بين الأمل والمأمول: التغيير في صناديق الاقتراع… مكانك راوح!
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
“الأمل في التغيير” هو الهدف المنشود لكلّ من سيُدلي بصوته في الانتخابات النيابية التي ستدور رحاها في 15 أيار 2022. ربما لا تنسى شريحةٌ من اللبنانيين أنّ اليأس مثل الأمل يصنع التغيير أيضاً، فكلاهما صنعا التّقدّم والحضارة اللبنانية.
وإذا كانت آخر مؤشّرات الفقر تجلّت بالأمس بطلب بعض المستهلكين 2 أو 3 كيلو غاز في القارورة (سعة 10 كيلو) للطبخ فقط، قائلين وداعًا للتّدفئة، فإنّ هذا لا يغيّر من معادلة الأمل شيئًا.
فالأمل ليس هاجسًا، بل هو مبدأٌ أخلاقيٌّ موضوعيٌّ فاعلٌ في كلّ معادلات التّغيير وبناء الأمم عبر التّاريخ، والشواهد التاريخية والنفسية تدفع باللبناني وبالشعب اللبناني إلى الأمل بعد اليأس ليصنع تاريخًا جديدًا، لكن يبقى دون تحقيق ذلك عقباتٌ ومواجهة تحدّياتٍ على نحوٍ جديدٍ وغير متوقّع.
فهل اللبنانيين أفرادًا وجماعات مستعدّون لتحقيق ذلك؟
بدايةً علينا العودة إلى شعار “كلّن يعني كلن” الذي شكّل أبرز شعارات ثورة 17 تشرين، شعارٌ لا يستثني أحدًا من القادة والزعماء السياسيين، وتعلّق الدكتورة في علم الاجتماع مي مارون لـ “هنا لبنان”: “بالطبع لدى النّاخب اللبناني الحرّيّة في الاختيار لكنّ السّؤال هو: هل يفكّر بحريّةٍ أو بمصلحة؟”، مؤكّدةً أنّ الغد هو الذي سيسمح لنا بالحكم على إذا ما كان اللبناني يتمتّع فعلًا بحرّيّة اختيار مرشّحيه.
ويُعدّ مبدأ حريّة التّصويت، أحد أهمّ المبادئ الدستوريّة الّتي تحكم نزاهة وشفافيّة الانتخابات النيابيّة، وبموجبه يحقّ لكلّ ناخبٍ اختيار مرشّحه الّذي يريده والقائمة الّتي يقتنع بها من دون ممارسة أيّ نوعٍ من أنواع الضّغوطات الانتخابية عليه، والّتي تؤثّر في إرادته وتعيق حريّته في التصويت.
وهنا تبدي مارون أسفها، معتبرة أنّ الضّغوطات الانتخابيّة المرجّح حصولها ليست واحدةً، بل تتنوّع وتتعدّد باختلاف الأزمنة والتطوّرات السياسيّة، إذ “لا يزال لدى بعض الأحزاب اللبنانية نوعٌ من الديكتاتورية والترهيب وتهديد قسمٍ من الناخبين بلقمة عيشهم ومصالحهم والطرد من العمل على أبواب الانتخابات، ما يثير الخوف لديهم خصوصًا في ظلّ الظروف البالغة الصعوبة التي يعاني منها معظم اللبنانيين “.
في مقاربتها لـ “الأمل في التغيير” تصف الفكرة بالصعبة، مرجّحةً إعادة انتخاب الطّبقة السّياسيّة نفسها مع تعديلاتٍ طفيفةٍ لصالح قوى التغيير، وتعزو ذلك إلى افتقار اللبنانيين إلى التربية على الثورة والتمرد منذ العام 1943 في هذا البلد الصغير، حيث كانت التربية “بطريركية جدًّا” بمعنى أبوية.
“فالزعيم هو البيك وهو من يحمينا، هو أبونا الذي يؤمّن لنا كلّ شيء، ومن هنا جاء شعار “بيّ الكل” الذي أطلقه التيار الوطني الحر على الرئيس عون، والتسميات تنسحب على بقية الزعماء والقادة السياسيين”. لتسأل: “كيف لمناصري ومؤيّدي الأحزاب أن يتجرّأوا على ضرب ” التابو”، أي زعيمهم في السلطة، بعرض الحائط؟ لم نرهم يفعلون ذلك، على الرغم من أنّ معظمهم، كما معظم اللبنانيين، يلعنون قسوة الحياة ألف مرّةٍ يوميًّا”.
وفي الحقيقة، ما يهمّ الأحزاب هو النّاخب اللبنانيّ وليس أيّ شيءٍ آخر، فالأوهام هي التي تجعل الحياة أمرًا يمكن احتماله، لذلك يكره الناس الحقائق لأنها تبدّد الأوهام، وتضعهم أمام مرارة الواقع، إلّا أنّ اللبناني لا يزال مستعدًّا لتحمّل الفقر الذي أصابه بالعمق مقابل المحافظة على تأييده لزعيمه السياسي عبر إعادة انتخابه.
وهكذا تمضي المعادلة الطائفية الحاكمة كعادتها في تحصيل الامتيازات والتغوّل على الوطنية والمواطنة لضمان ديمومتها. وإذا كانت الانتخابات النّيابية والرئاسية في ظروف التأزّم تشكل مخرجاً من الأزمات باتجاه التغيير السلمي واستعادة الاستقرار، إلا أنّ هذا الأمر لا ينطبق على لبنان. والشاهد الحاضر على ذلك هو الطائفية الباقية في لبنان بأوجهٍ متعدّدةٍ أقلّه بعد مرور أربع دوراتٍ انتخابيةٍ نيابيةٍ.
وإذا ما بقي اللبنانيّ يفكّر بمصلحته القائمة أوّلًا على الولاء للزّعيم، وليس للوطن ولا بحريته، فإنه سيبقى رهينة هذا الحاجز الفكريّ، الّذي سيحول دون تحقيق التغيير المأمول في الانتخابات.
فدولة المؤسسات تقال ويُكتب عنها وتدرسها مراكز التحليل العلمي، لكنّها نظرياً موجودة، أمّا عمليًّا فهي حلمٌ طويلٌ لعالمٍ ينام طويلاً على مرقدٍ من شوك. وليتوقف اللبنانيون بغالبيتهم من الإكثار من التذمّر والشكوى من سياسييهم.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |