لبنان يخسر رأسماله البشري… آمالٌ معلّقة على أجنحة الطائرة وموتى بلا جثث في البحر!
كتبت يارا الهندي لـ “هنا لبنان” :
مشهدُ مألوف على اللبنانيين يعود ليتكرر أكثر من أي وقت مضى. خلال الحرب الأهلية (1975 – 1990)، شكلت الهجرة الملاذ الآمن للمقيمين في لبنان هربًا مما آلت إليه الأمور حينها.
الحرب الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون كل يوم، من العام 2018 حتى يومنا هذا، دفعت بربع مليون منهم إلى مغادرة البلاد بحثًا عن بلد آخر يأويهم ويؤمن لهم أدنى متطلبات العيش.
طرق الهجرة من لبنان تعددت، فهناك من قصدوا أبواب السفارات وحصلوا على تأشيرات. آخرون لم يتمكنوا من ذلك، فاتجهوا نحو الهجرة غير الشرعية، عبر البحر باتجاه دول مجاورة.
بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية، الأرقام مرعبة. فهربًا من جحيم الفقر وانعدام المستقبل، ابتكر اللبناني طرقًا متنوعة ولو كانت على حساب حياته.
لا إحصاءات رسميّة شاملة لعدد الأشخاص الذين غادروا لبنان عن طريق الهجرة غير الشرعيّة، خلال الأشهر الخمس الماضية، إنما تتزايد محاولات الهجرة غير النظاميّة من لبنان باتجاه دول أوروبيّة.
فكلّ شهر يتم توقيف مركب أو اثنين لأشخاص حاولوا الهرب من خلال قوارب الموت، في حين ذكر تقرير للدوليّة للمعلومات، أنّ السنوات الماضية شهدت خمسة حوادث أدّت إلى وفاة وغرق 51 شخصًا، معظمهم من عكار وطرابلس.
بالأرقام، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 1,570 شخصاً على الأقل، بينهم 186 لبنانيا، شرعوا أو حاولوا المغادرة في رحلات بحرية من لبنان خلال الفترة الممتدة بين كانون الثاني وتشرين الثاني من العام الماضي، غالبيتهم باتجاه قبرص. فبعدما كانت الهجرة غير النظامية تنحصر بالنازحين السوريين خلال السنوات الماضية، بدأ لبنانيون يلجأون إليها على الرغم من مخاطرها.
وبحسب الباحث في مؤسسة “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، فإن الهجرة غير الشرعية محدودة من لبنان وكبيرة عبر قبرص وتركيا وبيلاروسيا.
قصص طالبي الهجرة في لبنان لا تنتهي، وفي آخر إحصاء للدولية للمعلومات ظهر أن عدد اللبنانيين المهاجرين والمسافرين منذ بداية عام 2021 وحتى منتصف شهر نوفمبر 2021، وصل إلى 77,777 فرداً مقارنة بـ 17,721 فرداً في عام 2020. وتبين، أيضاً، أن عدد اللبنانيين الذين هاجروا وسافروا من لبنان خلال الأعوام 2018- 2021 قد وصل إلى 195,433 لبنانيا.
فحملة الجنسية الأجنبية هم من أوائل الذين غادروا لبنان بعد فتح المطارات التي أقفلتها جائحة كورونا، كذلك الحال بالنسبة لمن يملكون إقامة وفيزا صالحة، حسبما أكدت مصادر مواكبة لملف الهجرة لـ “هنا لبنان”.
فإلى جانب الوضع السياسي المتفاقم، تؤكد المصادر لموقعنا، وقوف الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية، وراء ارتفاع أعداد المهاجرين والمسافرين بحثاً عن فرصة عمل يفتقدونها في وطنهم، أو عن خدمات حياتية أساسية، إلى جانب العامل الطائفي الذي يقف في صدارة أسباب تصاعد هجرة اللبنانيين.
إلى ذلك، الفئات الشابة هي الأكثر تأثرا بموجات الهجرة التي تضرب البلاد، لأن 70% من المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 عاما، وقد خسر لبنان خلال السنوات الخمس الماضية نحو 5 في المئة من سكانه.
وفي هذا الإطار، يؤكد شمس الدين لـ “هنا لبنان”، أن كندا تعد واحدة من أبرز وجهات الهجرة التي يقصدها اللبنانيون، إلى جانب الوجهات كل من أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة.
فالحديث عن الهجرة كثر، لكن حتى الساعة، لا شيء يبشر بأن الوضع سيتحسن في لبنان خلال الأشهر المقبلة، إلا أن الاستحقاق الانتخابي وتغيير النظام السياسي من خلال دخول مستقلين إلى مجلس النواب، وتطبيق الإصلاحات التي تتهرب منها السلطة، تبقى الحلول الأبرز للحد من الموجة الثالثة للهجرة التي طالت أصحاب الكفاءات، واستنزفت رأسماله البشري.
فلبنان الملاذ الآمن الذي كان يلجأ إليه سكان دول العالم بأسره، أصبحت آمالُ شبابه معلقة على أجنحة الطائرة أو أشرعة قوارب الهجرة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ميقاتي وصفقة المليار يورو… على “ظهر اللبنانيين” | قنبلة الذوق الحراري: مواد كيميائية تنذر بكارثة جديدة في لبنان! | “دورة خفراء في الجمارك” تثير الجدل مجددًا… فهل يتم إقصاء المسيحيين من وظائف الدولة؟ |