إلى المختبرات، وهي مدعومة، أما المستشفيات، فنحن عقدنا مؤخراً اتفاقية مع البنك الدولي، وبات بموجبها يدفع للمستشفى 3 أضعاف الفاتورة، وهذا يغطي فروقات المختبرات والمستشفيات”.
ويدعو الأبيض المواطنين الذين تطالبهم المستشفى أو المختبر بدفع الفارق بالدولار، مراجعة وزارة الصحة، التي ستحقق بالموضوع وقد يصار إلى فسخ العقد مع الجهة المدعى عليها إن ثبت الأمر.
وفيما يرفض الأبيض استغلال الأجانب، ويدعو من تعرّض لأي حالة استغلال أن يبلغ الوزارة، يوضح في المقابل، أنّ السائح الطبي لا يمكن أن يستفيد من الدعم الذي يتم تأمينه من أموال اللبنانيين، متسائلاً: “اللبناني الذي يذهب إلى أميركا أو بريطانيا للعلاج، هل يتلقى العلاج على حساب الدولة؟ بالطبع لا. لذلك لا يمكن أن يطلب السائح الطبي منّا أن نعالجه بالسعر المدعوم”.
إلى ذلك لا يتخوّف وزير الصحة من مسألة إغلاق المستشفيات الخاصة، معتبراً: “هذا الأمر طبيعي، ففي مرحلة الانكماش الاقتصادي تغلق الكثير من المؤسسات، أما على صعيد المستشفيات الخاصة ففي مناطق معينة كان هناك مستشفيات أكثر من الحاجة. في منطقة بيروت وجبل لبنان مثلاً كان هناك الكثير من الأسرة بسبب السياحة الطبية. اليوم السياحة الطبية ضعيفة والمواطن لم يعد بمقدوره الدخول إلى مستشفى خاصة، لذا فإنّ عدم استمرار هذا البينزنس طبيعي، في المقابل المستشفيات الحكومية لم تغلق، بل نعمل على توسعة الكثير منها بسبب ارتفاع نسب الإقبال عليها”.
أما عن موضوع هجرة الأطباء، فيوضح الأبيض أنّ السبب ليس مادياً فقط، وإنّما هو وضع البلد بشكل عام وفقدان المقومات الأساسية، موضحاً أنّهم وصلوا في الاتفاق الذي عقد مع البنك الدولي على رفع “cas” الطبيب من 7500 إلى 26250 ل.ل. بمعنى آخر الطبيب الذي كان يتقاضى على العملية 300 ألف أصبح يتقاضى عليها 1150000″.
في المقابل يعتبر الأبيض أنّ الطب رسالة، وأنّ من درس هذه المهنة، درسها لخدمة المجتمع لا لكسب المال، داعياً في الختام اللبنانيين إلى التلقيح، فالمتحوّر الجديد قد يكون مؤذياً، كما شدّد على أهمية أخذ الجرعة المعززة أي الثالثة بعد خمسة أشهر من الجرعة الثانية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
أين لبنان؟.. يا فيروز! | سليم عياش.. “القاتل يُقتل ولو بعد حين”! | نعيم قاسم “يعلّم” على الجيش.. الأمين العام “بالتزكية” ليس أميناً! |