أطباء “مستشفى الشرق” يهجرونه.. أبو شرف لـ “هنا لبنان”: الأمن الصحي بخطر… والحل بإجراءات تحفيزية
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان” :
“مستشفى الشرق” يخرج “عن الخدمة” وأطباؤه يهجرونه تحت وطأة أزمات متلاحقة، بعد أن كان لبنان لعقود مضت قبلةً للباحثين عن العلاج الطبي مع تميّزه بأفضل العاملين في مجال الرعاية الصحية في الشرق الأوسط.
منذ بداية الأزمة الاقتصادية في العام 2019 ومن ثم انفجار مرفأ بيروت، ولبنان يفقد الأطباء المختصين، حوالى 2500 طبيب من أصل 15 ألفًا تركوا لبنان في الفترة الأخيرة، في ظاهرة لم يشهدها لبنان حتى خلال سنوات الحرب الأهلية.
دول الخليج تشكّل وجهة رئيسية للأطباء بالإضافة إلى دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا.
بين عجز ويأس، كان خيار الهجرة الصعب لأطباء وجدوا أنفسهم مع عائلاتهم أمام حائط مسدود في بلد يحكمه مسؤولون “لا يعلمون معنى المسؤولية واتخاذ القرارات” على حد تعبير الدكتور جو مخلوف وهو أخصائي جهاز هضمي، كان قد تخصص وعاش لمدة 12 عاماً في بلجيكا ثم عاد إلى لبنان ولم يتوقع يوماً بأنه سيعود إلى بلجيكا بعد 26 عاماً من العطاء في بلده، وأن يقول يوماً: “بيكفي 26 سنة من عمري قضيتهم بلبنان”.
كغيره من الأطباء الذين هاجروا، اصطدم مخلوف بواقع تدهور قيمة الليرة اللبنانية في وقت يكمل أولاده دراستهم في الخارج وعليه تأمين الدولار لإرساله إليهم.
وليس بعيداً عن الأزمة الاقتصادية، واقع القطاع الصحي ككل، إذ يشير مخلوف إلى “أن الطبيب في لبنان يرزح تحت رحمة الجهات الضامنة من شركات تأمين والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي… منتظراً إياها أن تقرر إذا كان يحق له أن أطلب فحصاً معيناً لمريض أم لا، أما في اوروبا فلا تدخل في عمل الطبيب ولا بقراراته. هذا نوع من الإذلال”.
يضاف إلى عدم الاحترام الذي يشعر به الطبيب في لبنان، قضية الحصول على الحقوق كبدل الأتعاب، وهنا يشير مخلوف إلى أنه “حتى الآن وبعد عام من مغادرته لبنان لم يستحصل على الفواتير كلها”.
مخلوف عينة من الأطباء الذين غادروا، ولا ينوي العودة إلى لبنان، يحمل الجنسية البلجيكية إلا أنه تسجل للتصويت في الانتخابات النيابية اللبنانية لسبب واحد كما يقول: “لمعاقبة المنظومة الحاكمة في صناديق الاقتراع والتصويت ضدها حتى لو كنت أعلم إمكانية عدم وصول البديل، سأنتخب فقط كي أظهر للطبقة السياسية الحاكمة أنها لا تمثلني”.
أطباء لم يغادروا بعد يروون لـ “هنا لبنان” معاناتهم اليومية وتعرضهم لمواقف صعبة بسبب عدم القدرة على مساعدة بعض المرضى الذين لا يستطيعون تطبيق العلاج نتيجة نقص الموارد الطبية أو عدم قدرتهم على دفع الأموال المطلوبة لذلك، والتأخير بدفع الأتعاب وغيرها من المصاعب.
أمام هذا الواقع الذي يهدد بانهيار القطاع الصحي، حذر نقيب الأطباء في لبنان البروفسور شرف أبو شرف في اتصال مع “هنا لبنان” من تدني المستوى الصحي إذا ما استمرّ هذا النزف داعياً المعنيين إلى تحفيز الأطباء للبقاء في وطنهم. وقال: “فقدنا حوالي 20 بالمئة من الجسم الطبي المختص والقسم الأكبر منهم من المستشفيات الجامعية، من ذوي الاختصاصات والكفاءات العالية، وكل مستشفى جامعي خسر ما بين المئة إلى مئة وخمسين طبيباً”.
