نتائج مفاوضات فيينا: فشلها أو نجاحها يؤكّدان على سيطرة إيران على القرار اللبنانيّ
كتبت ريما داغر لـ “هنا لبنان”:
عُقد اتّفاقٌ بشأن البرنامج النووي الإيراني عام 2015، بين إيران والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا والصين. ويقضي الاتّفاق بمراقبة برنامج إيران النوويّ من قبل الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة، وعدم السماح لها بصناعة قنبلةٍ نوويّة. كما تتعهّد إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67% وألّا يتجاوز مخزونها من اليورانيوم 300 كيلوغرام لفترة 15 عاماً، فتُرفع بعدها العقوبات الأميركية والأوروبية عن إيران، مع تعهّد هذه الدول بعدم فرض عقوباتٍ جديدة.
مرّت المفاوضات بشأن الاتّفاق النووي بفترات انقطاعٍ خاصّةً بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتّحدة الأميركية، حين انسحب العام 2018 منها، وفرض عقوباتٍ جديدةً على إيران تتعلّق بنشاطها في الشرق الأوسط وبحقوق الإنسان والإرهاب.
وبعد مغادرة ترامب الرئاسة، بدأت محاولاتٌ جديّةٌ من قبل الدول الموقّعة على الاتّفاق من أجل إنقاذه، واستؤنفت مفاوضات فيينا من جديد.
ومؤخّراً، أكّدت القوى المنخرطة في مفاوضات فيينا للوصول إلى اتّفاقٍ بينها، والتي عقدت دورتها الثامنة في شهر كانون الأول 2021، على رغبةٍ في الاستمرار بالمفاوضات في العام 2022، خاصّةً وأنّ إيران تريد رفع العقوبات عنها وفكّ أسرها اقتصاديًّا، وهذا ما أعلنه وزير خارجيّتها “أمير عبد اللهيان” الذي أكّد، قبيل انطلاق الدورة الثامنة من المفاوضات، على أهميّة الوصول إلى نقطةٍ يمكن لإيران من خلالها التحقّق من أنّ نفطها سيُباع بسهولةٍ من دون أيّ مانع، وأنّ الأموال لقاء هذا النفط ستحوّل بالعملات الأجنبيّة إلى حساباتٍ مصرفيّةٍ تابعةٍ لإيران، فيمكنها الاستفادة من كل العوائد الاقتصادية في قطاعاتٍ مختلفة.
وكان كبير المفاوضين الإيرانيين “علي باقري” قد أكّد على أنّ المحادثات تجري في فيينا بشكلٍ جيّد، وأن إيران ستعود عن إجراءاتها النوويّة بعد التحقّق من رفع العقوبات عنها.
وقد أظهر المشاركون كافّةً رغبةً في إحراز تقدّمٍ في المفاوضات خاصّةً بعدما صرّح به “إنريكي مورا”، منسّق الاتّحاد الأوروبي بأن: “المهمّ هو تسريع وتيرة القضايا الرئيسة بالعمل عن كثبٍ مع الولايات المتّحدة”.
تنتظر الأطراف الموالية لإيران والمعارضة لها هذه المفاوضات، وتترقّب انعكاساتها على دول الجوار والتي لإيران اليد الطولى فيها، كلبنان عبر “حزب الله” الذي يشكّل الأداة الفعّالة لسياسة إيران في الشرق.
ولكن كيف ستُترجم نتائج الاتّفاق النوويّ الإيرانيّ على الداخل اللبنانيّ؟
يرى مراقبون أنّ النتائج تتوقّف على احتمالين:
فشل المفاوضات، وهذا ما سيدفع إيران إلى التشدّد أكثر، والسعي إلى الإمساك بقوّةٍ بالأوراق التي تملكها، لا سيّما على السّاحة اللبنانية وتوظيفها سياسيّاً واقتصاديًّا وعسكريًّا. وقد يندفع “حزب الله” من خلال فائض القوّة إلى خلق توتّراتٍ في الداخل وعلى الحدود، وتحريك الشّارع للضّغط على خصومه، ورفع مطالب سياسيّة متقدمّة: المطالبة بالمثالثة، إيجاد منصب نائبٍ للرئيس يُسند إلى شيعي، أو عرقلة بعض الاستحقاقات القادمة.
أما في حال نجاح المفاوضات، فإنّ إيران ستكون في موقع “المنتصر” إذ تُرفع العقوبات عنها، وتتحرّر إلى حدٍّ بعيدٍ من الضّغوط عليها، وتنخرط بحريّةٍ أكبر في أيّ مفاوضاتً تتعلّق بدورها الإقليميّ وبرنامجها حول الصّواريخ الباليستية. وقد ينعكس الأمر على لبنان عبر حلحلاتٍ لاستحقاقاتٍ حكوميّةٍ وانتخابيّةٍ وبعض الملفّات من هنا وهناك، مع الحفاظ التامّ على سيطرة إيران التامّة في الداخل اللبنانيّ عبر حليفها “حزب الله”. كما ومن الممكن أن يؤثّر نجاح المفاوضات ما بين إيران والولايات المتّحدة الأميركية على انفتاحٍ إيرانيٍّ- سعوديٍّ يُترجم في عودة السّعوديّة إلى لعب دورٍ “بسيطٍ” في لبنان يقتصر على اختيار رئيس الحكومة وإعادة النشاط الاقتصادي إلى ما كان عليه.
إذاً، في كلتا الحالتيْن، يبقى لبنان هو الخاسر الأكبر في حال فشل المفاوضات أو نجاحها بما أنّه رهينةٌ لدولةٍ خارجيّةٍ، فاقدٌ للسيادة والاستقرار، وليس له أيّ دورٍ في صناعة قراره وتحديد مصيره. وإنّ أيّ حديثٍ عن إيجابيّاتٍ بشأن المفاوضات ليس سوى وهمٍ ومخدّرٍ للأزمة العصيبة التي يعيشها لبنان من جرّاء احتلاله التام. وهذا يفرض على القوى السياسية المناوئة لها، أن تضع استراتيجية مواجهة، منسقّةً فيما بينها على المستوييْن النّظري والعملي، من أجل الحدّ من هيمنة إيران على القرار السياسي اللبناني، وتوظيفه في اتّجاهاتٍ تتعارض مع المصلحة اللبنانية، وتمنع توريط لبنان في لعبة المحاور أكثر فأكثر، وجرّه إلى نزاعاتٍ تزيد من حدّة الأزمات التي يواجهها.