أسياد… وعبيد!
كتبت رولا حداد لـ “هنا لبنان” :
في تعريف رئيس كتلة نواب “حزب الله” الحاج محمد رعد أن في لبنان أسياداً… وبالتالي ثمّة عبيد فيه. ويُفاخر رعد بأنهم، أي جماعة الحزب ومناصروه، هم أسياد هذا البلد، ويصبح بالتالي الآخرون بنظره العبيد.
للأمانة، ولضرورات البحث فقط، قد تصحّ نظرية النائب محمد رعد بأن ثمة عبيداً في البلد. والعبيد هم من يخضعون لـ”سيّدٍ” ما لأن الحرّ لا سيّد عليه. والعبد هو من يولّي على نفسه ولياً، إن كان فقيهاً أو غير فقيه، لأنّ الأحرار هم أسياد أنفسهم ولا سيّد عليهم وعلى قرارهم.
لربما مشكلة مسؤولي “حزب الله” في محاولة ادعاء ما ليسوا عليه لناحية محاولة تصوير أنهم “أسياد” في هذا البلد أو عليه، تعود إلى واقع الحزب الديني وإيمانه وخضوعه لولاية الفقيه. فبحسب تأكيدٍ للسيد حسن نصرالله فهو ومؤيدوه يؤمنون بـ”الولاية” حتى بطريقة مختلفة عن كثير من الإخوان في إيران. ويشرح: “إذا أمر ولي الأمر بأمر يجب أن نطيعه فنطيعه. إذا نهى يجب أن ننتهي وننتهي. ولكن نحن من خلال معرفتنا بمبانيه وأصوله ومزاجه وكيف يفكر وما يسعده وما يُغضبه، نجلس عندما ندرس مسألة من المسائل، وعندما نحتمل ويكفي أن نحتمل أن هذا الأمر يرضيه فنفعله. يكفي أن نحتمل أن هذا الأمر يؤذيه أو يزعجه أو يغضبه لنتجنّبه. قد لا يأمر ولكنه يقول هذا رأيي ونحن بالنسبة لنا إذا كان هذا رأيه فيجب أن نطيعه”.
بعد هذا الشرح الإيماني العميق للأمين العام لـ “حزب الله” لا يعود من معنى لأيّ حديثٍ عن كونهم “أسياد” هذا البلد، إلا إن كان يقصد أنّهم يسودون البلد بسلاحهم، بمعنى أنهم يسيطرون عليه ويحتلّونه، فيصبح عندها كلام رعد أكثر دقّة.
وبمنطق سيادة “حزب الله” على لبنان بسلاحه تصبح غريبةً دعوة رئيس الجمهورية إلى الحوار، ويصبح السؤال عندها: كيف يصحّ أيّ حوارٍ بين “أسياد” وعبيد؟ أو كيف يصحّ الحوار بين من يسودون بسلاحهم وبين من هم عُزّل؟ وكيف يقبل أن يدعو رئيس الجمهورية “حزب الله” إلى جلسة حوار وهو يعجز عن دعوته إلى جلسة لمجلس الوزراء؟ وكيف يقبل النائب جبران باسيل الذي لا يمون على الحزب للعودة إلى الحكومة بأن يجلس إلى طاولة حوار مع من يعطّل الحكومة ليحاوره قبل أقل من 10 أشهر على انتهاء عهد عمّه الرئيس ميشال عون في عناوين أتقن “حزب الله” المراوغة فيها منذ 15 عاماً؟
في مفهوم “حزب الله” أنه ومناصريه أسياد على الدستور والمؤسسات والقضاء والقانون في هذا البلد. هم يتحدّون القضاء ويعطلونه ويعطلون الحكومة لفرض إرادتهم على القضاء. وهم يعتبرون المجرمين والمرتكبين والمطلوبين من بين صفوفهم “قديسين”.
وفي مفهوم ثنائية “أسياد – عبيد”، إذا كان “حزب الله” هو السيد كما يُفاخر محمد رعد، تذهب صفة العبيد لكلّ من يخضع للحزب. وبهذا المعنى يصبح جميع الملحقين بالحزب أو التابعين له والدائرين في فلكه “عبيداً” له ينالون حصصاً ومكافآت يقررها “سيّدهم” وما عليهم سوى الرضوخ والقبول، تماماً كما يحصل في الملف الحكومي حيث على جميع الشركاء في الحكومة الرضوخ لقرار الحزب بالتعطيل، ومنهم طبعاً “التيار الوطني الحر” الذي أعلن رئيسه أنه لا يمون على الحزب للعودة إلى الحكومة في تظهيرٍ فاقعٍ للثنائية المشار إليها لأنّ الحليف يراعي حليفه بينما لا يحتاج السيد إلى مراعاة عبده!
قد يتنطّح بعض المزايدين إلى اتّهام كلّ من يخاصم “حزب الله” بأنهم “العبيد”، لكن الحقيقة أنّ العبيد لا ينتفضون على سيدهم، في حين أنّ من يخاصمون الحزب فعلاً هم الوحيدون الذين ينتفضون بوجهه اليوم، من الأحزاب السيادية كـ “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” و”حركة الاستقلال” إلى كلّ الشخصيات المستقلة السيادية في الثورة والمعارضة وليس انتهاءً بـ “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان”… وبهذا المعنى فإنّ هؤلاء يشكلون جوهرة أسياد لبنان الذين يعملون لاستعادة سيادة بلدهم من الذين رهنوها لأولياء أمرهم في الخارج!
يبقى المهم ألّا يتلهّى أحد برواية “الأسياد والعبيد”، فيسهو عن باله مراقبة كل ما يجري من مساعٍ مكثفةٍ لإشعال الشارع اللبناني تمهيداً لمحاولة تطيير الانتخابات النيابية عبر فرض أمرٍ واقعٍ من الفتنة والبلبلة، بدءًا بالامتناع عن توقيع مراسيم للضغط على لقمة عيش الكثيرين، مروراً ببعض الإجراءات القضائية المشبوهة، وليس انتهاءً بتحركات غضبٍ مزعومٍ غير بريءٍ في الشارع لناحية توقيته وإمكانية تسخيره لاستخداماتٍ سبق أن عايش مثلها اللبنانيون مراراً وتكراراً…
مواضيع مماثلة للكاتب:
جبران باسيل ومعركة التوقيع الخامس! | المعركة انطلقت… فماذا ستختارون أيها اللبنانيون؟! | الحزب والحكومة… والنظام الجديد! |