أبو شرف أكد أنّ “عوامل عديدة ساهمت في اتخاذ الأطباء قرار المغادرة، من بينها التعرفة الهزيلة بعد تدني قيمة الليرة، إضافة إلى مدخراتهم العالقة في البنوك ولا قدرة لديهم على استعمالها لا في لبنان ولا في الخارج حيث يكمل أولادهم الدراسة”.
عدم تطبيق قانون فصل الأتعاب، من الأسباب التي عددها أبو شرف “فالطبيب لا يتقاضى بدل أتعابه مباشرة من الجهات الضامنة إنما عبر اللجان الطبية بعد عام أو عامين باستثناء وزارة الصحة التي تدفع لهم مباشرة ولكن أيضاً متأخرة، وتعطي بعض الجهات الضامنة حججاً واهية كالضمان الذي يتذرع بأن لا مكننة لديه”. ورأى أنّ ” هناك من يستفيد من عدم تطبيق القانون والتأخر في دفع الأتعاب للحصول مثلاً على الفوائد”.
نقيب الأطباء لفت إلى “أن الطبيب يبلغ سن التقاعد من دون ضمان صحي ولا حتى حماية اجتماعية، يضاف إلى ذلك التعديات التي يتعرض لها أثناء قيامه بواجبه المهني”.
وتطرق أيضً إلى هجرة الممرضات والممرضين بسبب رواتبهم التي تتراوح ما بين الـ 40 دولارًا والمئة دولار كحد أقصى.
لكل هذه الأسباب لا يجد الطبيب أي حلّ سوى بمغادرة لبنان، ولأن الكارثة ستحل حتماً إذا ما استمر الواقع على ما هو عليه، دعا أبو شرف إلى “إعادة النظر بالنظام الصحي ككل من خلال حوار بين جميع المعنيين في القطاع العام والخاص لوضع استراتيجية توقف النزيف الحاصل لمصلحة البلد والمريض و العاملين في القطاع الصحي.”
المطلوب اليوم من المسؤولين بحسب أبو شرف “دعم الطبيب مادياً فمن حقه تقاضي الأجر المناسب وربطه بمؤشر غلاء المعيشة ودفعه مباشرة له ضمن مهل زمنية لا تتعدى الثلاثة أشهر، لا كما يحصل الآن أي بعد سنة أو سنتين من إجراء العمل الطبي “ولأن الأزمة الاقتصادية ترخي بظلالها على الجميع فإن “الدعم المالي الخارجي ضرورة للصمود” وتحفيزهم على البقاء عبر تقديمات اجتماعية وتسهيلات مصرفية.
كما يحتاج الطبيب “إلى ضمان أمني في ظل تكرار التعديات على الأطباء أثناء قيامهم بواجبهم المهني وقد أقر أخيراً قانون حماية الأطباء والعاملين في القطاع الصحي”.
أما المشكلة الأساسية بالنسبة لنقيب الأطباء “بعد انتهاك حقوق الاطباء مراراً وتكراراً والالتزامات مع الجهات الضامنة الرسمية والخاصة، هي مشكلة أخلاق وانعدام الشفافية”.
وتوجه إلى المعنيين بالقول “البلد بلدنا، علينا أن ننهض به ونبقى فيه. لبنان كان “مستشفى الشرق” وبإمكانه أن يعود الى سابق عهده بتعاوننا جميعا”.
لا شك أن الهجرة حالياً ليست ناتجة فقط عن الأزمة الاقتصادية، بل أيضاً بسبب اليأس من طبقة سياسية لم تتخذ حتى اليوم قرارات صائبة، وإن استمرت الأمور بالوتيرة نفسها سنصل حتماً إلى كارثة في القطاع الصحي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |