رياضة تتخطّى المألوف.. اليوغا شفاء للنفس والجسد
كتبت فاتن الحاج حسن لـ “هنا لبنان” :
من مشارق الأرض إلى مغاربها تشتهر قولاً أو فعلاً.
لا يخلو بلد من مدارس ومعاهد ونوادٍ لها، ولا تغيب سيرتها عن الحكماء والمفكّرين والمهتمّين بالصحّة والعلاج.
إنّها اليوغا، أكثر من رياضةٍ وأبعد أثراً من التمارين الجسديّة؛ فهي تسلية وعلاج في آنٍ معاً.
فاليوغا تتخطّى مفهوم التدريب والتحكّم بالجسد، لتشمل أيضاً تهذيب النفس والسيطرة على الفكر.
حول عالم اليوغا المثير والغريب، قابلنا الدكتور قيس غوش وهو متخصّص باليوغا وممارس لهذه الرياضة منذ خمسين عاماً وباحث في الحضارة والثقافة الهنديّة، فكان الحوار الآتي:
* دكتور غوش، السؤال البديهي: ما هي اليوغا؟
– اليوغا هي رياضة جسديّة وروحيّة ونفسيّة في آنِ معاً، وهي هنديّة الأصل والمنشأ.
* إلى من ترجع زمنيّاً، ومن هو مؤسّس اليوغا تاريخيّاً؟
– مؤسّس اليوغا هو الحكيم بتنجلي، منذ حوالي الخمسمئة سنةٍ أو الألف سنةٍ قبل الميلاد. وهناك فلاسفة يقولون بأنّ اليوغا تعود إلى عدّة آلافٍ من السنين.
* إذاً، يمكن أن نقول إنّ بتنجلي ظهر في حوالي القرن العاشر قبل الميلاد، وبأنّ اليوغا وجدت قبله؟
– بتنجلي هو مفكّر وحكيم هندي، وهو يعتبر المؤسّس لعلم اليوغا، ولكن هناك كتابات وآراء فلسفيّة ودينيّة هنديّة مثل الـ “فيدا” ومدارسها، تتناول اليوغا قبل بتنجلي بآلاف السنين.
* هل هذا يعني أنّ بتنجلي نظّم اليوغا ووضع أسساً لها؟
– نعم، يعتبر هو المنظّم الأكبر لليوغا.
* يقال إنّ بتنجلي وضع عدّة مدارس يوغيّةٍ وليس مدرسةً واحدة، هل هذا دقيق؟
– بالضبط، فقد وضع بتنجلي مدارس ومناهج لعلم اليوغا، من ثماني إلى عشر مدارس، وهناك مدارس أخرى ثانويّة لا عدّ لها.
* من بين هذه المدارس تشتهر اثنتان: اليوغا الجسديّة واليوغا العقليّة، أليس كذلك؟
* أشهر المدارس اليوغيّة هي: اليوغا الملوكيّة أو العقليّة على حدّ قول “ميخائيل نعيمة” و”كريشنامورتي” والتي تسمّى “راجا يوغا”، ومن جهةٍ أخرى هناك “الهاتا اليوغا” التي تعنى بشؤون الجسد، أي تركّز على الجسد. وتُعرف اليوغا عالميّاً كرياضةٍ جسديّة، وهذه التمارين الجسديّة هي الأكثر انتشاراً اليوم.
* إذاً، فالهاتا يوغا هي مدرسة تركّز على الجسد وتهتمّ به أكثر من غيرها، لأيّة غاية؟
– كما يقولون “العقل السليم في الجسم السليم”، والعلم في الوقت الحاضر، كالطبّ النفسي – الجسدي يركّز على الجسد والنفس معاً. الجسد يفيد النفس والعكس صحيح. وتهدف الهاتا يوغا أيضاً إلى تحقيق صحّةٍ متكاملةٍ ومتفوّقة.
* هل هناك أهداف أخرى لليوغا الجسديّة، مثل اجتراح المعجزات أو أن يصبح الإنسان خارقاً؟
– نعم، تهتمّ كلّ مدارس اليوغا بالأمور الخارقة: العجائب، الموت الإرادي، الطيران، إيقاف نبضات القلب لأسبوعٍ أو أسبوعَين والقدرة على السيطرة على الأجساد.
* هناك أخبار تفيد بأنّه باستطاعة المتمرّس في اليوغا الارتفاع عن الأرض أو تحدّي الجاذبيّة، هل هذا ممكن؟
– نعم بالتأكيد، هناك طرق ومناهج يوغيّة تتيح للمرء تحدّي جاذبيّة الأرض.
* أين نجد أناساً يقومون بمثل هذه الأمور المستحيلة؟
– هناك أناس يقومون بذلك في الهند منذ آلاف السنين، فقد تمرّسوا على هذه الأمور وما زالوا على الطريق الصحيح.
* هل هي حكرٌ على الهنود أم أنّ أيّ يوغيٍّ في العالم يستطيع ممارسة هذه الأشياء الخارقة للطبيعة؟
– اليوغي أينما وجد يستطيع أن يمارسها، لكن في الهند هناك من نشأوا وترعرعوا على هذه الطرق والأساليب العجيبة التي لم يألفها غيرهم.
* يقال إنّ الهند استحدثت وزارةً أسمتها وزارة اليوغا منذ عشرات السنين، هل هذا يدلّ على أنّ اليوغا هي رياضة عالميّة وبالتالي هي مصدر للاستثمار عالميّاً؟
– بالطبع، فلليوغا مدارس وجامعات حول العالم، وهي علم متفوّق جدّاً ومتشعّب كثيراً. فعلى سبيل المثال، افتتح إييونغار مدرسةً في الولايات المتّحدة وطوّرها، وأصبح يشكّل جسده كالعجينة وهو في التسعين من عمره.
* كيوغيٍّ في لبنان، هل تلمس انتشاراً لليوغا، وكيف تصف تقبّل المجتمع لها، وهل تشعر أنّه مع الوقت زاد الاهتمام بها؟
– نعم، عُرفت اليوغا في لبنان منذ أيّام كمال جنبلاط وميخائيل نعيمة، واشتهرت منذ سبعينيّات القرن الماضي ووصلت إلى كلّ بيت.
* هل يستطيع الراغب بممارسة اليوغا أن يمارسها بنفسه عبر الاطّلاع الشخصي أم أنّه يجب أن يكون هناك مرشد يوجّهه؟
– كما يشاء، يمكنه أن يعتمد على الكتب أو على وسائل التواصل الاجتماعي فيصبح يوغيّاً ممتازاً. ولكن أنا شخصيّاً، تسنّى لي تعلّم اليوغا على يد أساتذةٍ كثيرين.
* في ظلّ الحياة الصاخبة وكثرة الأمراض العصريّة كالسكّري والضغط وأمراض القلب والسرطان، هل يمكن لليوغا أن تساعدنا على تجنّب هذه الأمراض أو التخفيف من آثارها؟
– بالتأكيد تفيد كثيراً، فهي علاج شافٍ من الأمراض الجسديّة والنفسيّة، وهي نافعة للمناعة، للقلق والأرق.
* لاحظنا أنّ تمارين اليوغا الجسديّة، الهاتا يوغا، متنوّعة جدّاً أي أنّ لكلّ عضوٍ في الجسم تمرين أو أكثر، ولكن ما يجمع بينها كلّها هو التنفّس. لمذا تقنيّة التنفس محوريّة في اليوغا؟
– تقنيّة التنفّس محوريّة لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدون تنفّسٍ لأكثر من دقيقتَين أو ثلاث دقائق، وإن وصل لخمس دقائق فسوف تفارقه روحه. إذاً، فطاقة الأوكسجين هي أعظم طاقةٍ في الكون. وتبعاً لذلك، فهناك تمارين تنفّسٍ لا تحصى ولا تعدّ في اليوغا، وتصل بممارسها إلى اجتراح العجائب والشفاء من الأمراض.
* هل اليوغا هي مثل ما سُمّيت من الأساس أي في الأصل اللغوي الهندي، تعني “الاتّحاد”؟ والاتّحاد بماذا؟
– أوّلًا هي الوحدة بين العقل والجسد، ويمكن أن تعني أيضاً الاتّحاد بين الإنسان والإله، وبالطبع فهي أوّلاً وأخيراً الاتّحاد مع الطبيعة.
* هل اليوغا هي علاج طبيعي؟
– بما أنّ الإنسان هو ابن الطبيعة، فمن دون الطبيعة لا يمكن أن يستمرّ. والطبيعة هي أساس كلّ شيء، وبالتالي فاليوغا هي العلاج بالطبيعة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
قطاع تربية النحل بين الإهمال الحكومي والاهتمام الأممي | فؤاد شهاب .. “الرئيس القائد”! | متلازمة الفيبروميالجيا: الأسلوب الأفضل للعلاج |