انفصام اقتصادي أم رخاء؟ أهلاً بكم في لبنان!
كتبت فاتن الحاج حسن لـ”هنا لبنان”:
للوهلة الأولى عند قراءة أيّ عنوانٍ اقتصاديٍّ نفسي متداخل كهذا، لا بدّ أن يذهب تفكيرنا إلى البحث في ماهية العلاقة بين الجانبين الاقتصادي والنفسي، وللوقوف على هذه العلاقة لابد من الوقوف على الواقع الاقتصادي في لبنان، ما له وما عليه، وعلاقته بالفصام، المرض النفسي المعروف الذي يصيب الشخصية، فمريض الفصام يخرج عن الواقع من خلال الهلوسات والاضطراب البالغ في التفكير والسلوك، أما الانفصام الاقتصادي في لبنان فهو على مستوى المجتمع.
كلّ مساء، تطالعنا النشرات الإخبارية بمقدمات منمقة عن وصف الحالة الاقتصادية في لبنان، فمن سعر صرف الدولار إلى الأزمات التي يعاني منها البلد، كالكهرباء والماء وأسعار الوقود الغاز المنزلي، فضلاً عن السجالات السياسية التي تمعن في إلقاء التهم يمنةً ويسرةً، والمقولة التي تبرئ صاحبها: “ما خلونا”، والتكرار في الوعود التي تربت عليها أجيال، والتي صارت أشبه بكذبة قديمة متجددة.
على الرغم من هذا الواقع الذي يعيشه لبنان من أزمات وضغوط اقتصادية إلا أنه وفي المقلب الآخر وعلى الأرض، نرى كأن لا تأثيرًا كبيراً للأزمة الاقتصادية على الصعيد العام، بدءًا بالبنزين الذي لامس سعر صفيحته الـ 325 ألف ليرة، وعلى الرغم من هذا السعر المرتفع للبنزين ترى حالة الازدحام على المحطات، فمن أين يؤتى بالبنزين، أو بثمنه؟
والبنزين ليس الحالة الوحيدة فقط، وإنما المطاعم أيضاً. ففي مقابلة مع صاحب أحد المطاعم الراقية في منطقة جبيل، أوضح لنا مدير المطعم أن الحركة السياحية في المنطقة لم تتغير بشيء يذكر عما قبل، فمن عدد الزبائن فضلاً عن ساعات الإشغال الكاملة للمطعم، كما هو معروف بأن الكثير من المطاعم لديها “وقت ذروة” للعمل بطاقة استيعابية كاملة، أوضح مدير المطعم أنّ وقت الذروة يمتد إلى ست ساعات وسطياً.
كذلك مطعم شمس في عنجر، أحد أهم مطاعم لبنان، فلم يشهد تراجعًا يذكر في رواده، بحسب أحد موظفيه، والسؤال هنا أين هي الأزمة الاقتصادية التي تدأب النشرات الإخبارية على تسليط الضوء عليها، على الرغم من ملامسة سعر صرف الدولار الأمريكي الواحد 28 ألف ليرة لبنانية، إلا أن هذا الأمر على ما يبدو لم يؤثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية، السبب الأساسي يعود إلى أن مداخيل اللبنانيين عموماً هي غير مرئية وهناك تنوع في مصادر هذه المداخيل.
فعلى الرغم من التركيبة الطائفية للبنان، إلا أنه يجتمع في شيء آخر وهو انتشار المغتربين من جميع الطوائف اللبنانية، حول العالم، ويساهم هؤلاء في رفد الاقتصاد اللبناني المتهالك نتيجة السياسيات الاقتصادية المتتالية ما بعد انتهاء الحرب الأهلية سنة 1990.
فإلى جانب حوالات المغتربين، لعب القطاع السياحي دوراً في ازدهار لبنان اقتصادياً منذ نشوئه بسبب ما يتمتع به، من مقومات كبيرة، وعلى ذلك،يمكن القول بأن الوضع الاقتصادي في لبنان مستقر نسبياً إلا أنه متأرجح بين منطقة وأخرى وشخص وآخر نتيجة للفوارق الطبقية بين من لديهم مغتربين من عوائلهم يدعمونهم شهرياً أموالاً بالعملة الصعبة، وبين من ليس لديه أحد في الخارج، ويعتمد فقط على عمله وغالباً ما يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية، وغالبية هؤلاء يتوزعون على الوظائف الحكومية وسائقي الحافلات وسيارات الأجرة، والتجار وغيرها من القطاعات.
في المحصلة، يعتبر الاقتصاد اللبناني من الاقتصادات الصامدة في وجه الأزمة المالية، فضلاً عن ارتدادات جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على المجتمع اللبناني، وخصوصاً على ذوي الدخل المحدود. وكما أشرنا أعلاه، وفي الوقت الذي عانت فيه أكبر الاقتصادات العالمية من ارتدادات قوية نتيجة جائحة كورونا، فيمكن القول بأنّ الاقتصاد اللبناني نموذج يحتذى به من حيث الصمود في وجه الأزمات، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن بعض دول الجوار اتبعت من حيث تدري أو لا تدري النهج اللبناني الاقتصادي القائم على أموال المغتربين. الأمر الذي جعل النموذج اللبناني ناجحاً من حيث المبدأ، نظراً للحالة التي يمكن رؤيتها بأم العين في كافة المناطق اللبنانية، إلا أنه فاشل من حيث المضمون.
وفي نشرات الأخبار، يغيب الرخاء الاقتصادي البارز في المحلات والمطاعم التي غالباً ما تكون ممتلئة في معظم المناطق اللبنانية وخاصة من الحمرا مروراً بالخط البحري وصولاً إلى جبيل والبترون شمالاً.
وفي المقابل، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي: “إنّ زحمة السير في لبنان ليست ازدهارًا وبحبوحة، بل هي زحمة عيد فقط”. فيقول لـ “هنا لبنان” إنّ “أقل سلعة اليوم هي باهظة الثمن وهناك تراجع دراماتيكي للاستهلاك وتراجع في القدرات الشرائية للأجور الفردية والمداخيل الأسرية”. كما أفاد أن الانهيار ليس سببه اللبناني، بل ما قام به الإداريون وأصحاب القرار الذين قضوا بضربة قاضية على مستوى الحياة في لبنان”.
وبسؤاله إذا ما كانت أموال المغتربين تساهم بالتخفيف من الأزمة، أجاب الدكتور يشوعي: “كلا، لأنّ التحويلات في الماضي كانت وفيرة وتمكّن أهالي المغتربين من إيداع الفائض من التحويلات في البنوك. أما اليوم فقد أصبحت التحويلات من الخارج زهيدة وتستهدف الاستهلاك المباشر والضروري”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي | فؤاد شهاب .. “الرئيس القائد”! | متلازمة الفيبروميالجيا: الأسلوب الأفضل للعلاج |